الملف السياسي

بانتظـــار ما يســمى «صفقة القرن»!

03 يوليو 2018
03 يوليو 2018

ماجد كيالي -

كاتب فلسطيني -

إن المبادرات الأمريكية، كما علمتنا التجربة، تطرح لفرضها وليس لنقاشها، لاسيما في هذه الظروف العربية والدولية، مع ذلك فإن ما يجب إدراكه أننا لسنا إزاء «صفقة قرن» وإنما إزاء «طبخة بحص» أخرى.

ضجة كبيرة صاحبت زيارة صهر الرئيس الأمريكي، وكبير مستشاريه، جاريد كوشنير ومبعوث إدارة ترامب إلى عملية السلام جيسون غرينبلات، إلى المنطقة مؤخرا، حيث شملت زيارتهما لقاءات مع قادة كل من مصر والسعودية وقطر والأردن وإسرائيل، إلا أن السبب الأساس للضجّة يتعلّق باعتزام الرئيس ترامب إعلان مبادرة أمريكية جديدة، لتسوية الصراع ـ العربي الإسرائيلي، والتي باتت تعرف في الأوساط الدبلوماسية والصحفية بـ «صفقة القرن». السبب الآخر لهذه الضجّةـ، والمجادلات السياسية المتعلقة بها، ناجم عن التسريبات التي تفيد بتبلور نوع من الإجماع العربي، الرافض لهذه المبادرة، بمضامينها المعروفة، والتي تشمل إقامة دولة فلسطينية منقوصة، أي في جزء من أراضي الضفة، ذات صلاحيات منقوصة، مع انسحاب، أو إعادة انتشار، إسرائيلي، من بعض قرى شرقي القدس المحتلة (شعفاط وجبل المكبر والعيساوية وأبو ديس)، تكون إحداها (أبو ديس) عاصمة للدولة الفلسطينية، مع إبقاء البلدة القديمة المحتلة والمسجد الأقصى، تحت سلطة الاحتلال، من دون المس بالمستوطنات.

هكذا، فإن المبادرة الأمريكية القادمة تحت مسمى «صفقة القرن»، أو أي اسم اخر، لا تقدم شيئاً جديدا لواقع الفلسطينيين، أو لحقوقهم، بقدر ما إنها تضفي شرعية على الكيان الفلسطيني الناشئ في الضفة، الذي سيبقى بناء عليها ككيان بمثابة أكثر من حكم ذاتي، وأقل من دولة، وتحت هيمنة إسرائيل، التي ستبقى مسيطرة على الحدود والمعابر والموارد.

المعنى من ذلك أن المبادرة المزمع طرحها تضع الفلسطينيين أمام خيار الأمر الواقع، وتغلق الخيارات الأخرى. وضمن ذلك فإن تلك المبادرة المفترضة تطيح باتفاق أوسلو جملة وتفصيلاً، بعد أن تمت الإطاحة به عمليا، نتيجة التملّصات الإسرائيلية، وضمنها نتيجة سكوت الإدارات الأمريكية، التي لم تشتغل باعتبارها وسيطا نزيها ومحايدا وموثوقا في عملية السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وإنما اشتغلت للتغطية على مواقف إسرائيل وتبريرها، وإصدار المبادرة تلو الأخرى للالتفاف على حقوق الفلسطينيين، والتزامهم عملية التسوية، ومن هنا جاءت مفاوضات كامب ديفيد 2 في عام (2000)، في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون، وخطة «خريطة الطريق» في عام (2002)، و»اتفاق أنّا بوليس» في عام (2007) في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن، وطبعا فإن إدارة الرئيس أوباما وضعت الأمر خلف ظهرها تقريبا، باستثناء طلبها استئناف المفاوضات بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي في أعوام (2011 و2013 ـ 2014).

هكذا، جاء دور إدارة ترامب لطرح مبادرة جديدة، لن يتم فيها تقديم أي شيء للفلسطينيين، زيادة على ما هم فيه، أي دولة في جزء من أراضي الضفة في جزء من الحقوق السيادية، ولجزء من شعب فلسطين، وهو ما يستنتج منه على وجه التحديد، أن إدارة ترامب تتنصل من اتفاق أوسلو (1993)، بصورة واضحة، بإطاحتها مرة واحدة بمجمل القضايا التي تم النص على طرحها في ما يسمى مفاوضات الحل النهائي، التي تتضمن حل قضايا: القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والترتيبات الأمنية؛ ففي هذا الإطار جاء اعتراف ترامب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وبتصفية وكالة أونروا للتحلل من المسؤولية الدولية عن قضية اللاجئين، وتشريع المستوطنات في الضفة، الأمر الذي يعني تغييب الحدود، وتكريس السيطرة الإسرائيلية في الضفة من كل النواحي.

أيضاً، تستمد تلك الضجة، والمجادلات من حولها، قوتها من حقيقة الرفض الفلسطيني لتلك الصفقة، ورفض الرئيس الفلسطيني التعاطي مع الزائرين الأمريكيين، أو استقبالهما، الأمر الذي يطرح التساؤل عن الأوراق التي تمتلكها القيادة الفلسطينية لمواجهة المسعى الأمريكي، وتفويت استهدافه. وربما يجدر التذكير هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أحد أهم المصادر السياسية لتشريع وجود الكيان الفلسطيني، بغض النظر عن رأينا بذلك، كما أنها أحد أهم مصادر تمويل السلطة الفلسطينية، إذ بلغ مجموع ما حولته للسلطة في بعض السنوات حوالي نصف بليون دولار، وثمة تحويلات أخرى مهمة، منها ما يغذي موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ومنها ما يدعم موازنة أجهزة الأمن، والمنظمات غير الحكومية، مع تأكيدنا أن المكانة السياسية للولايات المتحدة هي أهم بالنسبة لوضع الفلسطينيين من التقديمات المادية.

نستنتج من ذلك أن وضع القيادة الفلسطينية في غاية الصعوبة والتعقيد، فهي أولاً: تعتمد في شرعيتها، أي في وجود الكيان الفلسطيني على الخارج الى حد غير قليل . ثانيا: هي تعتمد في مواردها على المساعدات المالية المتأتية من الدول المانحة، ومن عمليات «المقاصة» مع إسرائيل (وهذه تشكل نصف موارد موازنة السلطة)، وهذان يغطيان ثلاثة أرباع موازنة السلطة البالغة أربعة بلايين دولار. ثالثا، ثمة حال الانقسام الفلسطيني، بين سلطتي الضفة وغزة، وبين حركتي فتح وحماس، ما يضعف الفلسطينيين، ويحد من قدراتهم، ناهيك أنه ينمي مشاعر الإحباط عندهم. رابعا: لا يوجد حاضنة عربية للموقف الفلسطيني بحكم اضطراب الأوضاع في المنطقة، والتدخلات الإقليمية، ولاسيما في المشرق العربي، وغياب نوع ما من إجماع عربي في مختلف الشؤون العربية، وضمنها الشأن الفلسطيني.

على أية حال فإن المبادرات الأمريكية، كما علمتنا التجربة، تطرح لفرضها وليس لنقاشها، لاسيما في هذه الظروف العربية والدولية، مع ذلك فإن ما يجب إدراكه أننا لسنا إزاء «صفقة قرن» وإنما إزاء «طبخة بحص» أخرى.