الملف السياسي

من «أوسلو» إلى «الصفقة» .. تاريخ طويل من الفشل !

03 يوليو 2018
03 يوليو 2018

عماد عريان -

,, لا شك في أن عدم احترام الثوابت العربية - الفلسطينية المدعومة بمئات القرارات والتوصيات والمواقف الدولية والأممية هو السبب الأساسي في فشل تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي حتى اليوم، ويبقى الصمود الفلسطيني هو كلمة السر في استمرار الحفاظ على تلك الثوابت التي لن تنهار ولن تموت مهما طال الزمن ومهما بلغت الضغوط ,,

ليس خافيا أن بعض الثوابت الفلسطينية قد تراجعت عن الواجهة الأمامية نتيجة عوامل وظروف سياسية داخلية وإقليمية على مدار نصف القرن الماضي وعلى رأسها بالتأكيد ثوابت مثل المطالبة بأرض فلسطين التاريخية وعدم الاعتراف بدولة إسرائيل واعتبار الكفاح المسلح المنهج الوحيد للحصول على الحقوق الفلسطينية المشروعة، ويعتبر قبول الفلسطينيين باتفاقات أوسلو في مطلع التسعينات من القرن الماضي أبرز محطات تراجع هذه الثوابت التاريخية، ويمكن القول أنها لم تكن إلا خطوة تكتيكية تستجيب لظروف معينة حفاظا على الأرض والشعب، إلا أن الطرف الصهيوني ومعه أطراف غربية أخرى لم يكونا على مستوى المسؤولية ولم يرتقيا لمستوى الطموحات الفلسطينية المحدودة، فظلت المناورات والمؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية ذاتها بدلا من العمل على تسويتها، ولعل المؤسسات الأممية؛ مجلس الأمن، الجمعية العامة، اليونسكو، الأونروا، مجلس حقوق الإنسان، هي خير شاهد على تلك الخطوات السلبية التي أدت إلى فشل مزمن لكافة جهود التسوية منذ اتفاقات أوسلو وحتى «صفقة القرن»المبهمة حتى الآن إلا من تسريبات كارثية واجتهادات مخيفة.

فعلى مدى العام ونصف العام لم تتبلور رؤية الإدارة الأمريكية تجاه هذه الصفقة المزعومة وكل ما خرج عنها مجرد تكهنات وتسريبات، وما عرض منها تم رفضه عربيا خاصة بعد الإصرار من قبل أطراف عربية عديدة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية، وذلك بالطبع يأتي مع التأكيد والرفض الفلسطيني لما يسمى «صفقة القرن» وإعلان سابق للرئيس محمود عباس (أبو مازن) بأنه لن يقبل الرعاية الأمريكية على ملف المفاوضات بعد قرار ترامب بنقل السفارة إلى القدس، وتأكيد تمسكه بالثوابت الفلسطينية والعربية، في حين أكد بيان للرئاسة المصرية بعد لقاء مع كوشنر وجرينبلات مؤخرا على التمسك بدولة فلسطينية مستقلة بحدود عام 67 وعاصمتها القدس، وتأكيد إنجاز المصالحة الفلسطينية، ما أحدث توازنا في المواقف العربية المترددة وبما أربك أمريكا وحمل مؤشرا مهما لإمكانية وحدة الموقف العربي، الداعم للموقف الفلسطيني لرفض وإحباط صفقة ترامب الرامية لتصفية القضية.

ومن بين التفاصيل التي تسربت عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمعروفة بـ(صفقة القرن) ما ذكرته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، وتشير إلى أن الولايات المتحدة تعتزم عرض إعلان قرية «أبو ديس» شرق القدس المحتلة باعتبارها العاصمة الفلسطينية، مقابل انسحاب إسرائيلي من ثلاث إلى خمس قرى فلسطينية محيطة بالقدس المحتلة، كانت حكومات الاحتلال قد ضمتها لمنطقة نفوذ بلدية القدس، بعد الاحتلال في العام 1967، وحسب «هاآرتس» ستبقى البلدة القديمة من القدس المحتلة تحت سيطرة وحكم الاحتلال، ولم تشمل خطة ترامب اقتراحات لانسحاب إسرائيلي من المستوطنات القائمة أو إخلاء المستوطنات التي توصف بأنها معزولة، ولا أي انسحاب من الكتل الاستيطانية الكبيرة مثل كتلة مستوطنات «أريئيل» جنوب نابلس ومستوطنات «غوش عتصيون» قرب بيت لحم، ولا مستوطنات «معاليه أدوميم» كما تنص خطة ترامب على إبقاء الأغوار الفلسطينية على الحدود مع الأردن تحت سيطرة الحكومة الإسرائيلية، مع إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ودون جيش أو أسلحة ثقيلة.

ومن ثم، كان بدهيا ألا تلقى صفقة القرن قبولا لدى الجانب الفلسطيني الذي يصر على وصفها بأنها «صفعة القرن»، كما أدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس المساعي الأمريكية لفرضها على الفلسطينيين رغما عنهم، معتبرا تلك المخططات محض محاولات لتقسيم الفلسطينيين وعزل الضفة الغربية عن قطاع غزة بحجة إعادة الإعمار، وتحويل قضية غزة من قضية سياسية إلى إنسانية، وإنهاء معركة الفلسطينيين لإنهاء الاحتلال وإقامة دولتهم. وبدوره، أكد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله على رفض «صفقة القرن» الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بوصفها «تدمير وتصفية للقضية الفلسطينية»، ودعا الاتحاد الأوروبي والدول الفاعلة إلى تبني المبادرة الفلسطينية لعقد مؤتمر دولي للسلام ورعاية عملية المفاوضات وعدم اقتصار رعاية عملية السلام على الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعدما أثبتت إدارتها الحالية برئاسة دونالد ترامب، بعدم موضوعيتها وبأفعالها ومواقفها المناهضة للشرعية الدولية أنها ليست وسيطا نزيها للسلام.

ومن جانبه، أكد صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن الإدارة الأمريكية تسعى من خلال تحركاتها «المشبوهة» في المنطقة - على حد وصفه - إلى إسقاط القيادة الفلسطينية لتمرير «صفقة القرن» الكبرى، وشدد عريقات على أن القيادة (السلطة) الفلسطينية تعلم تماماً أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا ترغب باستمرار وجودها، لأنها تعارض توجهاتها وسياستها الخطرة في المنطقة، والتي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. واعتبر عريقات أن الجولة المكوكية التي قام بها المبعوثان الأمريكيان جارد كوشنير مستشار ترامب، وجيسون جرينبلات مبعوثه الخاص للسلام قبل أيام، في عدد من دول الشرق الأوسط، تأتى في سياق التحركات الأمريكية الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية، حيث تجاهلت قيادة السلطة، توخيا لإبرام اتفاقات من خلف ظهرها، توطئة لإسقاطها وتمرير مخططات خطرة لفصل قطاع غزة عن باقي الوطن الفلسطيني. واتهم عريقات واشنطن بالبحث عن حلول وصفها بـ(الترقيعية) لأزمة اللاجئين، من أجل إنهاء قضيتهم بشكل غير عادل ومخالف للقوانين والمرجعيات الدولية ذات الصلة.

ولقد جاءت ردود الفعل الفلسطينية تلك متناغمة مع إعلان القيادة الفلسطينية في ديسمبر الماضي عن وقف الاتصالات السياسية مع إدارة دونالد ترامب بعد قرارها اعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، ورهنت القيادة الفلسطينية استئناف تلك الاتصالات بتراجع الإدارة الأمريكية عن قرارها والإعلان صراحة عن قبولها حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية في إطار مفاوضات ضمن آلية متعددة الأطراف، وفى سياق سقف زمني محدد.

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن تلك التطورات مجتمعة قد جاءت بعدما توقفت المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في عام 2014 بسبب خلافات زادت من تفاقمها الحرب في غزة، ثم اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل عدة اشهر.

وفيما يخص المقاربة الاقتصادية التي تستند إليها صفقة القرن، فإن خبرات وتجارب التاريخ تؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن أية ترتيبات لتسوية الصراعات والنزاعات الإقليمية الممتدة، تتجاهل الجوانب السياسية والأبعاد الاستراتيجية لتلك الأزمات والصراعات، وتحاول اختزال التعاطي معها في معالجات اقتصادية بحتة وعابرة، سوف تنتهي بالفشل لا محالة، وهو ما وضح جليا حينما طرح «شيمون بيريز» أواسط تسعينات القرن الماضي رؤيته المشبوهة والمغرضة للشرق الأوسط الجديد القائم على الحلول والمعالجات الاقتصادية، والتي كان يهدف من ورائها إلى تجاوز الخلافات والصراعات السياسية من خلال إطلاق مشاريع للتعاون الاقتصادي من دون أن تسبقها تسويات سياسية عادلة وشاملة ودائمة، وهو الأمر الذي حكم على تلك الرؤية بالموت وهي في مهدها، حيث تراءى للجميع حينئذ أن إرساء نظام إقليمي تعاوني مستقر مرهون بنجاح عملية سلام إسرائيلية عربية تكفل إعادة الحقوق العربية غير منقوصة، وهو ما يمكن أن يمهد السبيل لإقامة منظومة ناجحة للتعاون الإقليمي على مختلف الصعد.

لذلك، لم يكن مستغربا أن ينتقد الفلسطينيون الخطط الأمريكية لتنفيذ بعض المشاريع الاقتصادية في قطاع غزة ضمن صفقة القرن، من دون تنفيذ مقررات الشرعية الدولية، وهي المشاريع التي اعتبرتها السلطة الفلسطينية محاولة من واشنطن وتل أبيب لتغذية الانقسام الفلسطيني وتوسيع الفجوة بين رام الله والقطاع، توطئة لتمرير صفقة القرن المشبوهة. كما لم يكن من قبيل المفاجأة أن ينهى جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون جرينبلات، قبل أيام جولتهما في المنطقة من دون الإعلان عن أية بشارات أو نتائج إيجابية فيما يخص مصير صفقة القرن، التي يبدو أن الثوابت العربية التي اصطدمت بها كانت أكثر صلابة مما كان يظن الأمريكيون والإسرائيليون.