أفكار وآراء

من مسؤوليات المدير العام للشركة

27 يونيو 2018
27 يونيو 2018

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

[email protected] -

يكون المدير العام للشركة في أحسن علاقة مع رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، ويحصل على ثقتهم الكاملة للدرجة التي تمكنه من تنفيذ مهامه القيادية على أحسن وجه في الشركة وحواليها وخارجها. ولكن فجأة يتم فصل هذا المدير العام أو يطلب منه أو يرغم على تقديم استقالته حفظا لماء الوجه أو العلاقة القديمة أو غيره من الأسباب الخفية. ومثل هذا القرار المفصلي المهم يحدث كثيرا بل وفي أكبر الشركات وأعرقها، والأمثلة كثيرة ومعروفة.. والدراسات توضح أن إنهاء الخدمة المفاجئ، لهذه الفئة، في تزايد مستمر ومقلق.

هذا “القرار الفاصل” أو الموقف المفاجئ من مجلس إدارة الشركة قد يتضح لاحقا أنه بسبب الاكتشاف المفاجئ لممارسات قد تبدو بسيطة لكنها غير سليمة وغير أخلاقية أو قد تكون تجاوزات إدارية صغيرة لكنها مقلقة وتلقي بظلال سوداء على نوع الشخصية ومدى أمانتها ومقدار ولائها ونقائها الداخلي.. خاصة وأن هذا المدير العام يظل في ممارسة الأخطاء والتجاوزات مع الحرص التام على أن يقوم بها في الخفاء والظلام والكتمان المتعمد.

هناك دراسة مهمة في الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة وجدت الكثير من المتابعة الإعلامية. وهذه الدراسة تمت بخصوص إلقاء الضوء على التصرفات الشخصية للقادة التنفيذيين للشركات والعلاقة بين المدير العام من جهة ومجلس الإدارة من الجهة الأخرى. لسوء الحظ، تبين أن 34% من هؤلاء المديرين يكذبون في التقارير التي يقدمونها لمجالس الإدارة والمساهمين خاصة في العديد من الأمور والمسائل التي تخصهم شخصيا وتعود لذواتهم. ومن هذه الحالات مثلا، وفق الدراسة الأمريكية المذكورة، تبين أن أكثر من 20% أخفوا العديد من الممارسات الجنسية والمخلة بالآداب والسلوك القويم مع الزملاء أو العاملين في الشركة أو الاستشاريين الخارجيين أو أصحاب المقاولات والموردين للشركة.. وتبين أن هناك من يقوم بتغطية أخطاء المقربين له في الشركة تحقيقا للمحاباة التي تعود لفائدتهم الذاتية، ومن يخفي تزوير أو تغيير بعض المستندات والبيانات، أو ممارسة الكذب في تقديم بعض المعلومات للشركة أو المرتبطين بها من زبائن وغيرهم، أو من يخفي قيادته تحت تأثير الكحول، أو شكاوى زوجته أو غيرها للشرطة بسبب العنف أو المشاجرات.. وغير هذا من الأمور التي قد تفضح سوء الشخصية والسلوك أو عدم توازنها للدرجة التي تخل من قيامها بواجبها القيادي الموكول لها على الوجه الأكمل.

تبين من هذه الدراسة أن مجلس إدارة الشركة، وفي أغلب الحالات، هو آخر من يعلم بهذه التجاوزات والممارسات المخالفة للإجراءات والقانون وقواعد السلوك وحوكمة الشركات وما يرتبط بها من ضرورة توفر حسن الخلق وسمو النفس وتمثيل دور القائد “القدوة” لكل من يعمل في الشركة ويرتبط بها... وقد تتأثر سمعة ومكانة الشركة وتتضرر كثيرا، ولكن مجلس الإدارة في غياب تام لأنه لا يعلم أو قد يعلم متأخرا... وكرد فعل يأتي مجلس الإدارة بالخطوة السريعة المدوية الخاصة بالعزل والإقالة الفورية من المنصب القيادي. وبالطبع لهذا انعكاسات وخيمة قد لا يزيلها الزمن القريب. فأين مكمن الخطأ هنا ؟ ومن هو المسؤول؟

قد لا تنطبق الأمثلة المذكورة أعلاه على منطقتنا بصفة مباشرة لكن هنا أيضا توجد مخالفات إدارية قانونية وممارسات غير سليمة من البعض. وفي مثل هذه الحالات وما يشابهها، فإن هذا المدير العام يعتبر المسؤول الأول لأنه ارتكب وتعمد ارتكاب الأخطاء في الخفاء المظلم. ومجلس الإدارة والمساهمون، أيضا، يتحملون المشاركة في هذه الأخطاء التي ما كان لها أن تتم لو كانت القواعد الإجرائية موجودة وبصورة واضحة ويعلمها الجميع ويسير وفقها، وما كان لها أن تتم لو كانت هناك المتابعة اللصيقة القريبة المتميزة بحسن المراقبة والرقابة الواعية.. ونقول، للحد من هذه الممارسات وتقويما للعمل المؤسسي، هناك إجراءات قانونية عديدة لا بد من توفرها مع حسن تطبيقها على الجميع دون فرز من القمة للهرم، وهناك إجراءات لتمكين الرقيب من مراقبة التطبيق السليم بعيدا عن الذاتية والأنانية الفردية، وهناك أيضا إجراءات لتأهيل وجذب العاملين في الشركة للمشاركة في الرقابة وتقديم الإشارة الحمراء ونفخ الصافرة للتنبيه في الوقت المناسب..

إن وجود القواعد والإجراءات السليمة والضوابط الأخلاقية والمهنية من الأمور المهمة جدا لتأسيس نظام إداري سليم في كل مكان وكل زمان وفي كل شركة أو مرفق. وإضافة لهذا لا بد من تفعيل هذه الإجراءات والقواعد وتطبيقها تطبيقا سليما موزونا، ولا بد من الرقابة والمراقبة السابقة واللاحقة.. على أن يشترك الجميع في هذا ويقدمون أنفسهم للبذل والتفاني وعلى رأسهم يجب أن نجد قائد المسيرة الإدارية الذي يتبوأ منصب القيادة “المدير العام”، ومعه وقبله في هذا من قام بتعيينه وأيضا من يشاركه في تنفيذ مهامه، وليقف الجميع كالبنيان القوي.. وإذا كان جدار البنيان متماسكا ويقوم على أساس صلب وثابت فإنه بالطبع سيصمد في وجه كل الأعاصير وتقلب الأيام.. وخير من استأجرت لنا “القوي الأمين” الذي يعمل في كل الأوقات بوازع من ضميره القوي الأمين في السر وفي الخفاء وفي الصغيرة وفي الكبيرة، وعلى نفسه قبل الآخرين. ونتطلع لهذا ليرتقي العمل المؤسسي وتسود المؤسسية في وجه الفردية. ولهذا تهدف وتتطلع حوكمة الشركات التي يجب أن نقتبسها ثم ننتهجها فعليا وعمليا لمصلحة الشركة ثم المجتمع.