khaseeb
khaseeb
أعمدة

نبض المجتمع: العرس الجماعي مدرسة للقيم

20 يونيو 2018
20 يونيو 2018

خصيب القريني -

تمثل عملية الحفاظ على القيم الوطنية والعادات والتقاليد لأي مجتمع تحديا كبيرا في ظل التطورات الحياتية المتسارعة، وفي ظل التداخل القيمي العالمي الناتج في الأساس من وجود عالم واحد لا يعترف بالفواصل والحدود الثقافية، وفي ظل ثورة عالمية رابعة تتخذ من الإنترنت وما نتج عنها وسيلة للتواصل بين دول العالم، من هنا أصبحت التحديات في هذا المجال صعبة، وتحتاج إلى أدوات تتناسب مع الوضع الراهن من اجل استمرارية الحفاظ عليها وغرسها في نفوس الشباب، بحيث يحافظوا على الأصالة بدون التخلف عن ركب الحداثة.

ورُبَّ قائل يقول وما جدوى التمسك بهذه القيم والعادات والتقاليد في زمن الماديات، والجواب: إن هذه العادات والقيم هي في الأساس المرتكزات الأساسية التي تميز هذا الشعب عن غيره من الشعوب، في وقت تذوب فيه هذه الفوارق وتضمحل هذه القيم، كما أن هذه القيم والعادات هي في غالبها انعكاس للقيم الإسلامية التي يجب أن نتمسك بها لأنها أساس الدين الذي نعتنقه، وبالتالي فإن أي حديث عن عدم أهميتها هو في الواقع محض افتراء يراد به تهميش الأدوار الحقيقية للمبادئ التي ترتكز عليها، وتقليل من أهمية الجانب الوجداني المعنوي الذي يسهم بنسبة كبيرة في التكوين الشخصي الذاتي للفرد الى جانب الجوانب المادية الأخرى، فالحاجة لهذه المنظومة المتكاملة نابع من تكامل الإنسان ذاته، فهو في النهاية روح وجسد.

إن أبرز جانب يجب التركيز عليه هنا هو الجانب الذي يعتمد على التطبيق والممارسة، عند رغبتنا في ان تستمر منظومة القيم على وتيرتها السابقة، فحشو أذهان الناشئة بمعلومات وأفكار نظرية عن القيم والعادات والتقاليد ليس هو السبيل الوحيد لعملية ضمان تمسك هذه الأجيال بكل هذه المورثات، بل قيامهم بممارستها هو الطريق الصحيح لقدرتهم على الحفاظ على هذه القيم والمبادئ.

ان العرس الجماعي السنوي في قرية مخيليف بولاية صحم هو احد الركائز التي يمكن من خلالها تطبيق هذه القيم والعادات والتقاليد المتوارثة بشكل عملي، حيث تبرز مختلف السمات والخصائص الإيجابية التي يجب ان يتحلى بها المجتمع واضحة وجلية في هذه التظاهرة المجتمعية، فيظهر التعاون في أبهى صوره وتسود الألفة والمحبة قلوب الجميع، ويشعر كل واحد منهم بأن هذا العرس هو صاحبه ويجب أن يظهره بأجمل صورة.

وأجدني هنا أتحدث عن مظهر واحد فقط من هذه المظاهر، وهو الذي يتعلق بمراسم الاستقبال التي تميز العرس عن الكثير من أمثاله، والتي تتجلى فيها عادات وقيم تظهر للضيوف مدى المحبة والتقدير والفرحة التي يكنها أبناء القرية لهم، فالضيف أصلا لم يأت لتناول الطعام بقدر ما جاء تقديرا واحتراما لهم، فيجب أن يرد الفعل بمثله، ويجب أن ينزل في المكان الذي يليق به، وقس الأمر على بقية المظاهر الأخرى التي تعبر عن تلاحم تقليدي يبرز مكنونات التاريخ الحضاري لهذه القرية.

وبكل هذه المظاهر يتربى أبناء القرية منذ نعومة أظفارهم على هذه العادات والتقاليد الجميلة والرائعة والتي لا تحتاج لدروس نظرية لتعلمها، فالكل يشارك ويتعلم الصغير والكبير دون استثناء، وبالتالي أجدني في الختام أصف هذا العرس بأنه مدرسة عملية لتعليم العادات والتقاليد وغرس القيم الإيجابية.