روضة الصائم

أحكام الأسرة: الفحص الطبي قبل الزواج

13 يونيو 2018
13 يونيو 2018

د.صالح بن سعيد الحوسني -

من نعم الله تعالى على عباده أن شرع لهم الزواج؛ الذي فيه من المنافع والفوائد الشيء الكثير، ولذا فإن كل رجل وامرأة قبل أن يقدم على أمر الزواج حريص أن يكون هذا الاختيار مناسبا حتى يجني فوائد الزواج المختلفة، ويعيش في ظلال الحياة الزوجية بسعادة وهناء، وأما إن أهمل ذلك فلربما قد يكون ذلك الزواج سببا في الشقاء والتعاسة والحسرة والندم طيلة حياته.

ومن الأمور المستحدثة في هذا الزمان ما يُسمى بالفحص الطبي قبل الزواج، وهو عبارة عن فحص يجريه الخطيبان يهدف إلى بناء أسرة سليمة، تتمتع بالصحة والعافية متجنبا ما قد يكون من حمل بعض المورثات المرضية أو المعدية للأبناء، ذلك لأن نعمة الصحة لا تعادلها نعمة، وهو أمر لا يجادل فيه اثنان؛ والذي يدفع لهذا الصنيع ما قد يكون من مورثات مرضية قد تظهر في حالة الإنجاب، وقد يبدو الزوجان في أقصى درجات الصحة والعافية من حيث الظاهر، ولكن عند الفحص المخبري تظهر لدى القائمين بصورة شبه مؤكدة احتمال ولادة أطفال مرضى بأمراض عويصة صعبة، وهذا هو ما حدا ببعض الدول إلى سن تشريعات توجب العمل بالفحص الطبي قبل الإقدام على الزواج.

وحول جدوى هذا الأمر من عدمه فإن دلائل مشروعيته واضحة جلية لأن هذا الصنيع من أعظم الوسائل الوقائية في الحد من كثير من الأمراض الوراثية المستعصية والخطيرة؛ والتي تنتقل إلى الأبناء من قبل أحد الوالدين أو كليهما، مع أن الكثير من هذه الفحوصات قد تجري للمتقدمين للدراسة أو العمل، فهي فحوصات مخبرية سهلة ميسورة غالبا، على أن هذه الفحوصات لا تضمن كذلك خلو المجتمع مستقبلا من العيوب والأمراض غير المرغوب فيها، فالمرض والصحة من عند الله تعالى، ولكنه يعني الكثير من الوسائل الوقائية المفيدة لأسرة تتمتع بالصحة والعافية.

ومن جملة ما توصل إليه العلم الحديث تحديد الكثير من الجينات المسببة للكثير من الأمراض الوراثية والتي تنتقل من خلال الزواج بين شخص سليم وآخر مصاب، أو بين ناقل للمرض لا تظهر عليه علامات المرض وآخر ناقل كذلك للمرض، والتي من خلال الفحوصات يتم الكشف عن الشهير منها لأن هناك الكثير من تلك الأمراض يحملها بعض الناس، وقد لا تظهر كما أسلفت إلا من خلال الفحوص المخبرية.

ومن أهم تلك الأمراض الوراثية التي تحتاج إلى التأكد من وجودها في المتقدمين للزواج أمراض الدم الوراثية والتي منها مرض فقر الدم المنجلي؛ وهو مرض وراثي يصيب الإنسان بسب وجود اعتلال في الهيموجلوبين؛ حيث يتأثر بنقص الأكسجين ويصبح لزجا فيصعب مروره في الأوعية الدموية ويسبب نوبات مرضية، ومن أعراضه: شحوب اللون، والتعب والإعياء الشديدين، وفقدان الشهية، والضعف العام، وحدوث الالتهابات والتقرحات المختلفة، ومن مضاعفاته حصول فقر الدم الحاد، ومن تلك الأمراض كذلك مرض نقص الخميرة، والذي يؤدي للإصابة بفقر الدم الحاد إذا تعرض المريض لتناول البقوليات كالفول، أو الإصابة بالتهابات مصحوبة بارتفاع في درجات الحرارة، أو تناول بعض الأدوية، وهو ما تتشابه أعراضه مع فقر الدم المنجلي، ومن تلك الأمراض كذلك مرض الثلاسيميا، وهو يحدث بسبب اختلال في المورثات الجينية، والتي تؤدي إلى فقر الدم، وهو ما يستدعي رعاية طبية دائمة، وغيرها من الأمراض المختلفة؛ ولذا فإن التعاطي مع هذه الأمراض الصعبة إنما يكون بمنع الأشخاص الناقلين للمرض من التزاوج، أو منع الحمل في حالة الزواج.

وإذا ما أردنا الوقوف على الجانب الشرعي لهذا الأمر فإن الأخذ بالأسباب وتجنب ما يؤدي للضرر أمر مطلوب ومقصد شرعي حميد، فالإسلام دين الفطرة الذي يراعي ما فيه المصالح الشرعية، ومن بينها حفظ النفس وعدم تعريضها بأي وجه من الوجوه للعطب أو الضرر، والتي جاءت متناسقة مع ما ثبت في ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومنها قوله: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»، على أن هذه الأمراض في وضعها الصحي مما تعكر الحياة الزوجية وتصيب الإنسان بالتعب والمشقة سواء للزوجين أو للأبناء الذين قد أصيبوا بتلك الأمراض، ومن المعلوم أن بناء الأرض بالخير والتعمير إنما يكون من خلال الأصحاء وليس المرضى.

ومن الأخلاق الكريمة أن لا يغرر الإنسان بصاحبه؛ فالذي يقدم على الزواج من غير بيان لحالته قد يؤدي إلى حدوث ما يعكر الحياة الزوجية بعد ذلك، فكان من الصراحة والأمانة أن يبين الإنسان حالته للطرف الآخر فإن قبل به بعد ذلك تحمل نتائج خياره، ولذا فإن قيام الزوجين بعمل هذه الفحوصات أمر في غاية الأهمية، وليس هو شرطا لصحة الزواج، وقد يتأكد الأمر إن كانت الشبهة كبيرة بإصابة احد الزوجين أو نقله للمرض الوراثي.