أفكار وآراء

الصراع التجاري على ضفتي الأطلسي وانعكاساته!!

12 يونيو 2018
12 يونيو 2018

عوض بن سعيد باقوير  -

انتهت قمة «مالبي» بإقليم كييبك الكندي بين الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم قبل أيام إلى مشهد دراماتيكي تمثل في رفض الرئيس الأمريكي ترامب التوقيع على بيان القمة، علاوة على تبادل التصريحات الملتهبة بين عدد من القادة الأوروبيين و بين الرئيس الأمريكي حول مسألة فرض الرسوم الجمركية الأمريكية على وارداتها من الصلب والالمنيوم وعدد من المنتجات الأوروبية مما قد يمهد لحرب تجارية بين واشنطن والدول الغربية واليابان والصين.

، كما أن الخلافات المتزايدة بين واشنطن وحلفائها في الغرب حول الملف النووي الإيراني أضاف إلى المشهد السياسي بين الفرقاء علي ضفتي الأطلسي المزيد من التعقيد وعدم الثقة في ظل الإدارة الأمريكية المشتبكة سياسيا واقتصاديا مع عدد من المجموعات الدولية وحتى الأمم المتحدة.

ماذا حدث في «مالبي»

كان من المتوقع أن تكون مسألة الرسوم الجمركية على واردات الصلب الأمريكية من أوروبا واليابان والصين وكندا هو الموضوع الأبرز الذي حاولت القمة إيجاد آليات مشتركة تخرج ببيان عام يتحدث عن أهمية قوانين التجارة الحرة العالمية، وان على واشنطن أن تحاور شركاءها الأوروبيين والصين حول إيجاد حلول مرضية لمصالح الأطراف، ومن هنا تراجعت الملفات السياسية لتتصدر الملفات الاقتصادية أحداث القمة، وكان واضحا أن هناك تصميما من الإدارة الأمريكية بأنها سوف تفرض في النهاية شروطها وان على الأوروبيين وحتى الصين القبول بالمنطق الأمريكي.

لقد أوضحت قمة «مالبي» في كيبيك، مرة أخرى، أن المصالح هي التي تجعل الجميع حريص على الدفاع عنها بصرف النظر عن العلاقات التاريخية بين واشنطن وأوروبا علي ضفتي الأطلسي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن هنا جاءت التصريحات القوية من جانب رئيس الوزراء الكندي، ومن جانب الرئيس الفرنسي، ومن المستشارة الألمانية، رافضة التشدد الأمريكي والذي يضر بالمصالح الأوروبية.

وكان التلاسن غير المتوقع بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الكندي بمثابة مؤشر واضح على الفشل الذريع لقمة الدول السبع الصناعية الكبرى، مما جعل الرئيس ترامب يرفض توقيع البيان الختامي للقمة والذي كان يهدف إلى حفظ ماء وجه الدول المجتمعة في كندا، وهذا الحدث جعل الجميع يتحدث عن أهمية المحافظة على مصالحه التجارية، مذكرين واشنطن بأن منظمة التجارة العالمية هي الإطار القانوني الذي من خلاله تحل مسألة فرض الرسوم الجمركية الأحادية من جانب واشنطن على الصادرات الأوروبية إليها، كما هو الحال مع صادرات الصلب الأوروبية إلى الولايات المتحدة، ومن هنا بدأ التراشق في التصريحات والذي ينذر بحرب تجارية مفتوحة سوف تكون لها أثار سلبية - إذا حدثت بالفعل - على الاقتصاد والتجارة الدولية بشكل عام.

إذن ما حدث في كييبك هو في جانب منه، صراع إرادات بين واشنطن والحلفاء علي ضفة الأطلسي، علاوة على مخاوف الصين، والتي تحدثت عن دفاعها القوي عن مصالحها، ومن هنا جاءت قمة شنجهاي التي تضم عددا من الدول كالصين وروسيا وإيران والهند وعدد من دول آسيا الوسطى، لتعطي زخما نحو مجابهة المشروع التجاري الأمريكي ، مما يعطي إشارات بأن الولايات المتحدة وعلى ضوء التصريحات الصادرة من الاتحاد الأوروبي والصين، قد تجد نفسها معزولة على ضوء القرارات المتعجلة من الرئيس الأمريكي، والذي يريد تطبيق شعاره الانتخابي «أمريكا أولا» في مجال التجارة مع العالم.

الاشتباك الأمريكي

الولايات المتحدة من خلال سلوك الإدارة الحالية تدخل في اشتباكات عدة وهو ما ظهر عدة مرات، سواء في مداولات مجلس الأمن الدولي، أو من خلال محاولاتها لتصفية القضية الفلسطينية من خلال مشروعها للسلام الذي لا يزال غير معلن، كما أن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، وتصميم الغرب وروسيا والصين على الحفاظ على ذلك الاتفاق، جعلها -أمريكا- اكثر عزلة حتى الآن، كما أن التحقيقات الداخلية التي يجريها المحقق الخاص «مولر» حول شبهة التدخل الروسي في مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 يضيف المزيد من الضغوط الداخلية على الرئيس ترامب، علاوة على دور الإعلام والصحافة الأمريكية وتركيزها على الأخطاء المتواصلة التي يرتكبها ترامب في مجال السياسة الخارجية، وهو ما يزيد المشكلات أمام الرئيس الأمريكي.

الاشتباك التجاري مع دول حليفة مثل كندا وهي في النطاق الجغرافي لدول أمريكا الشمالية، وأيضا خلافاته المتواصلة مع الدول الغربية علاوة على الخلافات العميقة مع روسيا في اكثر من ملف، وخاصة الملف السوري، وكذلك التجاذبات السلبية مع دولة عملاقة كالصين، ثاني اكبر اقتصاد في العالم، علاوة على الإشكالات مع ايران، كل تلك الاشتباكات تجعل واشنطن في موقف صعب، ومن هنا فقد كشفت قمة (مالبي) في كييبك، التوافق الأوروبي للحفاظ علي مصالح الدول والشعوب الأوروبية، مما جعل الولايات المتحدة تظهر بمظهر سلبي أمام المجموعة الأوروبية وكندا واليابان، مما جعل الرئيس الفرنسي ماكرون يقول بان اتخاذ إجراءات أحادية لا يجعل أي دولة منسجمة مع المجموعة، علاوة على تصريحات وزيرة الخارجية الكندية والتي أشارت فيها إلى أن خطوة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب هي خطوة غير قانونية وغير مقبولة وان كندا سوف تدافع عن مصالح شعبها، وهذا الانطباع يعطي مؤشر بان هناك تخبطا أمريكيا واضحا وفي عدد من الملفات.

المجموعة العربية إلى أين؟

الرئيس الأمريكي أشار أيضا الى إمكانية فرض ضرائب على صناعة السيارات ومن هنا فإن الدول العربية قد تدخل في الاشتباك التجاري مع واشنطن وحتى مع الدول الغربية إذا ما اندلعت الحرب التجارية، كما حدث في مراحل سابقة مع صادرات دول مجلس التعاون من البتروكيماويات، وذلك من خلال فرض رسوم كبيرة عليها، مما جعل العلاقات الاقتصادية بين الجانبين تتأثر.

المجموعة العربية هي المجموعة الأضعف والتي سوف تتضرر كثيرا في حال تم فرض ضرائب علي صادراتها أو الواردات من الأسواق الأمريكية والغربية ومن هنا ينبغي علي مجلس الوحدة الاقتصادية العربية أن يناقش مثل هذه التداعيات والتي أصبحت واقعا بعد فشل القمة الاقتصادية للدول السبع الصناعية في مدينة (مالبي) الكندية، ومن هنا فإن وزراء التجارة العرب لابد أن يتحركوا من خلال الجامعة العربية لبحث ومناقشة المشهد التجاري والاقتصادي الدولي وتأثيراته المباشرة على المصالح العربية وهذه خطوة مهمة في ظل منافسات اقتصادية حادة بين الدول الحليفة، وقد اظهر المشهد في كييبك بأن المصالح تتعدى التحالفات من خلال مواجهات وكلام قاسٍ بين الزعماء تعدت حتى الأعراف الدبلوماسية كما حدث بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الكندي حيث أشارت وزيرة الخارجية الكندية في تصريحات لها بعد القمة بان السلوك الأمريكي هو بمثابة إهانة لكندا وهذه الأخيرة لن تقبل ذلك.

العرب أمام مفترق طرق، فهم الآن في حالة تشرذم سياسي غير مسبوق وليس لهم مشروع قومي اقتصادي، ويتم استغلالهم من جانب أوروبا وواشنطن من خلال استمرار الأزمة الخليجية، وهناك غياب للإرادة العربية الجماعية، ومن هنا فإن أي حرب تجارية في العالم، سوف يكون تأثيرها الكبير والسلبي على التبادل التجاري لها، خاصة وان دول مجلس التعاون ذات استهلاك كبير مما يعرضها لإشكالات قد تنتج من الحرب التجارية إذا لم تتوصل الولايات المتحدة وأوروبا إلى حلول وسط، وهو أمر مستبعد في ظل فشل القمة الأخيرة في كييبك.

الإدارة الأمريكية، ومن خلال اشتباكها الاقتصادي والسياسي مع أوروبا وروسيا والصين سوف تدخل في قرارات صعبة حتي تؤكد الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وهو أمر مثار شك لدى كثير من الخبراء، خاصة في ظل وجود قوى اقتصادية كبري لا يمكن تهميشها من خلال فرض إجراءات أحادية من جانب واشنطن، وهذا ما يفسر الحدة في لغة التصريحات القوية من قادة الدول الغربية ضد قرار الولايات المتحدة والذي يضر بالمصالح الاقتصادية للدول الغربية وكندا واليابان والصين.

المؤشرات تدل على أن الرئيس الأمريكي قد يتراجع، خاصة وان المزيد من الضغوط والعزلة قد تجعله اكثر براجماتية كرجل أعمال من خلال مساومات محددة، ومن هنا فان التحالف علي ضفتي الأطلسي يتعرض لهزة كبيرة إذا استمر ترامب في موقفه المتشدد تجاه صادرات الصلب والالمونيوم الغربية إلى واشنطن.

لقد كشفت قمة كييبك بأن الدول الأوروبية لن تقبل بالقرار الأمريكي، بل واتضح من تصريح قادتها بان أوروبا تحتاج إلى مزيد من الوحدة والتكاتف ضد التعالي الأمريكي، وهو الأمر الذي بدأت بوادره تصدر من العواصم الغربية إضافة إلى أن مجموعة شنجهاي قد تتناغم مع الموقف الأوروبي والكندي، وهنا يكون الاشتباك الأمريكي مع المجموعتين اكثر تعقيدا واكثر خطورة علي التجارة الدولية.