روضة الصائم

نقائص إنسانية عالجها الإسلام - السفاهة خلق مذموم في الإسلام وعلاجه التسلح بالحلم

12 يونيو 2018
12 يونيو 2018

القاهرة: محمد إسماعيل -

منذ أن خلق المولى - عز وجل - الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتى مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية.

فهو قبل أن يحرم أو ينهي عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه...

وعلي مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة عالجها في ضوء القرآن والسنة.

يذكر الدكتور سعيد عبد العظيم في كتاب «خلق المسلم»، أن السفه والسفاهة عبارة عن خفة وطيش تعرض للإنسان من الفرح والغضب، فيحمله ذلك على العمل بخلاف العقل وموجب الشرع، وهذا نقیض الحلم، إذا ينبغي على المسلم أن يواجه الأحداث بمتانة في الرأي، وقوة في السلوك، لا أن يظهر الجزع من أدنى ضرر، ویسرف في العقوبة، ویبادر بالبطش، والسفه یدل علی نقصان العقل، ويکون في الأمور الدنيوية، ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)، (سورة النساء الآية: 5)، إذ خشي من السفيه إضاعة المال في أوجه التبذير، وعدم القدرة على العمل فیه بالتدبیر.

وقد يکون السفه من الأمور الأخروية، ومن ذلك قوله تعالی: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا)، (سورة الجن الآية: 4)، وقوله سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ)، (سورة البقرة الآية: 13). فالسفیه کما قال الکفوي: (ظاهر الجهل عديم العقل، خفيف اللب، ضعيف الرأي، رديء الفهم، مُستخف القدر، سريع الذنب، حقير النفس، مخدوع الشیطان، أسیر الطغیان، دائم العصیان، ملازم الکفران، لا يبالي بما کان، ولا بما هو کائن، أو سوف یکون). والسفه أقبح من العبث، إذ أنه يستلزم المضرة، وقد لا يكون فيه غرض أصلاً، والسفه قد يأتي بمعنى الكفر أو النفاق، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ)، (سورة البقرة الآية: 13)، وقد يأتي بمعنى الجهل، أو سوء التدبیر، کما في قوله تعالی: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)، (سورة الأنعام الآية: 140)، و حکی سبحانه ما کان من عاد مع نبیهم هود – عليه السلام -: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)، (سورة الأعراف الآيتان: ٦٦-٦٧). وقال ابن القيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب « مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»: أن السفه من النقائص الإنسانية التي تورد صاحبها النار، و قد وردت أحاديث كثيرة تذم السفاهة والمتصفين بتلك النقيصة، ومن ذلك: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عيه وسلم قال: (إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)، قالوا: وما الرویبضة؟ قال: (السفيه يتكلم في أمر العامة)، (رواه ابن ماجه والحاکم ووافقه الذهبی). وقال صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: («أعاذك الله من إمارة السفهاء»، قال: وما إمارة السفهاء؟، قال: «أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولست منهم، ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني، وأنا منهم، وسيردون على حوضي)، الحدیث (رواه أحمد و ابن ماجه والنسائي والترمذي). وعن أبی هريرة رضي الله عنه قال: حدثني حبي أبو القاسم الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام فقال: «إن هلاك أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش»، (رواه أحمد والحاكم وصححه،ووافقه الذهبی). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار»، (رواه ابن ماجه وابن حبان، وصححه الألباني). وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج في آخر الزمان أقوام أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية –القرآن- لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)، (رواه البخاري ومسلم). وقال ابن عباس رضي الله عنه: (إذا سرك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)، (سورة الأنعام الآية: 140)، (رواه البخاري). وقال عمر بن خبيب -يوصي بنيه-: «بني: إياكم ومجالسة السفهاء، فإن مجالستهم داء، ومن يحلم عن السفيه يسر، ومن يجبه يندم، ومن لا يرض بالقليل مما یأتي به السفيه یرضی بالکثير)، (رواه الطبراني في الأوسط). وعلاج نقيصة السفه يكون بإتباع الهدي القرآني والنبوي، فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقْبَل الميّسر الممكن من أخلاق الناس وأعمالهم، وأمره بكل قول حسن وفِعْلٍ جميل، وأمره أن يعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة الأغبياء فقال له (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ). والإعراض يكون بالترك والإهمال، والتهوين من شأن ما يجهلون به من التصرفات والأقوال، وعدم الدخول معهم في جدال ينتهي بالشد والجذب، وإضاعة الوقت والجهد.

وفي هذا صيانة له من السفه ورفعا لقدره عن مجاوبتهم.

فعلى المسلم أن يتخلص من نقيصة السفه ويتحول الى الحلم وأن يتصف بالحكمة ويجب عليه أن يجتنب هذا الصنف من الناس، وأن يحذر أن يكون واحدا منهم، فالسفه دليل سوء الخلق، ومظنة سوء الخاتمة، وهو يخرب الديار العامرة، ویستجلب غضب الجبار، وعظیم النيران، وصاحبه يؤول إلى الإفلاس، وهجران الناس له لشره المتعدي، وخلقه المشين.