1355807
1355807
روضة الصائم

الخيانة ثمرة الكفر والنفاق والأمانة ثمرة العهد والوفاء

11 يونيو 2018
11 يونيو 2018

نقائص إنسانية عالجها الإسلام -

القاهرة: محمد إسماعيل -

منذ أن خلق المولى- عز وجل- الأرض ومن عليها ظهرت مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق عامرا بالخلق الكريم، وقد أتى مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية.

فهو قبل أن يحرم أو ينهى عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه، وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه...

وعلى مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة عالجها في ضوء القرآن والسنة.

يذكر الدكتور سعيد عبد العظيم في كتاب «خلق المسلم»، أن من النقائص التي لا يجب أن يتصف بها العبد المسلم الخيانة، التي هي ضد الأمانة، ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، (سورة الأنفال: ۲۷)، فخیانتهم لله ورسوله كانت بإظهار من أظهر منهم للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الإيمان في الظاهر، وهو يستسر الكفر والغش لهم في الباطن، ویدلون المشرکین علی عوراتهم، ویخبرونهم بما خفي من خبرهم.

وقد عدها مؤرخ الإسلام الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي -رحمه الله- من الكبائر، بدليل قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»، (رواه البخاري ومسلم)، وقال: الخيانة قبيحة في كل شيء، وبعضها شر من بعض، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك، وارتكب العظائم، والخيانة خصلة من خصال النفاق، وهي مخالفة الحق بنقض العهد في السر، ويخشى على الإنسان إن استحكمت خيانته أن تؤول للنفاق الأكبر، النفاق الاعتقادي، كنفاق عبد الله بن أبي بن سلول، فيكون في الدرك الأسفل من النار.

أما ابن حجر فقد ذكر: أن الخيانة في الأمانات والوديعة والعين المرهونة والمستأجرة أو غير ذلك من الكبائر.

وقد وردت الكثير من الآيات القرآنية التي تذم نقيصة الخيانة وتحذر منها، فقال تعالى: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) (سورة البقرة: 187)، أي تخونوها بالمعصية.

ومنها: نقض العهد، قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)، (سورة الأنفال: 58 ). ومنها: ترك الأمانة، قال تعالى: (وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)، (سورة النساء: 105)، ومنها: المخالفة في الدين، قال تعالى: (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا)، (سورة التحريم الآية: 10). وقد ترد الخيانة بمعنى الزنا، كما في قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)، (سورة یوسف: 52). ويكفي في ذم الخيانة أن الله تعالى لا يحب أهلها ولا المتصفين بتلك النقيصة، قال تعالى: (وإن الله لا يحب كل خوان کفور)، (سورة الحج: 28)، وقال تعالى: (إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما)، (سورة النساء: ۱۰۷). ولا يجوز خيانة النفس أو الغير، كما لا يجوز الإعانة عليها، قال تعالى: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين)، (سورة يوسف: 28)، وقال سبحانه: (ولا تكن للخائنين خصيما)، (سورة النساء: 105). وقال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»: أن الخيانة: التفريط فيما يؤتمن الإنسان عليه.

ونقيضها: الأمانة.

قال الجاحظ: الخيانة هي الاستبداد بما يؤتمن الإنسان عليه من الأموال والأعراض والحرم، وتملك ما يستودع ومجاحدة مودعه، وفيها أيضا طي الأخبار إذا ندب لتأديتها، وتحريف الرسائل إذا تحملها فصرفها عن وجوهها.

وقال المناوي: الخيانة: هي التفريط في الأمانة، وقيل: هي مخالفة الحق بنقض العهد في السر.

وقال القرطبي: الخيانة: الغدر وإخفاء الشيء، ومنه يعلم خائنة الأعين.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)، (رواه البخاري ومسلم). وقال رضي الله عنه: (وأهل النار خمسة، الحديث، وذكر منهم: «الخائن الذي لا يخفى له طماع، وإن دق، إلا خانه)، (رواه مسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: کان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة»، (رواه أبو داود و حسنه الألباني). وفى الحديث: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)، (رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني). وفي الحدیث: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة)، (رواه أحمد). ولذا فعلى العبد أن يتخلص من نقيصة الخيانة، ويتصف بفضيلة الأمانة، التي قال عنها أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: (أصدق الصِّدق الأمَانَة وأكذب الكذب الخيانة). وعن ابن أبي نجيح قال: (لما أُتِي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لأمين.

فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين الله يؤدُّون إليك ما أدَّيت إلى الله فإذا رتعت رتعوا.

قال: صدقت). وعن هشام أنَّ عمر قال: (لا تغرُّني صلاة امرئ ولا صومه، مَن شاء صام، ومَن شاء صلى، لا دين لمن لا أمانة له). وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (لم يرخِّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمَانَة). وقال نافع مولى ابن عمر: (طاف ابن عمر سبعًا وصلَّى ركعتين، فقال له رجل مِن قريش: ما أسرع ما طفت وصلَّيت يا أبا عبد الرَّحمن.

فقال ابن عمر: أنتم أكثر منَّا طوافًا وصيامًا، ونحن خير منكم بصدق الحديث، وأداء الأمَانَة وإنجاز الوعد). وعن سفيان بن عيينة قال: (مَن لم يكن له رأس مال فليتخذ الأمَانَة رأس ماله). وقال الشَّافعي: (آلات الرِّياسة خمس: صِدق اللَّهجة، وكتمان السِّرِّ، والوفاء بالعهد، وابتداء النَّصيحة، وأداء الأمَانَة).