روضة الصائم

الشيخ حمدان اليوسفي اعتمد 10 طرق و9 ألفاظ فــــــي ترجيحاته النحوية

11 يونيو 2018
11 يونيو 2018

دعوة للبحث عن كتابه المفقود «شرح الدرة اليتيمة» المليء بالترجيحات وتحقيقه -

كتب : سالم بن حمدان الحسيني -

عكف الباحث محمود بن سعود العويسي من خلال كتاب الشيخ اليوسفي «خلاصة العمل» على دراسة ترجيحات الشيخ النحوية. حيث قسم هذا الفصل إلى مبحثين: المبحث الأول: منهجيته في الترجيحات النحوية، وفي هذا المبحث مطلبان: المطلب الأول: طريقته في الترجيح، مبينا أن للشيخ عشر طرق في الترجيح. وهي:

الطريقة الأولى: أن يَذْكُرَ القولَ الراجحَ، ثم القولَ المرجوحَ، ويتبع ذلك بذكر أدلة القول الراجح، ثم أدلة القول المرجوح والرد عليها، وهنا مثال على استخدامه لهذه الطريقة: قال الشيخ حمدان: «(لولا) المتصلة بضمير متصل لمتكلم، نحو: (لولاي)، أو مخاطب، نحو: (لولاك)، أو غائب، نحو: (لولاه)، فهي حروف جر شبيهة بالزائد كـ(لَعَلَّ) عند سيبويه، فتجر الضمير. وأنكر بعضهم هذا التركيب، وهو محجوج بورود ذلك عن العرب، ومنها قوله:

وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلَايَ طِحْتُ كَمَا هَوَى

بِإِجْرَامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي

وقولُه:

أَتُطْمِعُ فِينَا مَنْ أَرَاقَ دِمَاءَنَا

وَلَوْلَاكَ لَمْ يَعْرِضْ لِأَحْسَابِنَا حَسَنْ

والقائلون بالمنع قالوا: إِنَّ الأصل (لولا أنا) و(لولا هو) و(لولا أنت)، كقوله تعالى: (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)، فناب ضمير النصب مناب ضمير الرفع على طريق الاستعارة. وهذا مردود بأن نيابة ضمير عن ضمير لا تكون إلا بشروط مبسوطة في المطولات، وليست كما هنا». والطريقة الثانية: أن يَذْكُرَ القولَ المرجوحَ ودليلَه، ثم القولَ الراجحَ، ثم يرد على أدلة القول المرجوح، حيث يقول: «وقد حَظَلَ الجوهري اللغوي ذلك، أي منع كونها بمعنى (إلَّا) [أي منع كون (لَمَّا) بمعنى (إلَّا)]، قائلا: إن ذلك غير معروف في اللغة. والصحيح وروده عن أئمة اللغة كما حكاه الخليل وسيبويه والكسائي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. والله أعلم.». والطريقة الثالثة: أن يذكر القول الراجح ودليله، ثم القول المرجوح والرد عليه، مثال ذلك قوله: «اختلف النحاة في الجملة الواقعة بعد (حتى) هل لها محل أم لا؟ والصحيح أَنْ لا محل، وَأَنَّ (حتى) حرفُ ابتداء، وذلك نحو قول الشاعر جرير:

فَمَا زَالَتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا

بِدَجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دَجْلَةَ أَشْكَلُ

فجملة (ماءُ دجلةَ أشكلُ) استئنافية لا محل لها من الإعراب. وقيل: لها محل. وهو مردود بوجهين: أحدهما: أنه لو كانت حرف جر لفتحت همزة (إِنَّ) بعدها في قولهم: (مَرِضَ زَيْدٌ حَتَّى إِنَّهُمْ لَا يَرْجُونَهُ). وثانيهما: أنها لو كانت حرف جر لما جاز تعليقها عن مجرورها فيصير حرف الجر بلا مجرور، ولا قائل بهذا، فصح ما قلناه».

والطريقة الرابعة: أن يذكر القول المرجوح، ثم القول الراجح ودليله، مثال استخدامه لهذه الطريقة: قوله: «وأكثر النحاة يَكفُّون بها (ما) الحجازية عن العمل في المبتدأ وخبره [أي يكفون (ما) الحجازية عن العمل في المبتدأ وخبره بـ(إِنْ)]، وأرى الأصح بقاء العمل، وكيف يبطل عمل عامل بعد ما أُكِّد وحصلت التقوية في المعنى الموضوع له، وقد كان عاملا قبل التأكيد، مع أن الكف إبطال للعمل؟! هذا لا أراه. والله أعلم.».

والطريقة الخامسة: أن يذكر القول الراجح، ثم القول المرجوح مع نسبته لصاحبه، ولا يتطرق فيها إلى ذكر الأدلة، مثالها: قوله: «الثالث [أَيْ من الوجوه التي تأتي عليها أَيّ]: أن تكون اسم موصول على المختار، خلافا لثعلب، نحو قوله تعالى: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا).

والطريقة السادسة: أن يذكر الأقوال في المسألة ويجعل القول الراجح آخرها، ثم يشير إلى رجحانه، ولا يتطرق إلى ذكر أي دليل في المسألة، ومثال استخدامه لهذه الطريقة: قوله: «واعلم أن البسملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب، وأما على التفصيل: فـ(الباء) الجار لـ(اسم) قيل: هو حرف زائد لا متعلَّقَ يَتَعَلَّق به، وقيل: - وهو الأصح - إنه حرف أصلي».

والطريقة السابعة: أن يذكر الأقوال في المسألة، ويجعل القول الراجح أولها، ولا يشير إلى صحته إلا بعد أن يسرد الأقوال في المسألة كلها فيشير بعد ذلك إلى رجحان القول الأول، ولا يتطرق إلى ذكر أي أدلة في المسألة. ومثال استخدامه لهذه الطريقة: قوله: «إذا أردت التعبير عن إعراب (إِنَّ) بكسر الهمزة وتشديد النون فقل في إعرابها: (إِنَّ) حرف توكيد ونصب، ينصب الاسم باتفاق أهل النحو، ويرفع الخبر. وقيل في (إِنَّ) هذه: لا عمل لها إلا في الاسم، فهو منصوب بها اسما لها، وأما الخبر فهو باق على رفعه لم يغيره ناسخ، والأصح ما تقدم من أنها ناسخة للمبتدأ والخبر معا».

والطريقة الثامنة: أن يذكر القول الراجح، ثم القول المرجوح، دون أن يتطرق إلى ذكر أي دليل في المسألة. ومثال هذه الطريقة: قوله: «إذا وقع الجار والمجرور صفة أو حالا أو خبرا أو صلة وقد تقدمه نفي أو استفهام جاز أن يرفع فاعلا لاعتماده؛ أي اعتماده عليهما. فمثاله في الصفة: (مررتُ بتلميذٍ في يدِهِ كتابُهُ)، فلك في رفع (كتابُه) وجهان: الأول: أن يكون فاعلا للجار والمجرور؛ لنيابته مناب (استقر) أو (مستقر)، محذوفا لتقدمه- وهو الأصل-، وهذا هو الأصح. وبعضهم رفع (كتابه) على أنه مبتدأ مؤخر، وتقديره: (كتابه في يده)، والجملة صفة لتلميذ، وقس على ذلك الحال والخبر والصلة».

والطريقة التاسعة: أن يذكر القول الراجح، ويشير إلى وجود أقوال أخرى في المسألة دون التطرق إلى ذكرها، ولا يتطرق إلى ذكر أي دليل في المسألة. ومثال استخدامه لهذه الطريقة: قوله: «والناصبُ لَهُ [أي الناصب للمفعول معه العاملُ فيه قبل (الواو) على الأصح.

والطريقة العاشرة: أن يقتصر على ذكر القول الراجح، منوِّها إلى رجحانه، الأمر الذي يلفت الانتباه إلى وجود الخلاف في المسألة، إلا إنه لا يتطرق إلى ذكر الأقوال الأخرى، ولا إلى ذكر أي دليل في المسألة. ومن المواضع التي وجدته استخدم فيها هذه الطريقة: قوله: «واعلم أن جملة الحمدلة ابتدائية- أيضا- على الأرجح، فلا محل لها من الإعراب».

أما المطلب الثاني: ألفاظه في الترجيح. وقد استخدم الشيخ حمدان تسعة ألفاظ في ترجيحاته، وهي: «القول الراجح»، حيث قال: «الثالث [أي من حروف الجر الشبيهة بالزائدة]: (رُبَّ) على القول الراجح، نحو: (رُبَّ رجلٍ لقيتُ أو لقيتُهُ)، فـ(رُبَّ) حرف جر شبيه بالزائد». والقول «الأرجح»، يقول: «واعلم أن جملة الحمدلة ابتدائية - أيضا - على الأرجح، فلا محل لها من الإعراب». والقول «الصحيح»، قال: «اختلف النحاة في الجملة الواقعة بعد (حتى) هل لها محل أم لا؟ والصحيح أن لا محل، وأن (حتى) حرف ابتداء». والقول «الأصح»، حيث قال: «واعلم أن البسملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب، وأما على التفصيل: فـ(الباء) الجار لـ(اسم) قيل: هو حرف زائد لا متعلَّقَ يَتَعَلَّق به، وقيل:- وهو الأصح- أنه حرف أصلي». وقول «أصح»، قال: «تقول في إعراب (جاء هذا الرجل): جاء فعل ماض، و(ها) حرف تنبيه، لا محل له من الإعراب؛ لأنه مبني على السكون، و(ذا) اسم إشارة فاعل (جاء) مبني على السكون في محل رفع، و(الرجل) عطف بيان عليه، أو بدل منه، أو نعت له، والأول أصح». والقول «المختار»، فقد قال: «الثالث [أَيْ من الوجوه التي تأتي عليها (أَيّ)]: أن تكون اسم موصول على المختار نحو قوله تعالى: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا). وقول: «يعجبني»، قال: «قلت: ويعجبني في إعراب نحو (ضُرِبَ) أن يقال: (ضُرِبَ) فعل ماض مبني للنائب، وكذا في نحو (يُضرَب) بتغيير صيغة البناء فيهما». وقول: «المتبادر»، حيث يقول: «الوجه الرابع من وجوه (ما) الحرفية: هو كونها زائدة كافة، فتارة تكف عن عمل الرفع، فتقع في ثلاثة أفعال، وهي: (طال) و(قَلَّ) و(كَثُر)، نحو: (طالما سهرت في طلب العلم، فقلما يخيب من طلب، وكثر ما يصيب من زاحم فيه بالرُّكَب)، فـ(ما) هذه كفت هذه الأفعال عن طلب الفاعل، فلا فاعل لها، هذا ما ذهب إليه أكثر النحاة.

والمتبادر أن (ما) هذه مصدرية، فهي مع صلتها مصدر مرفوع لكونه فاعلا لهذه الأفعال» أن يذكر القول الراجح دون أن يصرح برجحانه، ولكن يتبيّن رجحانه عنده من رده على أدلة القول المرجوح، مثاله قوله: «الخامس [أي من حروف الجر الشبيهة بالزائد]: (لولا) المتصلة بضمير متصل لمتكلم، نحو: (لولاي)، أو مخاطب، نحو: (لولاك)، أو غائب، نحو: (لولاه)، فهي حروف جر شبيهة بالزائد كـ(لَعَلَّ) عند سيبويه، فتجر الضمير. وأنكر بعضهم هذا التركيب، وهو محجوج بورود ذلك عن العرب، ومنها قوله:

وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلَايَ طِحْتُ كَمَا هَوَى

بِإِجْرَامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي

وقوله:

أَتُطْمِعُ فِينَا مَنْ أَرَاقَ دِمَاءَنَا

وَلَوْلَاكَ لَمْ يَعْرِضْ لِأَحْسَابِنَا حَسَنْ

والقائلون بالمنع قالوا: إِنَّ الأصل (لولا أنا) و(لولا هو) و(لولا أنت)، كقوله تعالى: (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)، فناب ضمير النصب مناب ضمير الرفع على طريق الاستعارة. وهذا مردود بأن نيابة ضمير عن ضمير لا تكون إلا بشروط مبسوطة في المطولات، وليست كما هنا».

والمبحث الثاني: ترجيحاته النحوية. وقد توصل الباحث إلى سبعة عشر ترجيحا، صنفها في ثلاثة مطالب، بحسب أبوابها النحوية، فأول مطلب هو في ترجيحاته في الأعاريب، والثاني في ترجيحاته في المفردات، والثالث في ترجيحاته في العامل والتعلق. ففي المطلب الأول: ترجيحاته في الأعاريب. ذكر الباحث ترجيحات الشيخ المتعلقة بالأعاريب، وهي ستة ترجيحات، وأَفرَدتُ كل ترجيح منها في فرع مستقل. والمطلب الثاني: ترجيحاته في المفردات. واحتوى هذا المطلب على ستة ترجيحات من ترجيحات الشيخ في المفردات. والمطلب الثالث: ترجيحاته في العامل والتعلق. وقد خصص الباحث هذا المطلب في ذكر ترجيحات الشيخ في المسائل النحوية المتعلقة بالعامل والتعلق، وهي خمس مسائل، الفرع الأول: حكم حذف ما تعلق به المجرور إذا كان المجرور حالا أو وصفا أو خبرا أو صلة. ورجح شيخنا وجوبَ حذفِ ما تَعَلَّقَ به الجارُّ والمجرورُ إذا كان الجارُّ والمجرورُ حالًا أو وصفًا أو خبرًا أو صلةً، والفرع الثاني: حكم عمل (ما) الحجازية في المبتدأ وخبره إذا سُبِقَتْ بـ(إِنْ). وقد اختلف علماء النحو في (ما) الحجازية إذا سُبِقَتْ بـ(إِنْ) هل تعمل في المبتدأ وخبره عمل (ليس) برفع المبتدأ اسما لها ونصب الخبر خبرا لها أم لا؟ ورجح الشيخ - عليه رحمة الله - أنها تعمل عمل (ليس) إِنْ سُبِقَتْ بـ(إِنْ) حيث قال: «وأكثر النحاة يَكفُّون بها (ما) الحجازيةَ عن العمل في المبتدأ وخبره [أي يكفون (ما) الحجازية عن العمل في المبتدأ وخبره بـ(إِنْ)]، وأرى الأصحَّ بقاءَ العملِ، وكيف يبطل عملُ عاملٍ بعد ما أُكِّد وحصلت التقوية في المعنى الموضوع له، وقد كان عاملا قبل التأكيد، مع أن الكف إبطال للعمل؟! هذا لا أراه. والله أعلم». والفرع الثالث: العامل في نصب المفعول معه. وقد اختلف النحاة في العامل الناصب للمفعول معه، والراجح عند الشيخ حمدان - رحمه الله - أن الناصب للمفعول له هو العامل فيه قبل الواو، حيث قال: «والناصب له [أي الناصب للمفعول معه] العامل فيه قبل (الواو) على الأصح، وفيه أقوال تركناها». والفرع الرابع: حكم كفِّ (ما) الواقعةِ بعدَ (طال) و(قَلَّ) و(كَثُرَ) هذه الأفعالَ عن طلب الفاعل. ورجح الشيخ أَنَّ (ما) الواقعة بعد (طال) و(قَلَّ) و(كَثُرَ) لا تَكُفُّ هذه الأفعال عن طلب الفاعل، بل تبقى هذه الأفعال مستحقة للفاعل. والفرع الخامس: عامل رفع خبر (إنَّ) و(أنَّ). ورجح الشيخ أَنَّ (أَنَّ) بفتح الهمزة و(إِنَّ) بكسر الهمزة تعملان في المبتدأ والخبر جميعا، فترفعان المبتدأ اسما لهما، وتنصبان الخبر خبرا لهما، فقال: «إذا أردت التعبير عن إعراب (إِنَّ) - بكسر الهمزة وتشديد النون - فقل في إعرابها: (إِنَّ) حرف توكيد ونصب، ينصب الاسم باتفاق أهل النحو، ويرفع الخبر. وقيل في (إِنَّ) هذه: لا عمل لها إلا في الاسم، فهو منصوب بها اسما لها، وأما الخبر فهو باق على رفعه لم يغيره ناسخ. والأصح ما تقدم من أنها ناسخة للمبتدأ والخبر معا، وهكذا حكم (أَنَّ) بفتح الهمزة؛ أي في نصب المبتدأ اسما لها ورفع الخبر خبرا لها».