1356733
1356733
روضة الصائم

مباني الحارة ومفرداتها تحكي براعة في العمارة التقليدية العمانية

10 يونيو 2018
10 يونيو 2018

حارة البلاد بمنح .. تطواف حول الأمكنة وسفر في مدن الأمس

منح: هلال السليماني -

للحارات العمانية عبق الماضي وإشراقه، فهي تطل من بعيد، وحارة البلاد في ولاية منح هي واحدة من المدن العمانية القديمة التي تشكلت عبر الزمن وأخذت لها طابعا عمرانيا متميزا ما زالت محافظة عليه، حيث امتدت إليها يد الترميم والعناية من وزارة التراث والثقافة، وهي تسعى إلى استعادة الحياة من خلال رؤية متقدة تتبناها شركة عمران في شراكة مع المجتمع لاستثمار هذا الإرث العمراني بما تمثله من هوية حضارية عمانية تتشكل في أكثر من 350 بيتا ومساجد ونحو أربعة مجالس عامة مع الأبراج والقلاع والحصون ومدرسة القرآن والرحى والتنور والعيون المائية؛ لأجل ذلك فلا بد من التجوال في هذه الحارة العتيقة المتجددة. إنها حكاية تستحق أن تروى للأجيال الحاضرة ترسم في الذاكرة حكايا السنين وأسفار الأمس ولوجا إلى عوالم من الحياة بتفاصيلها المنسوجة هنا وهناك في مفردات الحارة وأزقتها في (السكيك) المكتنزة بالألوان والرؤى. من باب الصباح تعبر ميمما صوب سبلة البستان في حراسة برج الجص، فتمر بين المسجد العالي والتنور والمدرسة، وتشق طريقك صوب رحى الكارجة، وتلتفت يمينا فتدهشك تقاسيم المكان، وعبر سكة بن قسيم تعبر المكان ولا تعبره سيل من الذكريات يحوم حولك وأنت تخطو خطواتك تحت سقف سبلة المطيلع. من بعيد ترمقك منارة مسجد الشراة، حيث الأزمنة تنسكب بذكرياتها. يطل عليك وجه سليمان ود عتيق وهو يستقبل بشرى العهد الجديد يوم تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد الحكم في عمان من أحد أبناء العهد الجديد جيل النهضة لكن بصرك يستقر على إحدى الشرفات المطلة من سبلة أولاد راشد، حيث المكان يضج بالأصوات ورائحة القهوة الممزوجة بالهيل في أحد الصباحات المنسية في هذه الحارة العريقة.

وعلى البعد تلمح رحى الكارجة تنتظر موسم الحصاد والدوس والتصييف. لقد رحلوا ولم يعد لهم أثر. كانوا يأتون كل صباح ليطحنوا مع البُّر شيئا من ذكريات السنين، وها قد ولت فالمكان يئن من الفقد خفت الحركة ولم تعد طرقات النعال تسمع تتحسس الجدران المحيطة تشعرك الأمكنة أن الذين بنوا ما عادوا هنا وأن الأزمنة تتشكل من جديد. تسير مع سير الذكريات وأرواح الذين سكنوا هنا تتلمس نقش المحاريب في مسجد الشراء والعين فتبصر «الهميمي ومشمل» ينقشان المحراب وفي الزوايا يركن العباد إلى صلواتهم خاشعين يسبحون في تسابيحهم. عالم لا ينتسب إلينا نحن في هذا الجيل حيث تركنا الأزقة والحارات وتسمرنا أمام الشاشات الصغيرة والكبيرة. من هناك تعبر باب الدعنين إلى حارة المابوق الملحقة بالحارة الأم من الجهة الغربية. ما زال المكان محتفظا بحيويته في هذا الجانب، حيث الحياة تسير حسب الزمن. تواصل طريقك إلى سبلة المطيلع وباب القصاب ومنه إلى مسجد العين يتراءى لك صوت خرير الماء (عين مانية) الميممة صوب بساتين (جر العين) الواحة الخضراء التي تشكل اللوحة وترسم بانوراما المشهد العماني المتناغم مع القرية والحارة. تعبر المسافة إلى باب النصر عند أطراف حارة البلاد الجنوبية حيث برج النصر الشامخ ما حصن نجاد ومربط الخيل وعلى يمينك تقف القلعة المرضوفة حيث هي من مئات السنين ما زالت تحرس المكان وتشكل مع برج الجص وقلعة الفيقين وحصن الشموخ حوارات الأزمنة التي لا تنقطع.

من هناك تأخذك قدماك نحو السوق مرورا على باب البستان وحارة (السيلاقة) من جهة الشرق المرتبطة بالسوق ودكاكين الحدادين التي تلفحك بنيران الكير ولهب الجمر تتفحص المكان علك تلمح (مصبح بن جعروف) في مكانه يصقل سيفا من سيوفه التي أبدع في صناعتها تقترب من المكان لتجد أخهه سعيد قد أنهى شحذ أحد الأزاميل وروح مصبح تسكن المكان بعد أن غادر ولم يكمل بعد نقش اسمه على السيف الذي صنع. تسمع من بعيد أصوات الهاون يطرق حبيبات القهوة في سبلة البستان حيث منذر بن علي ما زال يضبط ساعته. على قهوة الضحى يتجمع القاصدون نحوه فتفيض الأحاديث شعرا منسابا، ويطرح عليهم قصيدته الأخيرة التي ألقاها مؤخرا في مهرجان الخيل وهو يقول في مطلعها:

تسائلني مالي أراك على عجل تشد رحال العيس أين سترتحل

ألا تسمعي صوت المنادي بقوله هلمٌّوا هلمُّوا نحوها الجوف في عجل

عنيت بداري منبت الجود والسخى فقل منح ياصاح أو من يكن سأل

فهل تسمعين الكمت يعلو صهالها تردد ما بين الجبال وفي السهل

هناك ألقيت عصا التسيار وتناولت بعضا من التمرات وارتشفت شيئا من أحاديث الأمس.