1357200
1357200
روضة الصائم

الشيخ حمدان اليوسفي ضليع اللغة وآدابها.. هاجرت مؤلـــــــفاته عبر الحدود ولم تعـد

10 يونيو 2018
10 يونيو 2018

لقبه الإمام بـ«سِيبَوَيْه الثاني» ويعد من كبار علماء النحو في زمانه -

كتب: سالم بن حمدان الحسيني -

نتناول في هذه الحلقة شخصية علمية أدبية عمانية ملأت الدنيا وشغلت الناس، إنها شخصية الشيخ حمدان بن خُمَيِّس بن سالم اليوسفي ذلك العالم والأديب والنحوي الأريب والشاعر البليغ الذي عاش في أذهان أهل العلم والأدب لأكثر من 90 عاما والذي اشتهر عندهم بـ«سِيبَوَيْه عُمان»، حيث أطلق عليه هذا اللقبَ الإمامُ الخليليُ، لتضَلُّعِه في علم النحو، تشبيها له في علمه بالنحو بالعالم النحوي الكبير سِيبَوَيْه. وحتى نلم بهذه الشخصية الفذة من جميع جوانبها كان علينا أن نأخذ المعلومة الصحيحة من مظانها، فكانت الخطوة الأولى الالتقاء بأبناء وأحفاد هذا الشيخ، وقد تسنى لنا ذلك بالتواصل مع حفيده أحمد بن علي اليوسفي الذي رحب بنا كثيرا وبالكتابة عن شخصية جده في هذا الملحق الرمضاني «روضة الصائم» واقترح بأن نجتمع سويا ببيت العائلة بصحبة ابنه محمد وابنته معلمة القرآن الكريم الوالدة علياء حتى نقف عن كثب عن هذه الشخصية الكريمة، فكان هذا اللقاء وهنا الجزء الأول منه:

تحدث إلينا بداية ابنه محمد عن حياة والده فقال: وُلِدَ الوالد بحِلَّةِ «آل يوسف» بولاية السيب، عام 1317هـ - 1899م، وكانت بدايته العلمية على يد أمّه سالمة بنت سويلم اليوسفية فقد كانت تعلمهُ القرآنَ الكريم في بداية عمره، ثم واصل تعليمه بعد هذه المرحلة، وأخذ يترقى في مدارج العلم. وفي السنة الثانية عشرة من عمره هاجر إلى بلدة «فنجاء» لطلب العلم، وكان عمره 12 عاما، فنزل بساحة الشيخ ناصر بن محمد الفارسي، وكان ولده الشيخ منصور بن ناصر بن محمد الفارسي هو المنظور إليه في العلم، فبقي الشيخ حمدان يتعلم على يد الشيخ منصور قرابة ثلاث سنوات، فتعلم عنده علمي اللغة والفقه، ولما رأى شيخه نبوغَه واجتهادَه في طلب العلم أخذه إلى «نزوى»؛ ليواصل مسيرته في طلب العلم - على يد الإمام الخليلي، فاستقبله الإمامُ الخليليُّ وأحسن إليه وأكرمه، وبقي طالبا عند الإمام الخليلي مدة، ثم عيَّنه الإمامُ مدرِّسا في «علاية سمائل»، فبقي في التدريس هناك سنين، يُعلِّم الناس الفقه واللغة العربية. كذلك تعلم علمَ أصول الفقه على يد الشيخ أبي عبيد السُلَيْمِيّ، حيث كان مجاورا له في بعض الأحيان؛ وكان من طلابه الخاصين، ثم انتقل بعد تلك السنين التي قضاها في «سمائل» إلى بلدة «الفرفارة» من أعمال ولاية «بدبد» ليدرس القرآن الكريم وبعض العلوم الشرعية وكان يتقاضى نظير ذلك معونة مالية فرضها له الإمام الخليلي وهي ثلاثة قروش

شهرية.

وأضاف: اتصف الشيخ الوالد بالزهد والورع ولم يُرْزَق السّعةَ في الرزق، ومع ذلك كان عفيفا لا يطلب المال إلا من حِلِّهِ، ويتحرز في مأكله ومشربه عن الوقوع فيما به شبهة، ومن ورعه أنه كان يُطْلَب منه أن يتولى القضاءَ عدة مرات، ولكنه كان يرفض في كل مرة، تورعًا وإشفاقًا على نفسه؛ وكان للشيخ خط رائق، وقد نسخ كتبا عديدة، وكان له صوت حسن، فكان يقرأ كتاب الله بالترتيل والتجويد فقد امتاز بصوت عذب شجي وقد كانت تعقد جلسات العلم في مسجد رجب بسمائل وقد أقام هناك في سمائل في محلة اسمها السبحية، وعندما رجع الى الفرفارة تزوج والدتي واسمها حميدة بنت سعيد بن ناصر المحاربية فأنجب منها عدة أبناء لم يكتب لهم الحياة، وبقيت أنا الوحيد منهم على قيد الحياة، بعدها تزوج بامرأة أخرى من الفرفارة أيضا ولم ينجب منها، وقد عمل هناك بعض الأعمال طلبا للمعيشة، بالإضافة الى تعليم الأبناء القرآن الكريم. وبقي كذلك حتى توفاه الله في «المدينة المنورة» أثناء تأديته للحج، وقد كنت في ذلك الوقت عندما توفي والدي لا زلت صغيرا حيث أني لم أبلغ الثانية من عمري.

كذلك حدثتنا ابنته الوالدة علياء بنت حمدان اليوسفية، وهي معلمة قرآن كريم لأكثر من 40 عاما حيث قالت: تعلمت القرآن الكريم عن طريق أمي عائشة بنت محمد في ولاية السيب وقد تعهدتني منذ طفولتي تعليم القرآن حيث أنني لم أعش طويلا مع أبي لأن والدي انفصلا عن بعضهما وكنت آنذاك في عمر صغير، فبقيت مع أمي وقد حفظت بحمد الله القرآن الكريم كاملا، وعملت في تدريس القرآن الكريم لأبناء وبنات الحي الذي أسكنه والأحياء المجاورة لمدة 40 عاما، أما عليٌّ فقد رافق أباه في رحلته التعليمية الى سمائل، ثم إلى «الفرفارة» لِيُعَلِّم الناس اللغة العربية، وكان أيضا يتولى تعليم الناس القرآن الكريم، وهو في مقتبل عمره.

وجاء في بحث قدمه محمود بن سعود بن سعيد العويسي تناول فيه حياة الشيخ العلمية مستعينا بعدة مصادر أورد فيه بعض مؤلفات الشيخ العلمية وأسماء شيوخه وتلامذته موضحا أن الشيخ حمدان تعلم على أيدي كبار علماء عصره، وهم: الإمام محمد بن عبد الله بن سعيد الخليلي والشيخ حامد بن ناصر بن وَجْد الشكيلي والشيخ ناصر بن محمد بن سيف الفارسي والشيخ حمد بن عبيد بن مسلم السليمي والشيخ خلفان بن جميّل بن حرمل السيابي والشيخ منصور بن ناصر بن محمد الفارسي. وان من أبرز تلامذته الشيخ محمد بن راشد بن عزيّز الخصيبي والشيخ موسى بن عيسى بن ثاني البكري والشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله الخليلي والشيخ حمد بن سيف بن محمد البوسعيدي والشيخ أبو سرور حميد بن عبد الله بن حميد الجامعي وسليمان بن سيف العزيزي وهلال بن علي الخليلي وسعيد بن سالم السعدي والشيخ محمد بن جمعة الغطريفي والشيخ سالم بن حمود بن شامس السيابي والشيخ هاشم بن عيسى بن صالح الطائي والشيخ منصور بن خلفان بن ناصر السعدي.

أما عن مؤلفاته فأوضح ان لشيخنا الجليل مؤلفات عديدة، والمطبوع منها اثنان فقط، وواحد مخطوط، ومجموعة منها فُقِدَت خارج عُمَان، حيث كان الشيخ حمدان قد أخذها معه إلى الحج، وأرسلها مع مجموعة من إخوته من إباضية المغرب؛ عندما التقى بهم في «مكة المكرمة»، فأرسلها معهم إلى «الأردن» ليطبعوها بالمطابع الحديثة، على أن يستلمها منهم عندما يلتقون في موسم الحج مرة أخرى، ولكن عاجله القدر قبل أن يستلمها منهم، فقد كان الأصل أن يستلمها منهم في العام الذي تُوُفِيَ فيه. ولذلك لم يتم العثور عليها. وأن من مؤلفاته المعروفة- حاليا - هي: كتاب «خلاصة العمل في شرح بلوغ الأمل»: وهو كتاب في علم النحو، يَتَكَوَّنُ من مجلد واحد، طبعته وزارة التراث القومي والثقافة، وهو عبارة عن شرحٍ لمنظومة «بلوغ الأمل في المفردات والجمل» لمؤلفها الإمام نور الدين السالمي- رحمه الله-. وكتاب «إسعاد الراوي على حلّ أبيات لامية الشبراوي»، وهو كتاب مختصر في علم النحو، وقد طبعته وزارة التراث القومي والثقافة في 48 صفحة. وكتاب «شرح الدرة اليتيمة»، وهو كتاب في علم النحو -أيضا-، وقد توفي الشيخ حمدان قبل أن يتم تأليفه، فأتمه تلميذه الشيخ محمد بن راشد بن عزيّز الخصيبي.

وأكد أن الشيخ كان بارعا في علم النحو والرسم والصرف، وقد برع- كذلك - في الشعر، وله قصائد ومراسلات عدة، في الفقه والأدب والنحو، منها المنثور والمنظوم، وقد سُئِلَ نظمًا عن مسائل فقهية ونحوية، فأجاب عليها نظما ونثرا. وله كتابات شعرية كثيرة في مختلف فنون الشعر، وأغلبها في الحث على العلم والأخذ به. وقد توفي بالمدينة المنورة.. ودفن في «البقيع» 6 ذي الحجة 1384هـ ، مشيرا الى أن الشيخ حمدان اليوسفي اتخذ منهجا علميا للترجيح وله في ذلك عشر طرق في طريقته الترجيحية، كما استخدم تسعة ألفاظ لعملية الترجيح، وله سبعة عشر ترجيحا، وقد أوصي الباحث بالبحث عن كتبه التي أرسلها مع مجموعة من إباضية المغرب، فلعلها موجودة في شيء من المكتبات بـ«وادي ميزاب» أو «جبل نفوسة» أو «جزيرة جربة»، أو غيرها من الأماكن التي يعيش فيها الإباضية بالمغرب. والبحث أيضا عن كتاب «شرح الدرة اليتيمة» الذي ألفه الشيخ، وأكمل تأليفه تلميذه الشيخ محمد بن راشد الخصيبي، فإن بعض المصادر تذكر أن هذا الكتاب غنيٌ بترجيحات الشيخ. كما أوصى بأن تُبْرز الترجيحات النحوية عند علمائنا، وتُدرَسَ وتُحَقَّق وتُقَارَن بغيرها.

في الحلقة القادمة نتناول ترجيحاته النحوية من خلال كتابه «خُلَاصَة الْعَمَل»