1355504
1355504
روضة الصائم

كتب عمانية: «لباب الآثار الوارد على الأولين والمتأخرين الأخيار» .. ضبط سلوك المسلم دينيا ودنيويا

10 يونيو 2018
10 يونيو 2018

القاهرة - العزب الطيب الطاهر -

يحفل كتاب «لباب الآثار الوارد على الأولين والمتأخرين الأخيار«، لمؤلفه العالم السيد مهنا بن خلفان بن محمد بن عبد الله بن محمد البوسعيدي، بالعديد من الموضوعات والمسائل الفقهية التي تشكل إطارا يحكم حركة المسلم في كل أموره الدينية وبل والدنيوية على نحو لو طبقه بصورة صحيحة لحقق المعادلة المطلوبة منه وجعله أنموذجا للإنسان صاحب السلوك الرفيع.

فعلى سبيل المثال يتناول المؤلف مسألة إذا أفتى العالم بشيء من يعلم الأصل فيه، فزلت لسانه في فتياه فخالف الحقيقة، ويعلق عليها بقوله:إنه لا يسع المفتي أن يعمل بما أفتاه من الباطل ولو لم يعلم أنه باطل، فإن مات على ذلك الباطل الذي يخالف الأصل هلك ولا إثم على العالم، أما إذا كان المفتي لا يعرف الأصل فتحرى في فتياه الصواب، وأفتى فخالف الكتاب والسنة والإجماع فالمفتى -بكسر التاء- والمفتى - بفتح التاء- هالكان، إن وافق قولا من أقاويل المسلمين بما يجوز فيه الرأي، فالمفتى سالم إذا وافق الحق وأما المفتى ففيه اختلاف فبعض عذره لأنه وافق الحق،وبعض رآه آثما إذا تكلم بغير علم لقوله تعالى «وأن تقولوا على الله مالا تعلمون».

ومن المسائل التي يطرحها، وهي كثيرا ما تقع للمسلمين، مسألة في الأثر حلال أو حرام أو أمر أو نهى أو توحيد، فأوجبها عقله وقبلها، هل له أن يعمل بها يقول المؤلف: لا يجوز حتى يعرف جواز ذلك، وإن فعل على غير معرفة، إن وافق المباح كان آثما، وإن وافق المحظور كان هالكا - والله أعلم- وكذلك من المسائل المهمة التي طرحها: هل يجوز للرجل أن يأخذ بجميع ما يجده في الكتب قال: فيه اختلاف فقول لا يجوز إلا لمن عرف عدله وقول يجوز ولو لم يعرف عدل المسألة وقول إذا وجد المسألة في ثلاثة أماكن.

ويشير المؤلف إلى مسألة عن الشيخ ناصر بن خميس -رحمه الله-: إذا سألت الفقيه المشهور بالعلم في عصر عن مسألة، فأفتاني بها بقول وعملت به على وجه الإتباع لا التقليد، لا أدرى ما أفتاني به حق أم باطل، وكنت دانيا لله في الجملة بالسؤال أو بالتوبة، من جميع ما خالفت به فيه الحق، ومت على هذا، فما حالي، فيعلق قائلا: إذا لم يكن في فتياه خارجا عن الكتاب والسنة والإجماع فلا تموت هالكا، وإن خالف الحق بفتياه فلا يسع المفتى إذا كان يجد المعبر له، علم ذلك أن لو طلبه وسأل عنه وصار عليه فريضة.

وثمة مسألة عن معنى التقليد للعالم أهو يقبل منه ما يفتيه به أكان صوابا أم غير صواب أم غير ذلك، وإذا سأل هذا الضعيف العالم المشهور بالعلم في عصره ومصره، وأفتاه بشيء من الأقاويل ولم يرتب هذا المفتى فيما أفتاه العالم أعليه أن يدين بالسؤال أيضا عن هذه المسألة أم لا، فيعلق المؤلف: أما التقليد في الدين الذي حرمه المسلمون، فهو أن يعتقد السائل أن يعمل بما أفتاه به هذا الفقيه كان حقا أو باطلا، وأما إذا أفتاه الفقيه بحق فليس عليه فيه دينونة بالسؤال فيه لم يسعه ذلك، وإن أفتاه بباطل فعمل به لم يسعه ذلك،ولو ظن أنه حق وعليه في الدينونة بالسؤال حتى يخرج منه، فإن لم يجد أحدا يعبر له ذلك وكان هذا مما تقوم به الحجة بالسماع،فمكث يعمل به على ما أفتاه به هذا الفقيه وهو دائن بالسؤال عما يلزمه،ودائن بالتوبة من جميع المعاصي ومات على هذا، فأرجو أنه لا يهلك على هذه الصفة.

ويهتم المؤلف بإبراز عدة مسائل عملية سنورد بعضا منها فقد أشار إلى مسألة تتعلق بتعليم القرآن الكريم - والتي أثارها مع محاور له من علماء عصره- وما أذا كان فرضا على الجميع، أم فرضا من فروض الكفاية فيشير إلى أنه قيل أنه من فروض الكفاية إذا قام به البعض أجزى عمن لم يقم به، قلت -الكلام للمؤلف - فتعليم هذا عن المصاحف تاليا لما فيها منه أم حتى يتلوه من نفسه بلسانه ويفهم معناه، قال محاوره: إذا ثبت له العلم وبما فيه من أحكامه وعقل معنى ذلك صار حجة على غيره من العالمين، وأجزى عن الباقين الذين لم يبلغوا مبلغه.

ثم يضيف في مسألة أخرى: أحببت أن أصف شيئا من صفة متعلم القرآن والعلم الشريف، فعندي أن من ثبت له اسم تعليم شيء من كتاب الله أو من الأثر، وصح ذلك ببينة أو بشهرة من صغير وكبير ومن ذكر وأنثى وحر وعبد، جاز أن يعطى حق المتعلمين ومن لحق الشك في دعواه لم يعط، وذلك إذا قال: لكل نحن نتعلم فلا يصح إلا بأحد ما وصفت لك. وفيما عندي من يتعلم عقد الطهارة والوضوء والصلاة، فلا يعطى من هذه الوصية لأن أهل هذه لا يلحقهم اسم متعلم القرآن، ومن كان يتعلم حروف ألف وباء، فلا أقدر أن أقول بمنعه إذ أن هذه الحروف مبادئ التعليم ومن يقرأ القرآن ويدرسه، فلا أقدر أن أمنعه من حقه، وعندي أن الدراسة تعليم مخافة نسيانه ولا يعجبني حرمان أحد إن قدر عليه ولا تأثير على غيره أن أمكن، وسواء كان هذا المتعلم يتعلم ما هو لازم في دينه أو غير لازم من حكم القرآن والشرع، وعندي أم من استفتى أهل الشرع في دينه لم يبعد وأن يلحقه اسم متعلم، وإن كان أعمى لا يتلو في الكتب والمصاحف بالنظر وهو مع ذلك يتعلم.

ويتوقف المؤلف في هذا الباب عند مسألة الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ويوضح أنها تأتى في سياق ما أراد الله من الرفق لعباده والصلاح لهم وأنزل شيئا بعد شيء، ولم ينزل حملة واحدة لأنه لو نزل جملة واحدة لم يجز أن يكون فيه ناسخ ومنسوخ إذا كان غير جائز أن يقول الباري في وقت واحد: افعلوا ولا تفعلوا كذا وكذا لذلك الشيء بعينه فأنزله الله تعالى شيئا بعد شيء ليتم مراده، في تعبده خلقه بما شاء إلى وقت ثم ينقلهم من ذلك التعبد إلى غيره في وقت آخر، ويزيل عنهم ذك التعبد بما أمرهم به بغير عوض ذلك تخفيفا عليهم كله لما فيه من الصلاح لهم، فلو انزل القرآن جملة واحدة لصعب العمل به لسبق الحوادث التي من أجلها نزل كثير من القرآن، لأنه من غير الجائز أن ينزل قرآنا قبل حادثة يخبر عنها بالحدوث عنه ويحكم فيها وهى لم تقع.