أفكار وآراء

مسؤولية مجتمعية... مسؤولة

09 يونيو 2018
09 يونيو 2018

آن بنت سعيد الكندية -

Twitter:@AnnAlkindi -

«تقاس المسؤولية المجتمعية للشركات وفق تحسينها لأوضاع المجتمعات والبيئة لكن المسؤولية الأخلاقية تتعدى ذلك لتعكس حاجة الشركات إلى أن تواجه مبادئ أساسية مثل شمولية الجميع والكرامة والمساواة.»

كلاوس شواب مؤسس منتدى الاقتصاد العالمي

المسؤولية المجتمعية ليست وقفا ولا صدقة ولا تطوعا وليست القيمة المحلية المضافة التي تقدمها الشركات، وليست تبرعات ورعاية للمؤتمرات والمناسبات. عرف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسؤولية المجتمعية على أنها «الالتزام المستمر من قبل الشركات بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع ككل”. المسؤولية المجتمعية للمؤسسة هي ترجمة للمصطلح الإنجليزي Corporate Social Responsibility حيث استبدلت كلمة الاجتماعية بالمجتمعية إذ أن كلمة الاجتماعية تحصر حدود المسؤولية لناحية اجتماعية فقط ويتبادر إلى الأذهان أنها مرتبطة بجوانب خيرية وغير ملزمة. مثلث المسؤولية المجتمعية يتكون من ثلاثة أبعاد: الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. مفهوم أبعد من ما نراه من ممارسات تُحشر جميعها باسم المسؤولية المجتمعية خالطين ما بين التطوع والتبرع والوقف الخيري بينما هي التزام يستوجب الإفصاح والشفافية. إن الاتفاق على مصطلح المسؤولية المجتمعية الذي عرفته المؤسسات الدولية مهم جدا، فلا يجب أن نعلق الاتفاق على المصطلح بعذر خصوصية المجتمع، فمن الطبيعي أن يكون لكل مجتمع خصوصية.

إن السؤال البديهي الذي يطرحه الرأي العام «وماذا قدمت هذه الشركات والمشاريع لنا؟». تساؤل يعكس وعيا متناميا لمفهوم المسؤولية المجتمعية لدى الرأي العام، وحاجة تنظيمية لوضع الإطار العام لهذا الملف الاستراتيجي. لم تكن يوما المسؤولية المجتمعية لتقاس بحجم الأموال والتبرعات التي يقدمها القطاع الخاص للمجتمع إنما بالأثر الذي تتركه على حياة الناس. تلمُس احتياجات المجتمع أهم أسس لاستدامة المسؤولية المجتمعية، ولا يكون ذلك إلا عبر بحث ميداني علمي للمختصين ينتهي إلى تحديد أولويات احتياجات المجتمع، وكذلك مقومات القوة التي يمكن استثمارها. ومن منطلق أن أهل الدار أعلم بها وبطريقة التواصل مع المجتمعات فقد أثبتت الكفاءات الوطنية في مجال المسؤولية المجتمعية نفسها حتى وصلت إلى مستوى تقديم الاستشارات مما يطرح تساؤلا عن مدى تعمين منصب مسؤول المسؤولية المجتمعية في بعض شركات القطاع الخاص، حيث نكتفي بالتشديد على تعمين منصب مدير الموارد البشرية تاركين فلسفة التعمين الحقيقية، أن الأصل في التوظيف لابن البلد ولا يتم استبداله إلا عند تعذر ذلك.

لم يكن سهلا تقديم قراءة معمقة لمشهد المسؤولية المجتمعية في السلطنة لغياب الدراسات والبحوث والأرقام والجهة المرجعية لهذا الملف، وليس المشهد أكثر جمالا في منطقة الشرق الأوسط فليس هناك تجارب رائدة يمكن الاستئناس بها بل بالعكس فلدى السلطنة تجربة تدرجت قاطعة شوطا جيدا من النضج تمثلت في إنشاء مؤسسة تنموية منبثقة من الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال مخصصة لإدارة أموال المسؤولية المجتمعية البالغة 1.5% من صافي الربح محققة مبدأ الاستدامة عبر تخصيص صندوق للأجيال يستمر عطاؤه حتى بعد انتهاء عقد الغاز في 2025، فهل استفادت الشركات العاملة في المجال نفسه من هذه التجربة؟ إن الدول كما تتعلم من تجارب غيرها كذلك تبني على تجاربها الناجحة وتعيد تقييم نفسها لتتجنب أخطاءها وأخطاء الغير. يوجد اليوم العديد من الصناديق الخيرية ذات الطابع الوقفي لبعض الشركات العائلية الكبيرة إلا أن ذلك لا ينطبق عليه مفهوم المسؤولية المجتمعية الإلزامي علما بانه قد تم تأسيس بعضها بعد عام 2011.

أموال مبعثرة وجهود مكررة مزدوجة الاتجاه، وأسئلة كثيرة تطرح منها، ما هي إسهامات القطاع البنكي والعقاري وما مدى مساهمة مؤسسة المناطق الصناعية التي تقدر استثماراتها بـ 6 مليارات ريال عماني بنهاية 2017. تنشر كل شركة مدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية تحت بند المسؤولية المجتمعية حجم مساهمتها إلا أنه نظرا لغياب مرجعية تنظيمية فقد غاب الاهتمام بتقييم الوضع. وفي حصر متواضع أعدته وكالة الأنباء العمانية في عام 2016 من مصادر متفرقة ذكرت أن 57 شركة خصصت في موازناتها مبلغ 4.4 مليون ريال عماني لمبادراتها في مجال المسؤولية المجتمعية في حين أن 50 شركة أخرى لم تكن إسهاماتها واضحة متسائلين أيضا عن مساهمة كبرى الشركات الاستشارية وبيوت الخبرة الدولية التي تدقق حسابات هذه الشركات والتي يستعان بخبرتها في صياغة سياسات المسؤولية المجتمعية في التنمية المستدامة للمجتمعات.

قبل أن نصل إلى وضع الحلول بنهاية هذا المقال فإنه لا بد من ذكر عدد حالات الضمان الاجتماعي البالغة 81942 حالة في 2016 صرفت عليها وزارة التنمية الاجتماعية 119 مليون ريال، وهو موضوع بلا شك يحظى بعين الاهتمام حيث ناقشت ندوة هامة في نهاية 2013 عقدها المجلس الأعلى للتخطيط تقرير السياسات الاجتماعية في إطار الانطلاق الاقتصادي مقترحة إعادة النظر في معايير استحقاق المساعدات المالية وضرورة التفكير في إنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية.

نحن بحاجة الى تحديد أولويات احتياجات المجتمع التنموية لتوجيه جهود المسؤولية المجتمعية هل هي في مجال الصحة أم التعليم، أم تمكين المرأة أم التوظيف التدريب؟! إن إنشاء مؤسسة تنموية او صندوق مهما كانت صفته الإدارية الهيكلية يلعب فيه القطاع العام الدور التنظيمي والتشريعي ويديره القطاع الخاص ستكون من مهامه إنشاء منصة ذكية للمسؤولية المجتمعية تهدف إلى تنظيم المساهمات الاختيارية في المشاريع التنموية وتوثيق وتنسيق الجهود المسؤولية المجتمعية، وبطبيعة الحال فهناك حاجة الى إنشاء قاعدة بيانات شاملة لكافة المساهمين وقيم مساهماتهم والجهات المستفيدة. كما يقوم الصندوق بنشر الثقافة الصحيحة للمسؤولية المجتمعية ومتابعة تنفيذ مشاريع وبرامج المسؤولية، حيث إن للمسؤولية المجتمعية مبادئ منها القدرة على المسائلة، وتكافؤ الفرص بين الجنسين، حتى نسمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة.

لا بد من نظرة متكاملة لجميع احتياجات المجتمع العماني الذي قد تختلف من محافظة الى أخرى وكما لا يكون ذلك أيضا إلا بمراعاة الشق القانوني كقانون الضرائب وقوانين الاستثمار حيث تعطى حوافز لقيام القطاع الخاص نظير وفائه بالتزاماته من المسؤولية المجتمعية. واستئناسا بتجارب الدول فإن ملف المسؤولية المجتمعية لا يقع بالضرورة دائما ضمن مهام وزارة التنمية الاجتماعية إنما تتولى مهامه وزارة الاقتصاد أو ما يعادها. إن ضرورة تنظيم ملف المسؤولية المجتمعية تتنامى مع أهمية توسيع شبكة الضمان الاجتماعي في ظل توقع تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دول الخليج.

وفي إطار تنظيم هذا الملف فإنه كان سينهي جدالا في منصات التواصل المجتمعي حول مفهوم المسؤولية المجتمعية والتساؤل عن دور القطاع الخاص في أي طارئ سواء كان إعصار مكونو أو غيرها من الأوضاع الاستثنائية، بوجود مثل هذه المؤسسات أو الصناديق التي تعمل بحرفية صناديق الاستثمار محددة بندا للطوارئ لتمويل الأزمات. من الوارد جدا أن تبقى الجهود مشتتة إلا انه لا يسعنا إلا التذكير أن تنظيم المسؤولية المجتمعية يحقق مصالح متبادلة فلم يعد تقييم شركات القطاع الخاص وسمعتها يعتمد على ربحيتها ومراكزها المالية فحسب، فقد أدركت مؤسسات القطاع الخاص أنها غير معزولة عن المجتمع، وتنبهت إلى أن استدامة التنمية يحقق استقرارا اجتماعيا وبالتالي سياسيا. إن الاضطرابات الاجتماعية ما هي إلا ردة فعل على التقصير في فهم معنى وإبعاد المسؤولية المجتمعية. يحقق الإفصاح عن الجهود المبذولة في المسؤولية المجتمعية اهم شروط الحوكمة إذ ان مساهمتها في التنمية المستدامة ليست صدقة تنطبق عليها مبدأ ما تنفقه يدك اليمنى لا تعرف عنه يدك اليسرى بل تحقيقا لمصالح متبادلة وتحسينا لسمعتها في المجتمع ودرعها الواقي ضد أي اضطراب. إن ترويج بعض مؤسسات القطاع الخاص لممارسات خاطئة باسم المسؤولية المجتمعية بينما هي جزء من ترسيخ لهويتها التجارية Branding له نتائج عكسية سلبية لسمعة القطاع الخاص.

ختاما، لكم يسعدني أن تتردد بعض أفكار مقالاتي، لكن الإنجاز الحقيقي أن أراها تتحقق على أرض الميدان دون أن تُتداول فقط في المؤتمرات، فالعمل الميداني لا يصنع في قاعات المؤتمرات.