1355794
1355794
روضة الصائم

الإسلام نهى عن الأثرة «الأنانية» ورغب في الإيثار

09 يونيو 2018
09 يونيو 2018

نقائص إنسانية عالجها الإسلام -

القاهرة: محمد إسماعيل -

منذ أن خلق المولي - عز وجل - الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتي مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية.

فهو قبل أن يحرم أو ينهي عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه. . .

وعلى مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة عالجها في ضوء القرآن والسنة.

يؤكد الدكتور سعيد عبد العظيم في كتاب: «خلق المسلم»، أن من أقبح النقائص التي تعتري النفس الإنسانية الأثرة (الأنانية)، وهي من الخلق المذموم الذي يؤثر فيه المتصف بهذه النقيصة نفسه على من حوله.

ومن أدق تعريفات الأثرة: أن يختص الإنسان نفسه أو أتباعه بالمنافع من أموال ومصالح دنيوية، ويستأثر بذلك فيحجبه عمن له فيه نصيب، أو هو أولى به.

ومعني الأثرة في اللغة والشرع: استأثر فلان بالشيء، أي استبد به، والاستئثار: الانفراد بالشيء، ومنه حديث عمر رضي الله عنه: «فوالله ما أستأثر بها عليكم، ولا آخذها دونكم»، (رواه مسلم)، والأثرة (الأنانية) نقيصة إنسانية مذمومة ومرفوضة، وقد ورد في ذم الأثرة الكثير من الآيات القرآنية، فقال الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾، [سورة النازعات الآيات: 37 - 39]، وقال أيضا: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾،[سورة الأعلى]. وهناك أحاديث نبوية كثيرة تذم الأثرة (الأنانية) وتحذر منها، فعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾، قَالَ: سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا ـأثرةـ وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ فَعَلَيْكَ خُوَيْصَةَ نَفْسِكَ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ)، [رواه ابن ماجه، والترمذي، وأبو داود]، وعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ يعني عيّني بوظيفة، كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا، قَالَ: (سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ)، [متفق عليه]، وحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ)، [متفق عليه]. ويؤكد ابن القيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»: أن الأثرة (الأنانية) خلق ونقيصة مرفوضة في الإسلام بسبب أضرارها الكثيرة على المجتمع، فهي تفكك المجتمعات، فإذا شاعت الأثرة في مجتمع تفتت، وفقد تماسكه، والأثرة إحدى أكبر مظاهر العصر الذي نعيشه، ولقد نهي الإسلام المؤمنين عن اتصافهم بهذه النقيصة المقيتة الأثرة (الأنانية)، وحثهم علي الإيثار وشجعهم على فعل الخير وعلى نكران الذات في سبيل نفع المجتمع والمصلحة العامة، وإن سيرة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وسيرة الصحابة الكرام رضي الله عنهم- حافلة بآلاف المواقف المشرقة بالتضحيات وحب الخير والإيثار.

وانتشر الإسلام بهذه الروح السامية الخيرة الإنسانية فأنكر على الأكاسرة ملوك الفرس وعلى القياصرة ملوك الروم لإتباعهم نهج الأنا والظلم حتى زال ملكهم وتهاوت عروشهم، فلا مجال في الإسلام لأي نوع من أنواع الأنانية (الأثرة). ومن أضرار الأثرة، فبها تحل النقم، وتذهب النعم، والأثرة دليل على دناءة النفس وخستها، والأثرة معول هدام، وشر مستطير، والأثرة تؤذي وتضر، وتجلب الخصام والنفور، وتؤدي إلى انتفاء كمال الإيمان، وقد تذهب بالإسلام، وتبث اليأس في نفوس ذوي الحقوق، وبالأثرة يضيع العدل، وينتفي كرم الخلق. ولذا ينبغي علي المؤمن الحق التخلص من هذه الصفة المذمومة وألا يؤثر من لا يستحق على من يستحق. وعلاج الأثرة لا يكون إلا بالإيثار بأن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [متفق عليه]. وتقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولو شئنا لشبعنا، ولكننا كنا نؤثر على أنفسنا. وأثنى الله على أهل الإيثار، وجعلهم من المفلحين، فقال تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [سورة الحشر الآية: 9]. والأثرة هي حب النفس، وتفضيلها على الآخرين، فهي عكس الإيثار، وهي صفة ذميمة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فما أقبح أن يتصف الإنسان بالأنانية وحب النفس، وما أجمل أن يتصف بالإيثار وحب الآخرين.

وكتب السير مليئة بمواقف الإيثار في التاريخ الإسلامي، ومنها الإيثار الإيماني الذي اتصف به الصحابي الجليل الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ورضي الله عنه - حين نام في فراش الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليلة الهجرة النبوية، وبذلك ضرب علي بن أبي طالب أروع نموذج للتضحية والفداء، حيث كان مستعداً لأن يجود بنفسه فداء لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، وعرف علي بأنه أول فدائي في الإسلام، ومن هنا ينبغي علي العبد أن يتخلص من نقيصة الأثرة (الأنانية)، ويتصف بالإيثار، حتى يفوز برضا الله ورسوله -صلي الله عليه وسلم-.