أفكار وآراء

جدل حول الجنود المسلمين فـي الجيش الألماني

09 يونيو 2018
09 يونيو 2018

بقلم: سمير عواد -

مثلما يضمن الدستور الألماني حرية العبادة التي يستفيد منها أكثر من أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا، فإنه يضمن أيضا المساواة في الحقوق لكافة المواطنين. وهذا ما يعرفه المسلمون ولذلك فهم يستعينون دائما بالدستور الألماني لعام 1949 عندما تأسست ألمانيا الاتحادية على ركام ألمانيا النازية، عندما يضطرون للجوء إلى المحاكم للمطالبة بالاستجابة لحقوقهم. وعادة ما يبدأون بإثارة جدل ومناقشات عبر وسائل الإعلام والتي تتم في مرحلة لا تخلو من الحساسية بسبب الحملة المناهضة لهم التي يقودها هورست زيهوفر، وزير الداخلية المثير للجدل والذي يرأس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، وسبب حملته أصبح معروفا وهو أنه يريد مساعدة حزبه الحاكم في ولاية بافاريا في الفوز بالأغلبية في الانتخابات المحلية قبل نهاية العام الجاري. ويحاول حزبه خطف ورقة الإسلام من حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، الذي يعتمد على إشاعة المخاوف تجاه الإسلام للحصول على أصوات الناخبين.

وقد أوضحت عمليات استقراء الرأي أخيرا أن غالبية الألمان يؤيدون الرأي السلبي عن الإسلام والمسلمين الذي يروجه زيهوفر والذي هو عنوان البرنامج السياسي لحزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي تم الاستعانة به للفوز بالانتخابات المحلية في عشرة ولايات ثم في الانتخابات البرلمانية العامة في سبتمبر 2017. وحصل الشعبويون الألمان في بعض الولايات على نصيب من الأصوات أكثر من الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان في الماضي يملك أكبر قاعدة انتخابية. وبعد الجدل الذي ثار حول قضايا الحجاب والذبح الشرعي وبناء المساجد بدأ جدل حول مطالبة مسلمي ألمانيا بتحقيق المساواة بين الجنود في الجيش الألماني الذين ينتمون إلى ديانات أخرى وبين الجنود المسلمين الذين يطالبون بتعيين أئمة مسلمين في الجيش بعد أن بدأت أعدادهم تزداد في صفوف الجيش الألماني وبرز بينهم جنود وضباط. وينبغي القول إن العديد من الجنود المسلمين في الجيش الألماني وهم إما من مواليد ألمانيا أو جاؤوا إليها أطفالا كمهاجرين، لا يمارسون تعاليم الإسلام بالكامل، لكن العدد الحالي للجنود المسلمين في الجيش الألماني ارتفع خلال السنوات القليلة الماضية من 1400 إلى ألفي جندي وذلك حسب تقرير لموقع «دويتشه فيللي» الألماني. وتجدر الإشارة إلى أن جيش هتلر كان يضم عددا من الجنود المسلمين الذين كانوا ينحدرون من البوسنة والهرسك ويوجد في حي «فيلمرسدورف» في برلين مقبرة لهم. وقبل سنوات لمحت أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية، باحتمال تعيين أئمة مسلمين في الجيش الألماني بسبب ازدياد عدد الجنود المسلمين في الجيش ولترغيب أبناء المهاجرين المسلمين بالانضمام للجيش الألماني. وفي هذا الصدد، ضم أيمن مزيك، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا صوته إلى أصوات عدد من العسكريين المسلمين والمسلمات في الجيش الألماني، وذكّر وزيرة الدفاع الألمانية بضرورة إعادة النظر بهذا الموضوع وإقراره ليحصل الجنود المسلمون في الجيش الألماني على حقوقهم الدينية أسوة بالجنود المسيحيين واليهود. وأضاف أنه من العار أننا نبحث هذا الموضوع الهام والحتمي وضرورة إنشاء مستشفى عسكري إسلامي منذ ستة أعوام دون أن نتوصل إلى قرار يستحقه الجنود المسلمون للشعور بالمساواة في الحقوق مع زملائهم الذين يعتنقون ديانات أخرى.

ويريد الجنود المسلمون في الجيش الألماني الحصول على معاملة بالمثل حسب ما يقوم به الجيش الفرنسي، حيث تم تعيين أئمة للعناية بالجنود المسلمين فيه منذ عام 2006، ومنهم عبد القادر عربي الذي أوضح أن هذه الخطوة جاءت متأخرة جدا لأنه سبق وأن شارك جنود مسلمون في الحروب السابقة التي خاضتها فرنسا ولم يكن هناك أئمة حيث كان يتم الاستعانة بأئمة المساجد لدفن الجنود المسلمين الذين سقطوا في هذه الحروب وفي الكثير من الحالات بحاخامات يهود الذين كانوا أيضا يشرفون على توفير الطعام الحلال للجنود المسلمين إلى أن أدرك الرئيس الفرنسي جاك شيراك ضرورة تأمين الرعاية الدينية للجنود المسلمين في الجيش الفرنسي وأصدر قرارا بتعيين أئمة في الجيش الفرنسي وكان عبد القادر عربي في تلك الفترة جنديا عاديا لكنه كان واسع الاطلاع على التعاليم الإسلامية. وبحسب رؤوف جيلان، نائب مدير معهد العلوم الإسلامية التابع لجامعة «أوسنابروك» الألمانية، يحتاج الجنود إلى رعاية دينية دائمة في حالتي السلم والحرب، مثل الطعام الحلال ومواقيت الصلاة وخطبة الجمعة والحياة الإسلامية وأكد أن ذلك نتيجة متطلبات التغيير الذي حصل في ألمانيا نتيجة هجرة مسلمين إليها حيث يعيش فيها اليوم أكثر من خمسة ملايين مسلم يشاركون في كافة مجالات الحياة العامة فيها.

وعزز الجدل حول هذا الموضوع، تصريحات أدلت بها ناريمان راينكه وهي جندية ألمانية منذ 13 عاما من أب مغربي وأم ألمانية، التي دعت المسؤولين الألمان لاتخاذ قرار عاجل تجاه هذا الموضوع مؤكدة أهميته وضرورته مما جعل هانس بيتر بارتل، مفوض الحكومة الألمانية الذي يشرف على أوضاع الجيش الألماني، يزيد من انتقاده وزيرة الدفاع الألمانية كما فعل رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، بأنه موقف غير عادل ويستحق الجنود المسلمون في ألمانيا معاملة مشابهة لزملائهم في جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والنمسا وهولندا.