1356751
1356751
روضة الصائم

من فوائد الزواج

08 يونيو 2018
08 يونيو 2018

د.صالح بن سعيد الحوسني -

مرحلة الانتقال إلى الحياة الزوجية مرحلة مهمة في حياة الإنسان، فالإنسان بشكل عام لا يستطيع أن يعيش في عزلة عن الناس، فهو يحتاج لمخالطتهم والتشارك معهم، وتبادل المنافع المختلفة فيما بينه وبين الآخرين، ويزداد الأمر فائدة بحصول شريك معه يتبادل معه الكثير من أعباء الحياة، ويجد سندا ودعما متواصلا من شريكه الذي يأوي إليه كما كانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها التي آزرت النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وكانت تخفف عنه الكثير مما يلاقيه من عنت وطيش المشركين حتى توفاها الله وهي تحتمل معه هم الدعوة والرسالة.

وهناك الكثير من الحاجات النفسية والعاطفية التي لا يلبيها إلا وجود الجنس الآخر، فهي مصالح مشتركة بين الرجل والمرأة، وصدق الله القائل: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، بل لا نقول نشازا من القول إن قلنا: إن في الرجل أو المرأة فراغا كبيرا لا يملأه إلا النصف الآخر رجلا كان أو امرأة.

والآية الكريمة التي تصف الرجل والمرأة بأنه لباس للآخر واضحة في حاجة الرجل للمرأة كحاجته للباس الذي يقيه الحر والقّر، والمرأة إن ملأت قلب زوجها فإنه يتفانى في حبه لها، ولن يتجه للحرام غالبا، وهو ما يرشد إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»، وحديث النبي الذي يقول فيه: «من رزقه الله صالحة فقد أعانه الله على شطر دينه فليتق الله في الشطر الآخر»، ومن هنا فإنه يقال: إن الزواج نصف الدين.

وبالزواج يشعر الزوج بعاطفة متوقدة تجاه نصفه الآخر، والحال كذلك بالنسبة للمرأة، بل نجد تصوير هذه العلاقة في كتاب الله تعالى يأخذ منحى بليغا في تصوير الانسجام بين الرجل والمرأة عندما قال: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا).

ومن فوائد الزواج تكريم الإنسان وترفعه عن حياة البهائم التي ينزوي فيها الذكور على الإناث من دون ضوابط أو قوانين سوى تلبية الغريزة، والإنسان بخلاف ذلك هو مخلوق مكرم كما قال تعالى واصفا ذلك: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، وهذا التكريم لكل إنسان بأمور منها العقل، وتسخير المخلوقات والكون الواسع، والرزق من الطيبات المختلفة، وهنا لا يليق بمن وصل لهذه المكانة العظيمة أن ينزل أو يتخلى عنها فهو كم خلع وساما شرّفه الله به.

ومن فوائد الزواج كذلك أنه هو السبيل لتكوين أسرة تُعد لبنة مهمة في بناء المجتمع، وما المجتمع إلا مجموعة من الأسر التي بصلاحها يصلح المجتمع وتسعد الأمة؛ ولذا فإنه لا بد من البدء بإصلاح هذه اللبنة التي من خلالها يرتقي المجتمع، والزواج هو السبيل لذلك عند الارتباط بالمرأة الصالحة، ويحصل بهذا الزواج الذرية التي تنمو في كنف تلك الأسرة، وبعدها يواصل أولئك الأبناء مرحلة التعمير والإصلاح في هذا الكون لتكون تلك اللبنة امتدادا لأصلها الصالح بعون الله تعالى.

ومن فوائد الزواج المهمة أنه من أهم الوسائل لتكوين العلاقات، وتنمية أواصر المودة والرحمة بين أفراد المجتمع؛ ولذلك قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فعندما يرتبط الرجل بالمرأة التي قد تكون من أسرة بعيدة، أو قبيلة مختلفة أو ربما مجتمع آخر فإن هذا الزواج يُنشئ علاقات قوية بين هاتين الأسرتين على تباعد في أمكانهما أو اختلاف في العادات، فيقع بذلك التعاون، وتبادل المنافع والخيرات بين الأسرتين المتصاهرتين.

ومن منافع الزواج أن يتعود الإنسان الإشراف وتحمل المسؤوليات المختلفة، فبعد أن كان الرجل حرا طليقا لا يفكر إلا في حدود حاجياته ومشاكله الخاصة إذا بشخص آخر يشاركه هذه الهموم، ويتعاطى كذلك مع مشاكله وما يقع له، بل ويكون مسؤولا عنه مسؤولية مباشرة، فبعد أن كانت الزوجة في كنف أسرة تحيطها بصنوف الرعاية والاهتمام إذا بها مع رجل يشرف عليها ويغار عليها ويقدم اللقمة في فيها قبل نفسه، وتزداد المسؤولية تبعة بمجيء الأولاد الذين هم أحوج ما يكونون للكثير من الرعاية والاهتمام من النواحي الخلقية والنفسية والصحية والاجتماعية وغيرها.

ولنا أن نتصور أن إشباع هذه العلاقة خارج إطار الزواج مما يتسبب في مشاكل خطيرة جدا، فتكثر بذلك البغايا اللاتي يمتهن مهنة إشباع الشهوات، ويرق الحياء، وتنتشر الجريمة، ويكثر اللقطاء الذين ينشأون حاقدين ناقمين على مجتمعهم يشكلون فيما بعد أداة لهدم المجتمع، بجانب كثرة الأمراض الجنسية المختلفة المهددة بفناء البشرية.