روضة الصائم

بعض مبررات عدم السماع (2)

07 يونيو 2018
07 يونيو 2018

زهران بن ناصر البراشدي -

قاض بالمحكمة العليا بمسقط -

ولا يسقط الحق بتقادم الزمن ولو تقادم الزمن أحقابا كثيرة، وعدم استماع الدعوى بمرور الزمن المبين آنفا مبني على الأمر السلطاني بسبب امتناع الحكام عن سماع الدعوى خوف وقوع التزوير لقطع الحيل والتزوير والأطماع الفاسدة الفاشية بين الناس.

فلذلك لو أقام أحد الدعوى بمطلوبه الذي هو على آخر بعد مرور خمس عشرة سنة ورد القاضي الدعوى بسبب مرور الزمن فيبقى المدين مدينا ديانة ولا يخلص من حق غرمائه ما لم يؤد دينه أو يرض دائنه.

وكذلك إذا أقر واعترف المدعى عليه صراحة في حضور القاضي بأن للمدعي عنده حقا في الحال في دعوى وجد فيها مرور الزمن بالوجه الذي ادعاه المدعي فلا يعتبر مرور الزمن ويحكم القاضي بموجب إقرار المدعى عليه لأن إقراره حجة عليه.

والإقرار إما أن يكون شفاهيا وإما أن يكون بالكتابة كالإقرار بأنَّ إمضاء أو ختم السند المبرز هو إمضاؤه أو ختمه ويقال لهذا الإقرار بالكتابة.

فمثلا إذا ادعى أحد دينا من آخر مر عليه خمس عشرة سنة استنادا على سند معنون ومرسوم فأقر المدعى عليه بالإمضاء والختم الذي في السند وادعى وجود مرور الزمن في الدعوى فهنا يلزمه أن يؤدي المبلغ الذي يحتويه السند.

وبما أنه لا يسقط الحق بمرور الزمن فلا يكفي أن يكون جواب المدعى عليه على دعوى المدعي بقوله: إن في الدعوى مرور الزمن.

أمَّا لو أجاب المدعى عليه على دعوى الدين بأنني لست مدينا له فيما ادعاه. وفي دعوى العين: إن هذه العين لي ولاحق له فيها وأضاف إلى ذلك الادعاء بمرور الزمن فيصح دفعه.

وسقوط الدعوى بتقادم الزمن لا يكون إلا مع الإنكار وعدم العذر الشرعي فلذلك لو أقر المدعى عليه بأن المال المدعى به كان قبل ثلاثين سنة للمدعي أو لمورثه وادعى انه اشتراه منه فيكون قد أقر بحق المدعي وصار مدعيا في الشراء فلذلك عليه البيان.

وإذا لم يثبت الشراء وحلف المدعي الأصلي اليمين عند تكليفه للحلف وجب تسليم المدعى به للمدعي الأصلي؛ لأن من أقر بشيء لغيره أخذ بإقراره ولو كان في يده أحقابا كثيرة تعد.

والحكم في الدين هو على هذا المنوال فلو ادعى المدعي على المدعى عليه قائلا: أدِّ لي العشرين دينارا التي أقرضتها لك قبل خمس عشرة سنة فإذا أقر المدعى عليه أنه اقترض منه هذا المبلغ قبل خمس عشرة سنة إلا أنه أردف قائلا: قد أدى ذلك للمدعي فعليه إثبات ذلك فإذا عجز عن الإثبات وحلف المدعي على عدم استيفائه الدين قضي له بحقه وله أخذ ذلك المبلغ من المدعى عليه.

ولذا لوثبت الحق بالبينة والإقرار فإنه يعتبر قضاء بالإقرار؛ لأنه أقوى وأسلم عن الإضرار بالشهود.

والإقرار متى تضمن حقا على الغير لم يقبل وكان دعوى.

ومعنى لم يقبل أي في حق الغير أما في حق المقر فهو حجة على المقر به. وذلك بناء على قاعدة «الإقرار حجة قاصرة» أي قاصرة على من أقر لا تتعداه إلى غيره ما لم يكن شاهدا.

فلو أقر بأن المال الذي بيد فلان لا حق له فيه أو أنه أبرأه من كل ما في يده ، ثم ادعى عليه بشيء مما في يده أنه غصبه إياه وبَرْهَنَ على ذلك فلا تقبل بينته حتى تصرح بأن الغصب وقع بعد الإقرار منه؛ وذلك فيما يمكن تجزؤه من الأملاك ويحتمل التعدي لأن الإبراء والإقرار يعملان فيما قبلهما لا فيما بعدهما، وقد صح أنه قبل الإقرار كان بريئا مما في يده من التبعة للمدعي بيقين، ولا يزيل اليقين إلا يقين مثله، وعليه فدعواه ضعيفة جداً وبحاجة إلى حجة قوية تثبت تعدي المدعَى عليه على مال المقر بعد الإقرار، إلا في مسألة الرد بالعيب على رأي من أجاز الإبراء منه قبل العلم به، وهو رأي عليل ودليله كليل والحق بخلافه، أما إن كان المقَر به أو المبرأ منه مما لا يمكن تجزؤه كالعين الواحدة التي لا يمكن تجزؤها فلا تسمع فيه الدعوى من المقر أو المبرئ على المقر له أو المبرأ لتناقضها.

ولا اعتبار لمرور الزمن في الدعاوى التي يعود نفعها للعموم كالطريق العام والنهر والمرعى مثلا: لو ضبط أحد المرعى المخصوص بقرية وتصرف فيه خمسين سنة بلا نزاع ثم ادعاه أهل القرية تسمع دعواهم.

ولأنه يوجد بين العامة قاصرون كالصغار والمجانين والمعتوهين ويوجد أيضا غائبون وحيث لا يمكن إفراز حق هؤلاء من غيرهم فلذلك لا يجري في المحال التي يعود نفعها للعموم مرور الزمن: مثلا إن لأهالي بغداد حقا في الطريق العام الكائنة في دمشق. فلذلك لو ضبط أحد المرعى المخصوص بقرية وتصرف فيه خمسين سنة بلا نزاع ثم ادعاه أهل القرية تسمع دعواهم.

أما إذا لم يكن المرعى عائدا للعموم أي عائدا لأهالي قرية أو قصبة أو عائدا لأهالي قرى أو قصبات متعددة بل كان عائدا لشخص مخصوص فإذا كان ملكا [خاصا] فلا تسمع الدعوى فيه بعد خمس عشرة سنة.

وإذا كان من الأراضي الأميرية فلا تسمع الدعوى فيه بعد مرور عشر سنوات. كذلك لو أخذ أحد مقدارا من الطريق العام وألحقه بداره فإذا ادعى أحد العامة بعد مرور خمسين سنة وأثبت دعواه فله تفريغ الطريق.

والمقصود من النهر الوارد في المجلة هو النهر العائد لأهالي قرية أو قرى متعددة أما النهر المملوك لشخص فمرور الزمن فيه قد مر ذكره. في المادة (1661).