روضة الصائم

الإسراف مرض اجتماعي يقضي على الثروات ويبذرها في غير النافع «2 - 2»

03 يونيو 2018
03 يونيو 2018

لا غرابة أن يراجع الإنسان نفسه من خلال تصحيح بعض الأمور فالشهر الفضيل يتسم بالرحمة والمودة بين الناس -

أجرى الحوار: أحمد بن علي الذهلي -

نواصل اليوم في الحلقة الثانية الحديث عن ظاهرة شغلت تفكير الكثير من العلماء ورجال الدين، بالإضافة إلى الحكومات، وحذر الجميع من نتائجها وتأثيرها السلبي على المجتمع.

قد نجزم بأن هذه الظاهرة لا يكاد يخلو منها أي مجتمع، ولذا جاءت التحذيرات من خطورة تفشى مظاهر الإسراف والتبذير في المجتمعات العربية والإسلامية، ولذا ينظر إلى الإسراف على انه فتنة أصابت مجتمعاتنا،وأصبح ضررها يصل الجميع داخل المجتمع، في الوقت ذاته لم يحرم الدين الحنيف المسلم من زينةَ الحياة الدنيا، والطيبات من الرزقِ، وإنما حرم عليه الاعتداء والطغيان والإسراف والتبذير في الاستمتاع بها وفي نفسه الوقت، حرم التقتير والشح.

وأمام هذه المعادلة الصعبة، يحتاج هذا الموضوع إلى شيء من النظر العميق إليه، فلا توجد مبررات واقعية تدعو إلى الإسراف في الخيرات، او أن يتجاهل المجتمع بعض شرائحه،وإنما دعا الإسلام إلى الاعتدال في المأكل والمشرب،وان تكون هناك مراعاة في الإنفاق حتى لا تزول النعم التي انعم الله بها على العباد.

التكافل لخدمة المحتاجين

ملحق ( ) التقى بعدد من الشباب للحديث حول الآثار السلبية لظاهرة الإسراف المبالغ فيه خاصة في الشهر الفضيل .

وقد أجمع الكثير ممن التقينا بهم على أهمية نبذ بعض التصرفات والسلوكيات الخاطئة التي لا يعي خطورتها بعض الناس، مؤكدين أن توظيف الخيرات في طريقها الصحيح يمكن المجتمع للوصول إلى تعميم مبدأ التكافل والتعاضد لخدمة المحتاجين والمستحقين للمساعدة، وأيضا المحافظة على الرزق الوفير الذي منحه الله لنا، وأوجب علينا المحافظة عليه .

من جانب آخر أوصى عدد منهم بضرورة إبراز دور الجمعيات الخيرية في إيصال رسائلها المجتمعية، حيث تعتبر حلقة الوصل ما بين الناس، موضحين بأن لدى بعض أفراد المجتمع صورة غير واضحة عن العمل الذي تقوم به بعض الجمعيات الخيرية، وذلك بسبب قلة نقاط الالتقاء وأيضا كثرة الجمعيات أوجد نوع من الهاجس لدى البعض بان ما يقدمه لا يصل إلى المستحقين، مطالبين الجمعيات بعقد جلسات تعريف لفئات المجتمع، سواء في المسجد أو الملتقيات وذلك لشرح كافة الجوانب الإيجابية التي يستفيد منها المجتمع من أوجه الخير التي يقدمها أصحاب الأيادي البيضاء، أيضا من الضروري أن يعرف الجمهور طرق التواصل مع الجمعيات بصفة مستمرة.

في البداية التقينا بـحمد بن سالم العريمي الذي أكد في مستهل حديثه أهمية اتباع السلوكيات الإسلامية الحميدة، والتي تدعو إلى إطعام المساكين وغوث المحتاجين، خاصة في هذا الشهر الفضيل، موضحا أن هناك مجموعة من العادات الرمضانية ظهرت على السطح خلال السنوات القليلة الماضية، وأفرزت عددا من السلوكيات غير الإسلامية، مثل كثرة الولائم، وبزخ أصحابها في جلب المأكولات والمشروبات، والإسراف المبالغ فيه، إضافة إلى عدم مراعاة لظروف الآخرين أو النظر إليهم بشيء من الاهتمام .

ويدعو العريمي أصحاب الأيادي البيضاء، إلى مساعدة الفئات التي تستحق المساعدة، موضحا أن هذا له أثره الكبير في المجتمع، ويسهم في تعزيز أواصر المحبة والتعاون، ويقي المجتمع من انتشار الظواهر السلبية التي تؤثر على سلامة أفراده أو النيل من لحمة التماسك فيما بين أفراده .

من جانبه يشاطره الرأي زميله ناصر الجهوري الذي يلتقط خيط الحديث ويشير إلى أن سلوك الإنسان المسلم يجب أن يكون ذا قيمة في المجتمع، ولا غرابة أن يراجع الإنسان نفسه من خلال تصحيح بعض الأمور، فشهر رمضان الفضيل يتسم بالرحمة والمودة بين الناس، وهذا الجانب يدخل فيه سد حاجة الآخرين، سواء من خلال توفير المأكل والمشرب والكسوة لهم، وأيضا العمل على حل بعض مشاكلهم الأسرية نتيجة النقص المادي.

وقال: بعض الناس يرى أن الإسراف على الموائد والعزومات جزء من الكرم، فترى الأطباق المحملة بما لذ وطاب في براميل القمامة عقب انتهاء العزومة، وحقيقة هذا الأمر ليس له علاقة بصفة الكرم، وكان من الأولى ان توجه هذه الزيادات إلى من يستحقها .

ويشاركنا عادل بن يوسف البلوشي الحديث متحدثا عن نقطة مهمة، وهي المبادرات التي يطلقها بعض أفراد المجتمع للاستفادة من الفائض من العزومات والموائد الكبيرة وذلك من خلال ابتكار طرق بديلة يمكن أن تسهم في مساعدة المحتاجين، وبالتالي يمكن للمجتمع أن يستثمر إمكانياته في خدمة الآخرين، فكثير من الأطعمة يتم رميها يوميا في براميل القمامة وهذا أمر مؤسف للغاية، وهذا منظر يكاد يتكرر سنويا خاصة في موسم الأعراس والحفلات إضافة إلى الشهر الفضيل حيث تكثر الموائد، ويرى البلوشي أن هذه الأمور تغضب الله عز وجل لأن الإسلام يرفض مثل هذه الأمور وأكد عليها في كتابه العزيز، والعلماء ورجال الدين يفسرون هذه التصرفات بانها هدر متعمد للخيرات وأحجام عن أخذ البركات، والغريب في الأمر أن البعض من الناس يتعلل بعدم وجود محتاجين أو فقراء في مكان إقامته، وهذه المعلومة ربما تكون غير دقيقة وليست في مكانها الصحيح، من منطلق انه لم يقم بالتيقن من صحتها، ففي كل مكان يوجد منهم بحاجتنا لمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم .

أما سعيد بن حمد الغيلاني فيرى أن شهر رمضان الفضيل فرصة كبيرة لكسب الأجر من الله عز وجل، وأيضا نقطة مهمة لمراجعة النفس البشرية، وتدبر التعاليم الإسلامية التي تحض على التراحم والتعاطف، فهناك الكثير من فئات المجتمع هم بحاجة ماسه إلى المساعدة، وأيضا هناك طرق لتوجيه الفائض من المأكل والمشرب بشكل يسد حاجة البعض، فالجمعيات الخيرية في بلادنا أصبح لها دورها في توصيل كافة أوجه المساعدة للمحتاجين وهذا أمر طيب للغاية.

وأضاف : لقد حظنا الدين الحنيف على اتباع السلوكيات الحميدة التي يجب أن نتمسك بها في حياتنا، وأيضا نهانا عن الإسراف والتبذير لأنها تزيل النعم، وفي اعتقادي -ولله الحمد ـ أصبح الشباب على قدر كبير من المسؤولية، فهم يدركون أهمية تقنين الأمور سواء في مأكلهم أو مشربهم، وهذا دليل واضح على مستوى الوعي الثقافي، وهي بالطبع ظاهرة صحية، وهناك جهود حثيثة من الشباب في توفير الخدمات الضرورية للمجتمع وأفراده، وهذا من منطلق التكافل الاجتماعي الذي يجب أن يكون عليه أي مجتمع إسلامي.

ويؤكد سعود اليحيائي على أهمية الالتزام بالقيم الإسلامية النبيلة، ففي مجتمعنا أشخاص بحاجة إلى أن تمد لهم يد العون والمساعدة، فهم يتعففون من مد أيديهم لطلب الطعام أو الشراب ولذا علينا أن ندرك أهمية مثل هذه الأمور .

وقال اليحيائي: هناك محاولات وجهود مثمنة، قام بها بعض أفراد المجتمع خاصة خلال شهر رمضان الفضيل، وذلك من خلال طرح نماذج ذكية لأفكار مبتكرة بهدف الاستفادة من الطعام الزائد في الموائد رمضان، وأيضا توفير وجبة إفطار يتم توزيعها في محطات تعبئة الوقود في أيام الإجازات، والتي تعتبر من أكثر الأيام ازدحاما،بحيث تكون نقاط التوزيع على جانبي الطريق، هذه الفكرة -مثلما أخبرني عنها أحد الزملاء- هدفها توفير وجبة إفطار لصائمين من السائقين والركاب، دون الحاجة الى قيادة المركبات بسرعات عالية بهدف وصولهم إلى أهلهم وأسرتهم قبل موعد الإفطار، وأعتقد بأن هذين النموذجين من الأفكار التي لها الكثير من الفوائد وأيضا الثواب العظيم من الله عز وجل.

وأضاف: بعض الأفكار تكون ناجعة في تقديم الخدمات الضرورية للمجتمع، وتخلص البعض من روح الأنانية وتسمو به إلى العطاء، وبالتالي لا يكون هناك تبذير أو إسراف في استعمال الموارد، ومن هنا نصل إلى مجتمع متكامل، ومتحاب في الله بعطائه وتلاحمه .

محمد الجهوري آخر من التقينا به، يشاطر زملائه السابقين أفكارهم، ويؤكد على دور المجتمع في القضاء على بعض الظواهر السلبية، التي لها أثرها البالغ في نفوس البعض، وأشاد الجهوري بجهود الفرق الأهلية والجمعيات الخيرية المنتشرة في كافة أنحاء السلطنة والدور الذي تقوم به في إيصال رسائلها الإنسانية والإسلامية معا، وخص الجهوري في حديثه المستوى الجيد الذي وصل إليه المجتمع من ثقافة إسلامية، وتقبل للأفكار البناءة، وأثنى على محاولة البعض في إيجاد الحلول المناسبة لبعض المشكلات المرتبطة بحاجة بعض الناس المادية.