1349041
1349041
روضة الصائم

الإنشاد فن يستهوي الشباب 14 - أشرف العاصمي: الشعر يخترق حدود الزمان والمكان متحررا من مادية الحياة ملتصقا بمعاني الخفة والشفافية

29 مايو 2018
29 مايو 2018

كل لحظة زمنية مررت بها في تجربتي كانت نهرا يتدفق من الأعالي لتخضر جهات المعنى -

أجري الحوار: أحمد بن علي الذهلي -

منذ أن صادفتني القصيدة في منعطف ما، لا أدري كيف ضاء ذلك القنديل الأول، لكني ما زلت أشعر بوهجه، كانت البدايات الأولى متكئة على همّ إتقان الأدوات إلى أن تكون الوعي الذي يقود القصيدة إلى أن تكتب الشاعر متى ما شاءت هي.

بهذه الكلمات بدأ الشاعر أشرف بن حمد العاصمي حديثه لملحق (روضة الصائم) مشيرا الى أسباب توجه الى فن الشعر دونا عن بقية الفنون الأدبية الأخرى قائلا :السر أن هذا الكائن الروحي يمتلك خاصية جذب كوني إلى مداراته، وبؤرة تهوي إليها فراشات الحياة والحب والجمال.

الشعر هو أن ننصهر في ذواتنا ونبحر في قوارب الروح نحو جزر البعيد التي نصطاد منها اللآلئ، فنشعر بثراء لا يضاهيه ثراء.

وحول المراحل التي عبر بها الشاعر اشرف العاصمي حتى استطاع تكوين ذاته وشكلت منعطفا مهما و انطلاقة حقيقية له في مجال الشعر اجاب قائلا : كل لحظة زمنية مرت بها تجربتي الشعرية اعتقد جازما بانها كانت نهرا يتدفق من الأعالي لتخضر جهات المعنى، وما كان امامي الا الإنصات إلى النداء الداخلي بتمعن ،وعرض التجربة والاحتكاك مع الآخر كل ذلك يشكل رافدا مغذيا للتجربة الشعرية.

الإصدار الأول  «حفنة ظل»

وعن  أهم إنتاجاته الشعرية، ونموذج من قصائده قال العاصمي: - لله الحمد- صدر لي عن دار الانتشار العربي بلبنان ،مدعوما من وزارة التراث والثقافة نتاجي الشعري الأول «حفنة ظل»  وقد اخترت لكم هذه القصيدة: تسابيحُ غيمةٍ.. على كفِّ البَهْـلانيّ.

«...أوقف نفسَه لخدمةِ الحياةِ الروحيةِ على الأخصِّ والإنسانيةِ بالمعنى الأعمِّ، فهو لا يزالُ حليفَ أقلامِهِ المحررةِ للحقائقِ، والكاشفةِ للدقائقِ شأنَ أهلِ العملِ لله...».

بتصرف من ترجمة البهلاني للعلامة المؤرخ السيابي في مقدمة نثار الجوهر:

الغيمُ  ما  الغيمُ  إِنْ  من  كفِّهِ   هَطَلا

وَسَالَ   بينَ   رُؤاهُ   الحُلْمُ   فاشتَعَلا

كأنه    مسرجٌ    خيلَ    النبوةِ   في

  ساحٍ   يَضِجُّ   بها   التاريخُ  لو  نَزَلا

عمامةٌ   من   شذا  التسبيحِ  ينسجُها

  خيوطُها     أُنسُه     باللهِ    متصِلا

ويرتقي   في   مدارِ   الغيبِ   مقلتُه

ذابتْ  وذابَ  بها  التوحيدُ  حينَ  تلَا

وعندَما   فاضَ   من   محرابِه  قبسٌ

بروحِه   بينَ   أفلاكِ   السما   انتقلا

يمدُّ   بينَ   الفضا  والأرضِ  خطوتَه

وإن  مشى  حَضَنتْه  الشمسُ  مبتهلا

على   سناهُ   يموجُ  النجمُ  في  سفرٍ

ترى   مداهُ   إلى   الوجدانِ   مرتحلا

إلى    عروقِ   مسامِ   الحبِّ  يُنعشُه

فينتشي   القربُ   من   تَحنانِه  ثَمِلا

يُكابدُ   الوَجْدَ   في   هَمِّ   وفي  أرَقٍ

 رَمَاهُ    حتى    تشظّى   سرُّه   جمَلا

اللهُ  ..  حينَ  يفزُّ  الحرفُ  من فَمِهِ

بقوسِه   قبلَ   ما   يرميه  قد  وَصَلا

سميرُهُ     مستهامُ     البرقِ    بعثَرَه

  من ومضِه نادمــتْ أطيافـــُـه زُحَـــلا

وللبوارقِ     مرنانٌ     إذا     لَمَعَتْ

في   عينِهِ   خِلتَه   بالضوءِ  مُكتَحِلا

ألطافُهُ      مَدَدٌ     منها     معارجُه

                 ضمت    حقيبتُه   في   عُمْرِهِ   دُوَلا

طوى   البسيطةَ   في   قدْسٍ  مَنَابتُه

         ما  كان  يمشي  بها  – واللهِ – مُنتعلا

لأنها  من ضفافِ الخلدِ، أَسكَنـــــــَها

              فؤادَه   ثم   ماستْ  ..  آهِ  ما  حَمَلا

بها   الينابيعُ   مثلُ   الريحِ   داعَبَها

              شواطئٌ     لونتْ     ميناءَه     قبَلا

وداعبتْ   خلجاتُ   العشقِ   وَجنَتَها

كأنها      وردةٌ      مطليَّةٌ     عسَلا

فباعَ    فيها    لحاديْ   اللهِ   مهْجتَه

                   أعظمْ   به  بائعًا  ..  أكرمْ  بها  نُزُلا

وإذ   تميلُ   رُموشُ   الأفقِ   مرخيةً

                على   الحياةِ   لحافَ  الليلِ  مُنسدِلا

هناك    يغرقُ    في   أسرارِ   لُجّتِه

                 هنالِكَ   النقصُ   في   إنسانِه  كَمُلا

كأنه    في    جناحٍ   من   هشَاشَتِهِ

          طيرُ الفلى منه - يا مولايَ - قد ذُهلا

بروحِهِ    هامَ   فوقَ   الفوقِ   مرتبةً

                    وبلَّها    بالدعا    من    خافقٍ   بلَلا

وجاءَ    بالحُلْمِ   من   أثوابِ   أمنيةٍ

                   أردانُها   مصحفٌ   في  آيِهِ  اغتَسَلا

فقامَ    يتلو   من   الغيماتِ   سورتَه

                    هيا     تدلّي    أيا    غيماتِه    ذُللا

هيا   توضأَ   ماءُ   الطهرِ  من  يدِهِ

                وأمطرَ    الروحَ   فُلاًّ   فاحَ   منهَمِلا

 أما القصيدة الثانية والتي هي ليست من إصدار « حفنة ظل» فأيضا اخترتها لكم وعنوانها  (قصاصةٌ على جدارِ الحمراء):

وأنا الغريبُ وللشّموعِ سهادي

                ذابت لتحرقَ نشوةَ الميلادِ

وأنا النقوشُ الزاهياتُ حكايةٌ

مَنسيّةٌ من أعرقِ الآبادِ

وأنا القصيدةُ جمرُها يمشي على

            كبدي فيشهق ملهبُ الحدّادِ

وأنا الغيابُ المُطلقُ المَرمي على

           حجرٍ تفلّتَ من ذراعِ شِدادِ ..

مدّوا سلالمَ خوفِهم نحوَ السّما

                  واسّاقطوا سفرًا بلا ميعادِ

يروون بالأسحارِ سِفرَ حنينِهم

              في ليلةٍ ضجّت من الأورادِ:

«غرناطةٌ والروحُ فيكِ حمامةٌ

              والظلُّ منكسرٌ على الأوتادِ

والماءُ خارطةُ البياضِ تسلّقتْ

           أطيافُه من عمقِ ذاكَ الوادي

للمستحيلِ حدائقُ الرّؤيا نمتْ

                  منثالةً في سُمرةِ الأعوادِ

والزّهرةُ الثّكلى على بوابةٍ

مبتلّةٍ بمدامعِ الأحفادِ

والأرجوانةُ حين تنفثُ عطرَها

         غسقًا فينسكب المدى بمدادي

ما بين سحرِكِ والمُنى مثل الذي

            ما بينَ أوردتي وبين فؤادي»

غرناطةٌ أغريتِ فيّ سلالةً

           وبعثتِ من أكفانِهم أضدادي

لمّا مشى التاريخ شيخًا مُثقلا

             يبكي بحلّةِ «طارقِ بن زيادِ»

أيقنتُ أن الفجرَ علّقَ غيمةً

            سهرتْ لتوقظَ آخرَ الأجدادِ

بعباءةِ المنفى أطلَّ وخلفَه

           عصفتْ رياحٌ في صهيلِ جيادِ

ونسيتُ أن أتلو هنالكَ سورةً

            من أين أعبرُ خمرةَ السّجّادِ

ونسيتُ «رُنديًّا» يلمُّ حروفَه

            ممّا تبقّى من صدى الإنشادِ

ونسيتُ نايَكَ يا «ابن زيدون» الهوى

                 عند الغديرِ معفّرا برمادِ

ونسيتُ ظلّي  .. لم أكنْ أدرِ: أنا

            ذاكَ الذي جرّوهُ في أصفادِ ؟

علّقتُ نجمتيَ الأخيرةَ هل تُرى

   يومًا تضيءُ من البعيدِ بلادي ؟!

 الشعر عنصر يحترق

وفي رد على سؤال حول تجربته في  كتابة الشعر واهم الموضوعات التي تركز عليها  أجاب قائلا:

الشعر عنصر يخترق حدود الزمان والمكان ، فهو متحررا من مادية الوجود إلى كل ما يلتصق بمعاني الخفة والشفافية، إذ إن هلاميته تعبر أزمنة ومجرات ليلتقطها من يشاركك ذلك الشعور بحس مترف وذوق رفيع ولو كان في أقاصي الكون البعيدة، وهنا يكمن سر الموضوع الذي مهما خرج من القلب استقبله قلب، فالصدق في التجربة الشعرية أهم مكوناتها.

 وأضاف: أما الشعراء الذين قرأت لهم فهم كثر، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.  ومن وجهة نظري أرى أن الاختلاف عندي يولد طاقة شعرية متفجرة، أما الذي يحصر قراءاته لمدرسة معينة فقد حبس نفسه في حجرة مظلمة بينما مفتاح الباب في يمينه.

وعن أهم  المقومات الأساسية التي يجب ان تتوفر في  الشاعر الجيد ،حتى يستطيع ان ينال القبول من الجمهور  يقول: يجب على الشاعر أولا أن يكون إنسانا..  فما أعظم الشاعر الإنسان!

أتعجب.. كيف يمكن لشاعر ألا يتحلى بصفة كهذه؟

واصل حديثه قائلا: إنها تنعكس على رؤيته لجماليات الأشياء وتؤثر على تعامله مع مفردات هذا الوجود. أما الجمهور فإن الشاعر الحقيقي في تصوري حين تكتبه القصيدة تتلاشى خلف حجب تلك اللحظة الخاطفة كل الاعتبارات من خلده .. لا أقول إنه يفعل ذلك مختارا لكنها لحظة اللاوعي التي تنسكب فيها القصيدة.

قلت ما قلته، وفي يقيني أن ذلك لا يتعارض مع إعجاب الجمهور بنص ما، فالشاعر ابن أمته ووطنه وقريته، عمق الشعور وصدقه خيط رفيع يشعر به من صادف المعنى في ذاته مكانا.

ما يعترض طريق الشعراء محفز

وقال العاصمي: دائما طرقات الحياة غير معبدة بالورود، فثمة عثرات قد تعترض الطرقات، وربما تكون حجر عثرة في طريق بعض من يدخل هذا المجال ولكن أوجز القول إن كل ما يعترض طريق الشعراء هو محفز حقيقي للكتابة والإبداع بشكل عام في نظري، أيضا استجابة الشاعر للحدث تختلف عن استجابة غيره، واستقراؤه للمجريات مطلا من شرفته ومحاريبه تضفي للوجود معنى آخر.

 ومن الأبيات الشعرية التي قدمها الشاعر اشرف العاصمي من أشعار للوطن وللعروبة، فيقول في ذلك:

تنزل الحب بين الناس رضوانا ..

              لما حباكِ إله الكون سلطانا

عمان أنت بهاء الأرض سيدة ..

      تدندن الفجر في الأكوان ألحانا

ومذ حبتك فيوض الله رابية ..

      نمت عذوق نخيل الفخر تيجانا

تطاول السبع في عز وفي أنف ..

          ما نال شأو  ذراه العز مذ كانا

رقت بقابوسها المغوار منزلة ..

     سمت بها بين أفلاك السما شأنا

رأته يحفر مجد الغابرين رؤى ..

          تضيء همة شعب قط ما لانا

يسابق الزمن العاتي وصهوته ..

           عقيدة فاح منها الود ريحانا

هو العماني إن نادته نازلة ..

          لبى النداء وباع الروح قربانا

لمثل هذا يمد المجد راحته ..

              بمثل هذا بنينا المجد أركانا

نحن ارتوينا بأفلاج العظام فسا

    لت تحتنا الأرض ياقوتا ومرجانا

الجميع يضمهم سقف واحد

وفي سؤال آخر حول الساحة العمانية و قلة الشعراء أوضح قائلا: المشهد العماني ذو تجربة شعرية ثرية ومتعددة الأطياف، يشهد لها القاصي والداني. ما يميز المشهد الشعري العماني أخلاق العماني وتسامحه ولطفه فتجد الجميع يضمهم سقف واحد على اختلاف رؤاهم. وعن أهم الأشياء التي يطالب بها الشعراء من الحكومة او  القطاع الخاص حتى يستطيع الشعر ان ينهض بقوة  قال :حين أجلس مع أصدقائي الشعراء نتحدث كثيرا عن أحلامنا التي نريد أن نرى المشهد الشعري العماني يعيشها واقعا يوما ما.

 وأضاف: نتحدث عن أملنا بتغذية المشهد بمزيد من الفعاليات التي تليق بدور عمان الثقافي في المنطقة والعالم، وهذا يتطلب تكاتف الجهود من الشعراء أنفسهم أولا والمشتغلين على الأدب ثم المؤسسة.

وعن الجانب الآخر والمهم، المتمثل في سعي الشاعر المثقف إلى تحقيقه، وسقف طموحاته  فأكد العاصمي أن الطموح لا سقف له، والطريق دائما في أوله عند كل مثابر، تبدو لنا العوالم جلية، يبلها الضباب أحيانا لكنها لا تختفي ولن!

اطّلع وانظر ما لدى الآخر

وتوجه الشاعر اشرف العاصمي وفي ختام حديثه بالنصح والإرشاد الى كل من يمتلك الإمكانيات التي تؤهله ليكون منشدا  او شاعرا فصيحا في المستقبل  قائلا :القراءة ثم القراءة ثم القراءة، وعدم الانغلاق على الفكرة الواحدة، وتذكر دائما: أنت لم تُخلق في هذا الوجود لتعيش منزويا في بوتقتك وسراديبك، اطّلع وانظر ما لدى الآخر، لا تطلق الأحكام ! ليست هذه وظيفتك.

عش بالتسامح يكن قلبك محبا كبيرا كاتساع أطراف هذا الكون، وكن مؤمنا بذاتك واثقا من خطوك تر الحياة بستانا من رياحين.