1346084
1346084
روضة الصائم

حارات عُمانية: حارة النزار بولاية إزكي .. عراقة وتاريخ وإرث حضاري فريد (2-2)

28 مايو 2018
28 مايو 2018

تقع على قمة تلال وتكتلات صخرية وبها أسوار وأبـــــراج وصباحات -

إزكي: سيف بن علي المحروقي -

تتداخل الحارات العمانية القديمة بين الواحات والبساتين والأفلاج، في تلاحم وتناغم لفكر الإنسان مع التراث الطبيعي، فتشكل هذه الحارات واجهة تعبر عن الأصالة والعراقة التي تعيشها السلطنة.

وتعد حارة النزار بولاية إزكي بمحافظة الداخلية واحدة من بين أعرق الحارات القديمة في السلطنة، تضم موروثا فريدا من نوعه، ويأتي هنا إبداع الإنسان العماني وفكره في بناء البيوت بإبداع هندسي رائع يشكل امتدادا للحضارة العمانية التي توارثوها عبر الأجيال إلى أن وصلت إلينا.

تقع حارة النزار في مركز ولاية إزكي، يحدها من الشمال حصن إزكي وحارة اليمن الأثرية، ومن الجنوب منطقة العتب الزراعية، ومن الشرق مجرى وادي حلفين ومن الغرب الواحات الزراعية.

وجاء تحديد حارة النزار على أساس إيجاد الشريان الأساسي للحياة وهو الماء، حيث تحيط بها الأفلاج والآبار والعيون من جميع الاتجاهات، وتتميز حارة النزار ببنائها الفخم المطل على مجرى وادي حلفين، ولا تتأثر عند هطول الأمطار الغزيرة وتظهر على شكل نسيج معماري فريد حيث إن السكك والدروب هي التي حددت هذا النسيج المعماري، وتظهر منازلها على شكل مجمعات متداخلة مع بعضها البعض منظمة ومتعامدة.

قال الشيخ محمد الريامي: إن حارة النزار ترتبط بمعالم أثرية كحصن إزكي الشهير، وقلعة إزكي وسوق إزكي القديم، والأبراج والمجالس (السبل) والمساجد وكهف جرنان.

وأوضح الشيخ محمد الريامي في حديثه عن حارة النزار الواقعة في مركز ولاية إزكي: أن الحارة تتميز بتحصين متين، حيث يحيط بها السور من جميع الاتجاهات، أضفى عليها طابع الدفاع والحماية، ليسهم في إغلاق حدود الحارة بأكملها، ويرتبط بالسور عدد من الأبراج، التي تستخدم للحراسة والمراقبة في ذلك الوقت، إلا أن بعض أجزاء السور والأبراج تهدمت إثر العوامل الطبيعية، كالأمطار والرياح الموسمية، ويوجد بالحارة خمس بوابات يعرف كل منها محليا باسم (الصباح)، وهي؛ صباح الرحبة، وصباح السوق، وصباح البعو، وصباح الرسة، وصباح الشارع، بعضها لا يزال صامدا، وقد تم ترميمه من قبل الجهة المختصة كصباح الشارع، والبعض الآخر مندثر وغابت معالمه.

كما تتميز الحارة بأنها تقع على قمة تلال وتكتلات صخرية بارتفاع 15 مترا تقريبا، تمتد بالاتجاه الشمالي الجنوبي، على طول الضفة لمجرى وادي حلفين، وتضم عددا من المساجد التي ساهمت في نشر الثقافة الإسلامية، حيث كان يدرس فيها القرآن الكريم والعلوم الدينية والأصول الفقهية، أشهر تلك المساجد هي مسجد الحواري، ومسجد الحديث ومسجد الحجر.

الحياة الاجتماعية في الحارة

واستعرض الشيخ محمد الريامي الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها سكان الحارة حيث قال: يرتبط سكان الحارة آنذاك برابطة اجتماعية قوية، سواء كان من قبيلة واحدة أو من قبائل مختلفة، فقد كانوا يعيشون كأسرة واحدة، يسودهم التراحم والتلاحم والتعاطف والتعاون في جميع المجالات الحياتية.

كما إن تداخلهم وعلاقاتهم الاجتماعية تأتي عبر ارتباطهم بالعادات والتقاليد، سواء كانوا يمارسونها في السوق او في المجالس العامة (السبلة)، إلى جانب العادات الاجتماعية النسائية كالزيارات المتبادلة بينهن، وتفعيل المناسبات الدينية والأعياد ومناسبات الأعراس، هذه كلها أوجدت ذلك الجو الاجتماعي المتكامل، والمتكافل وغير ذلك، وكل رب أسرة يبني منزله بتكاتف الأهالي ومساعدتهم له، وتقسيم العمل فيما بينهم، فكان الرجال يجلبون التراب ويهيئون الطين لعملية البناء، وتقوم النساء بإحضار المياه من مصادرها، كالأفلاج والآبار لاستخدامها في تهيئة مواد البناء، وتقوم أيضا بتحضير الطعام للمشاركين في البناء من أبناء الحارة، كما أن الأطفال لهم دور لا يقل أهمية عن الآباء والأمهات، حيث توكل إليهم مهام تفتيت ونثر التبن، المفترش في السكك والطرقات، من خلال الذهاب والإياب فيه، وبالتالي يتم خلطه مع الطين، ليساعد في تماسكه، إلى جانب التعاون في جني المحاصيل الزراعية، كالتمور والقمح والشعير والبقوليات.

توثيق وحماية الحارة

وحول دور الحكومة في حماية وتوثيق الحارة قال الشيخ محمد: قامت الدولة بحصر المباني القديمة والأبراج وحصر الآبار كما تم ترميم بعض الصباحات، مثل صباح الشارع، وعمل خرائط توضيحية للحارة، ويأمل الأهالي مزيد من الاهتمام بالحارة، من خلال إعادة ترميمها، لكي لا تفقد معالمها الأثرية.

وستظل حارة النزار إرثا حضاريا عريقا، يكشف الخارطة التاريخية والجغرافية لجوانب متعددة من التجمعات الإسكانية، على مدى التاريخ في السلطنة، ومن يزور حارة النزار القديمة يدرك جمال وهيبة هذه الحارة، التي ضمت في داخلها مجتمعا متعايشا وحياة منظمة ومرتبة.