روضة الصائم

تقوى الله تعالى في شهر التقوى «2 - 2»

22 مايو 2018
22 مايو 2018

أحمد بن سعيد الجرداني -

المفتي العام للسلطنة :

حريٌّ بالمؤمن أن يقتدي برسول الله صل الله عليه وسلم ـ فيسخو بالخير في هذا الشهر.

ـ على المؤمن أن يحيي ليل هذا الشهر بالتهجد بين يدي الله سبحانه وأن يقضي نهاره في طاعة الله بحيث يداوم على تلاوة كتاب الله.

ـ جميع أعمال البر تضاعف أجورها في هذا الشهر.

أخي القارئ الكريم أختي الكريمة : نحمد الله تعالى على أن وفقنا ببلوغ هذا العام وصوم هذا الشهر العظيم، وكما عودناكم سابقاً بنشر بعض مما قاله أهل العلم في جانب التوعية والإرشاد وذلك من أجل سلامة المجتمع والعالم من المساوئ والمزالق ؛ فهذه الخطب والمحاضرات هي إرشاد للحائرين ولكل من أراد قطع الإشارات من أجل العبور إلى بر السلام، اليوم بإذن الله اخترنا لكم خطبة ألقاها سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة قبل سنوات مضت حيث تحدثنا في الحلقة الماضية عن بعض الأمور المتعلقة بالصيام وحرمات بالشهر وتقوى الله تعالى واليوم نواصل ذلك.. فمع المادة وبالله التوفيق..

مشروعية الصيام تنطوي على أكثر من حكمة

وحول مشروعية الصيام: يذكرنا سماحة الشيخ قائلاً: حريٌّ بالمؤمن أن يقتدي برسول الله، صلى الله عليه وسلم - فيسخو بالخير في هذا الشهر الكريم، بحيث يضاعف سخاءه، ويواسي الفقراء والمساكين، فإن مشروعية الصيام تنطوي على أكثر من حكمة، ومن ذلك تذكير الأغنياء بحاجات الفقراء والمساكين، فإن الغني عندما يذوق ألم المسغبة، ويعاني من الظمأ يتذكر حالات أولئك الذين يقضون سحابة نهارهم وهم يكدحون في سبيل تحصيل لقمة العيش صابرين على الظمأ والجوع، وهذا بطبيعة الحال يؤدي به إلى السخاء ومواساة أولئك مما منّ الله تبارك وتعالى عليه من خير.

هذا والصيام مدرسة خلقية، فإن الإنسان يكتسب الأخلاق الفاضلة منه، كيف والصائم لا يُطلب منه أن يكف أذاه عن الغير فحسب، بل يطلب منه بجانب ذلك أن يتحمل أذى الغير، وأن لا يقابل الإساءة بمثلها، ففي الحديث الصحيح عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم»، فما أعظم هذا الأدب الذي يؤدب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ أمته عليه ويخلّقهم به؛ من حيث إنه - صل الله عليه وسلم ـ يأمرهم في حال صيامهم أن يتحملوا أذى الغير، وأن لا يزيد الإنسان إذا تعرض للأذى والمهانة في هذا الشهر عن قوله للذي آذاه إني صائم؛ ليذكر نفسه قبل كل شيء بأنه في عبادة مقدسة تتنافى قدسيتها مع التشفي والانتقام؛ وليذكر ذلك الغير الذي صدر منه الأذى بأنه في حال عبادة مقدسة فلا يجوز له أن يصدر منه أذىً في حق أخيه وهو يتلبس بهذه العبادة، فإن كان ذلك الغير مسلماً كان ذلك سبباً لارعوائه ورجوعه إلى الحق، وإن كان غير متلبس بهذه العبادة وذلك بأن يكون من الكفرة الذين لا يؤمنون بهذا الدين، فإن مجرد سماع هذا القول يدعوه إلى أن ينظر في هذا الدين، وأن يتأمل في آدابه وأخلاقه، وذلك بطبيعة الحال يدعوه إلى اعتناقه واتباعه.

على المسلمين أن يراعو حرمات هذا الشهر

ودعا سماحة الشيخ قائلاً: يا عباد الله تأدبوا بهذه الآداب الربانية النبوية التي أمركم الله سبحانه وتعالى بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لتكـونوا من المتقين، ولتبلغوا ذروة الفضل والصـلاح. وقال على المسلمين أن يراعوا حرمات هذا الشهر، وأن ينتهزوا هذه الفرصة الخيّرة؛ فإنه شهر عظيم يقبل الله فيه توبة التائبين، ويعفو عن سيئات المسيئين بتوبتهم ورجوعهم إليه سبحانه، ويعتق رقابهم من النار، فهو شهر كله خير أوله وآخره، من حرم خيره فقد حرم، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال أيضاً عليه أفضل الصلاة والسلام:«من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقد أخبر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام بأن هذا الشهر الكريم «تفتح فيه أبواب الجنة وتصفد فيه أبواب النار وتسلسل فيه الشياطين»، وفي رواية أخرى: «وتسلسل فيه مردة الشياطين»، ويعني ذلك أن على المؤمن أن يتعرض لرحمات الله تعالى في هذا الشهر بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأنواع القربات، فجدير بالمؤمن أن يحيي ليل هذا الشهر بالتهجد بين يدي الله سبحانه، وأن يقضي سحابة نهاره في طاعة الله، بحيث يداوم على تلاوة كتاب الله، وعلى ذكر الله، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى مساعدة المحتاجين، ومواصلة الأقربين، فإن جميع أعمال البر تضاعف أجورها في هذا الشهر، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن «من أدّى فيه نافلة كان كمن أدّى في غيره فريضة ومن أدّى فيه فريضة كان كمن أدّى في غيره سبعين فريضة» وهذه فرصة يجب على العاقل أن لا يتركها تضيع، وأن لا تمر به مرورا مهملا، بل يجب عليه أن يسارع إلى اغتنامها؛ بحيث يحرص على أنواع الطاعات وصنوف القربات، ويستديم ذكر الله تبارك وتعالى آناء الليل وآناء النهار.

نوروا قلوبكم بذكر الله تعالى كما تنورونها بالصيام

وفي الختام يذكرنا سماحة الشيخ بالتقوى وتلاوة القرآن وغيرها من الواجبات التي ينبغي على المسلم القيام بها بقوله: فاتقوا الله يا عباد الله، ونوروا قلوبكم بذكر الله تعالى كما تنورونها بالصيام، وأديموا تلاوة القرآن في هذا الشهر وفي غيره، ولكن ضاعفوا قراءته في هذا الشهر، لما في ذلك من الثواب العظيم والأجر الجزيل، وتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، واستغفروه من كل ذنب؛ فإن الله يتقبل صالحات الأعمال من عباده، ويتجاوز عن سيئاتهم بتوبتهم إليه وثوبهم إلى رشدهم.