روضة الصائم

الشيخ سيف السبتي .. شغل منصب القضاء لأكثر من أربعة قرون .. وودعه عن 77 عاما

21 مايو 2018
21 مايو 2018

الشيخ سيف السبتي[/caption]

درس العلوم الشرعية في مدرسة الإمام الخليلي وتتلمذ على كبار علماء عصره (2-2)

كتب -  سالم بن حمدان الحسيني -

تستكمل حفصة بنت سيف السبتية الحديث عن حياة والدها الشيخ سيف بن حمدان بن سعيد السبتي العلمية والعملية وتنقلاته في مسؤولية القضاء في مختلف ولايات السلطنة منذ عام 1948 وحتى التحاقه بالرفيق الأعلى، مشيرة إلى التأليف وكتابة الشعر لم يكن هاجسه الأول على الرغم من مطاوعة القوافي والأوزان له، فلم ينظم الكثير منه، ولم يكتب في أغراض شعرية كثيرة، بل أغلبها في نظم علوم الدين والفقه والحكمة، بعضها كمراسلات يتبادلها مع إخوانه وأقرانه من العلماء والفقهاء، وكان حافظا لكثير من القصائد والأراجيز الشعرية، مبينة أنه على الرغم من كثرة تنقلاتها بين ولايات السلطنة المختلفة، خلال توليه القضاء، إلا أنه كان حريصا على لمِّ شمل أسرته وجمعها أينما ذهب، وكان يتعامل مع أسرته معاملة أبوية حنونة فهو الأب الناصح والمرشد والموجه لما يعود إليهم بالنفع والفائدة في دينهم وحياتهم.

في هذه الحلقة الثانية والأخيرة تسرد لنا الحديث عن حياة أبيها العلمية والاجتماعية حيث تقول: كانت حياة والدي (رحمه الله) حافلة بالعمل الدؤوب نحو طلب العلم وتعليمه وكانت حياته الاجتماعية حافلة بالمحبة والوئام فقد تزوج ثلاث مرات، زوجته الأولى ورفيقة دربه ورحلة كفاحه من أقاربه، رُزق منها بثمانية أولاد ابنان وست بنات، لم يبق منهم على قيد الحياة سوى أربع بنات، وتزوج بعد ذلك مرتين طلباً للذرية إلا أن الرزاق لم يشأ ذلك، فلم ينجب منهما. وكان حريصاً على تربية بناته التربية الصالحة القائمة على أساس من العلم والإيمان والتنشئة السليمة.

وكان (رحمه الله) يتعامل مع أسرته معاملة أبوية حنونة فهو الأب الناصح والمرشد والموجه لما يعود إليهم بالنفع والفائدة في دينهم وحياتهم، لا يستخدم العنف أو أسلوب الضرب في العقاب بل يتعامل بحكمة في موازنة الأمور، حيث كان نهجه متحضرا وأسلوبه حديثا في التربية والذي يدل على حكمته في التعامل مع مختلف المجالات.

وأضافت: إن هذه المواقف وغيرها كانت لا تخلو من الدعابة والمرح بين أفراد الأسرة، فمن يجلس معه في المحكمة أثناء الفصل بين القضايا وحزمه وشدته في ذلك، قد لا يدرك مدى حنانه ورفقه في معاملته مع أسرته والآخرين في المنزل، وكان واصلا لأرحامه وأقاربه ومعارفه، يتابع أحوالهم يؤدي واجبه في الوقوف بجانبهم والنظر في حوائجهم فهو لا يتوانى في تقديم العون لهم بأنواع المساعدات والخدمات من حصول على عمل أو وظيفة معينة، أو فك أزمة مالية أو صحية، أو اجتماعية بالصلح والوفاق.

وعن مؤلفات الشيخ أوضحت قائلة: لم يكن التأليف وكتابة الشعر هاجسه الأول على الرغم من مطاوعة القوافي والأوزان له، فلم ينظم الكثير منه، ولم يكتب في أغراض شعريه كثيرة، بل أغلبها في نظم علوم الدين والفقه والحكمة، بعضها كمراسلات يتبادلها مع إخوانه وأقرانه من العلماء والفقهاء، والمسائل التي كانت تعضل عليهم، ويتساءلون بعضهم البعض في مختلف القضايا، ولعل من أقوى الأسباب التي جعلته ينشغل عن التأليف كسب العيش وانشغاله بوظيفة القضاء، لكنه كان حافظا لكثير من القصائد والأراجيز الشعرية كألفية ابن مالك في النحو والصرف وغيرها.

وقد ذكر لي الشيخ حارث بن منصور العامري أنه كان ينظم بعض القصائد ويلقيها عندما كان يدعى للحضور لبعض المناسبات الوطنية أو الاجتماعية، وقد حاولت جاهدةً الوصول إلى هذه القصائد إلا أن عدم حفظها وتوثيقها حال دون ذلك، فهناك مجموعة من المسائل الفقهية والخطب والرسائل مفقودة.

وفاته

أما عن تاريخ وفاته فأشارت قائلة: تأثرت حالة والدي الصحية إثر سقوطه من على مكان مرتفع قريبا من منزله بعد عودته من المسجد، حيث أصيب برضوض وكدمات أعاقته عن الحركة فلازم الفراش لسنوات، وأصبحت حالته في تدهور مستمر، والذي صاحب ذلك تداعيات تأثره السابق جراء حادث السير الأليم الذي تعرض له في طريقٍ بجبال ظفار قبل سنوات عدة، والذي كاد يودي بحياته آنذاك، وقد توفاه الله صبيحة يوم الأحد 24 من ربيع الأول 1422هـ، الموافق 17 من يونيو 2001م.

وأشارت إلى أن هناك بعض الذكريات التي لها طابع خاص مع والدها ومن ذلك أنه كان حنونا عطوفا علينا رغم شدته وحزمه في الأمور، إلا أنه لم يؤنبنا يوما بقسوة في أمر ما، بل كان يلمح للأمر، أو يصرح لوالدتنا فتقوم بإيصال ما يستنكره علينا من تصرف معين.

مضيفة: إن تعلقي وارتباطي الشديد به كان كبيرا كوني البنت الأكثر دلالا من قبله، مما جعلني ألازمه كثيرا أينما ذهب لأي ولاية، وأذكر عندما كنا مع والدي (رحمه الله) في ولاية دبا بمحافظة مسندم أردت تعلم كيفية أداء الصلاة وأنا ما زلت لم أكمل السادسة من عمري، ولشدة ملازمتي له أحببت أن يكون هو من يعلمني الصلاة، وفعلا علمني إياها في أيام قليلة لم أتعبه في تعلمها.

وكنت دائما ألازمه في مجلسه حتى وإن حضر لديه صاحب دعوى أو قضية معينة فقد كان القاضي في ذلك الوقت وقته ليس بملكه، فقد كان يستقبل من له حاجة في أي وقت من اليوم حتى إلى ما بعد المغرب أحيانا، وبعد أن كبرت صرت أساعده بكتابة محاضر أحكام بعض القضايا خاصة قضايا الاستئناف، كذلك كان يعلمني بمشاركته في كيفية قسمة التركات والإرث لمن يطلب منه ذلك. وكان دائما يشجعني ويقف بجانبي ويدفعني للتعلم، وكنت أستذكر دروسي وأقوم بمراجعتها معه، فقد حثني على تعلم القراءة والكتابة والإملاء في سن مبكرة، فكثيرا ما كان يمليني بعض الفقرات ليختبر قدرتي على الإملاء، ولمعرفته بتعلقي ببعض علوم الفقه أحضر لي كتابا في فقه الميراث وطلب مني قراءته لكي نتدارسه معا، ولكني لم أستطع المواصلة لصعوبة فقه الميراث عليّ في تلك السن المبكرة، ولعدم تفرغي لارتباطي بالمدرسة.

وقالت: كان والدي محبا للخروج والتنزه والترفيه عن النفس في وقت المساء عندما يسمح له وقته، مثلا عندما كنا في مدينة صلالة لا يكاد يمر يوم إلا ونخرج فيه عصرًا في نزهة لزيارة معالم ظفار، سواء لشواطئها الساحرة برمالها البيضاء الناعمة فنتجه إما إلى شاطئ ريسوت وإما إلى شاطئ طاقة، وفي بعض الأيام نذهب لمشاهدة المعالم السياحية والأثرية بالمحافظة من أضرحة معروفة لديهم، كضريح النبي عمران أو النبي أيوب، أو نذهب لزيارة العيون المائية التي تزخر بها محافظة ظفار. وفي يوم من الأيام طلبت من والدي عدم الذهاب معهم لأن لديّ اختبارا مدرسيا في اليوم التالي أردت الاستعداد له، ولكنه وافق على مضض لأني سأكون بمفردي في المنزل.

نماذج من أشعاره

وأضافت: وقد وجدت بعض القصائد على شكل مراسلات بنظم فقهي، وعلى استفسارات في الأحكام الشرعية يتبادلها مع العديد من العلماء ومشايخ العلم في زمانه، أو أبياتا متفرقة وجدتها في صفحات ومصادر مختلفة، لم تجمع في مصدر واحد وإنما حاولت جاهدة في البحث عنها من مصادر مختلفة، ومن ذلك نظمه في الاستفسار حول بعض الفتاوى الفقهية وجدت بعض الأبيات الشعرية وجهها لبعض مشايخ وعلماء زمانه كسؤاله للشيخ العلامة أبي عبيد حمد بن عبيد السليمي يليه الجواب على سؤاله:

سلام على من فاق في عصرنا قدرا

ومن سارت الركبان تعنو له جهرا

ومـن صار في هذا الزمان مـجّليًا

لـكل عـويص مشكل حيًر الفكرا

تـهزّ رقـاب اليعملات إليـه من

بـعيد فتلقى نـحوه رحلها حسرى

ومـا قصدهـا إلا مـقام مـعظًم

تضـلله الجـوزا وتخدمـه الزهرا

عنيت بــذا شيخ العـلوم وقطبها

سليل عـبيد يا لـه عالمـاً حـبرا

أتيتك يـا شـيخ الحقيقة سائــلا

لتكشف عـنا ليل جهل بنا ضـرا

لتنهـلني مـن مـورد العلم عـلًة

     فـأحيى بها بين الورى صادقاً برا

فـما القـول في عقد النكاح إذا أتى

فتـى لصبـي يـعقدن لـه أمـرا

أيثبت هـذا العقـد أم هـو بـاطـل ابن لي  الهدى واكشف عن المشكل السترا

وفـي الزوجة الحسناء مهما تملكت

حـليلا لـها مـلك اليمين غدا قهرا

أينـفسخ التزويج فـي الحكم ثم أم

  تـرى أمره يبقى ولو طاول الدهرا

أريــد جوابـًا كالغـزالة مشرقًا وكالغيث

يروي الأرض والسهل والوعرا

وأخـتم قـولي بالصلاة مسـلمًا

                     على المصطفى والآل مع صحبه طرا

الجـــواب

أمن آل سبت نظم شعرٍ علا قدرا

      تحلت به الآفـاق عقدًا حكى الـدرا

أيـا آل سبت أنتـم خير أســرة

فكم قصبات السبق سدتـم بها فخرا

فبـورك في الأيام إذ سمـحت لنا

بسيف بن حمدان الفتى الماجد الذمرا

أيا أهل فنجا حزتم الفضل والعلى

   وحـزتم مقاما باذخا دونه الشـعرى

أطيعـوا لأهـل العلم منكم فإنكم

     تنالـون مـجدا لا يبارى ولا يبـرى

إلى نجل حمدان الذي جاء سائـلا

جـوابا مضيئا يخجل الشمس والبدرا

إذا زوّج الصـبيان أو قد تزوجوا

       فعقدهـم مـاض وساحتهم تبــرى

وهـذا هو المختار عندي وبعضهم

 يرى فسـخه فافهم وكن فطنا حـبرا

وينفسـخ الـتزويج من عبد حرة

     ولـو رضيته الدهـر حتى يفي حرا

لـحا الله هاتيك الحسان التي رأت

 ركوب الهوينا في هوى نفسها أحرى

وخـير صـلاة لله ثـم سلامـه

 على أحمد المختار من مضر الحُمـرا

كذا الآل والأصحاب ما هبت الصبا

 وما فاح من مسك الختام بها عطـرا

وأضافت: وجدت تقريضا لكتاب فيه عبارة «وقال سيف بن حمدان بن سعيد السبتي مقرضا لهذا الكتاب»:

لَعَمْرُكَ إِنَّ الجَهْــــلَ شَــــــينٌ وَإِنَّـــهُ

قَبِيـــحٌ فَسُحْقًــــا لِلجَهُــولِ أَخَي الكَـرَمْ

وَلِلعِلْـــــمِ أَنْــوَارٌ هُـــدِيتَ وَمَنْــــزِلٌ

رَفِـيعٌ يُزِيحُ الجَهْـلَ عَنْ قَلْبِ مُحْــتَرَمْ

وَإِنْ رُمْتَ نَيلَ العِلْمِ مِنْ كُتْبِ صَحْبِـنَا

عَلَيكَ بِهَــــذَا السِّفْــــرِ تَلْقَى بِهِ الحِكَمْ

تَسَمَّــــى بِأَزْهَـــارٍ يَفُــوقُ بِزَهْـــــرِهِ

وَحِلْيَـــةُ أَسْفَـــارٍ بِهِ الشَّـــرْعُ مُنْتَظِـمْ

فَيَا لَـــكَ مِنْ نَظْـــمٍ لَقَـــدَ فَـاقَ مَنْزِلًا

وَأَبْــدَى عَجِيبًـــا مِنْ مَعَانٍ وَمِنْ حِكَمْ

مُؤَلِفُــــهُ مُفْتِــــي العُلُـــومِ مُهَـــــذَّبٌ

هُو الحَـبْرُ مَنْصُورٌ عَلَى كُلِّ مَنْ ظَلَمْ

لَقَدْ صَارَتِ الأَفْكَــارُ فِي بِدْعِ نَظْمِــهِ

حَــيَارى لِمَا أَبْدَى مِنَ النَّظْمِ والحِكَــمْ

جَزَاهُ إِلــهُ العَرْشِ فِي نَظْمِــــهِ لَــــهُ

عَرَايِسَ فِي الأُخْرَى تَحُفُّ بِهِ الخَــدَمْ

وهذه قصيدة بعث بها إلى صديقه الوفي محمد بن سالم بن فريش الشامسي جاء فيها:

وَافَا نِظَامُكَ مُشْرِقًا بِصَّفْوَةِ

       فَظَنَنْتُهُ بَدرًا بَدَا مِنْ غُمَةِ

أَوْ أَنَّهُ شَمْسٌ تَأَلَّقَ نُورُهَا

أَمْ سَمْطُ دُرٍّ شَمْسُهُ فِي الصَّفْحَةِ

فَتَلَوْتُهُ لَمَّا أَتَى فَوَجَدْتُهُ

 نَظْمًا يَفُوقُ نِظَامَ نِجْلِ رَبِيعَةِ

لَا زِلْتَ مَحْرُوسًا مُعَافًا دَائمًا

  وَتَعِيشُ فِي عِزٍّ بِأَرغدِ عِيشَةِ

فَعَلَيْكَ بِالعِلْمِ الشَّرِيفِ فَإنَّهُ

 يُغْنِيكَ إِنْ حَصَّلْتَهُ مِنْ فضَةِ

فَانْهَضْ إِذَا مَاشِيتَهُ وَاقْصُد إِلى

    نَزْوَى بِأَعَظَمِ هِمَّةِ وَبِرَغْبَةِ

سَتَرَى بِهَا لِلْعِلْمِ ثَمَّة فِتْيَةٌ

  ترَكُوا لِأَجْلِ العِلْمِ كُلَّ مَلَذَّةِ

هُمْ سَادتي بذلوا نفوسهم إلى

طَلَبِ العُلَى لَمْ يَرْتَضُوا بِمَذَلَّةِ

هَجَرُوا دِيَارَهُمُ لَهُ، وَقلُوبُهُمْ

    قَلْبُ امْرِئ مُتَوَرِّعٍ ذِي عِفَّةِ

كَسْبُ العُلُومِ وَحِفْظُهَا خَيْرٌ لَهُمْ

مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَكُنْ ذَا هِمَّةِ

هَذَا وَدُونَكَ مَقَالٌ قُلْتُهُ

فَانْظُرْ إِلَيِهِ وَرُدَّ كُلَّ خَطِيةٍ

وَصَلَاةُ رَبِّي دَائِمًا وَسَلَامُهُ

يَغْشَى النَّبِيَّ وَآلَهُ مَعْ صَحْبَةِ

وهناك الكثير من الأبيات متفرقة في بعض الكتب والمخطوطات، وله كذلك العديد من الأسئلة الفقهية الموجهة إليه قام بالرد عليها.