أفكار وآراء

دول الساحـل الإفريقـي .. بين الحلـول العسكرية والتنموية لمواجهة الإرهاب

20 مايو 2018
20 مايو 2018

مختار بوروينة -

[email protected] -

ازداد الاهتمام الدولي بالقارة الإفريقية، بالتحديد في منطقة الساحل الإفريقي، من باب محاربة الإرهاب والحد من امتداده حفاظا على الأمن والسلم الدوليين، وفق مقاربتين متباينين في الأساليب بين مقاربة أمنية عسكرية ومقاربة أمنية تنموية، مما ينبئ بدخول المنطقة في دوامة حسابات وتحالفات استراتيجية تغذيها أطراف خارجية، تسعى الى توسيع نفوذها والحفاظ على مصالحها بالقارة السمراء.

ويتجه محللون سياسيون وخبراء عسكريون مهتمون بالشأن الإفريقي الى أن دحر فلول ما يسمى بتنظيم (داعش)، والتحذيرات المتصاعدة حول انتقال نحو ستة آلاف مقاتل من التنظيم الإرهابي من هذين البلدين إلى منطقة الساحل الصحراوي، وتصاعد نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة، أدى الى تزايد الاهتمام الدولي بالقارة السمراء، صاحبه تصاعد وتيرة التواجد العسكري بإقامة قواعد عسكرية وإيفاد خبراء ومستشارين عسكريين وزيادة برامج التدريب والمناورات المشتركة وتوقيع الاتفاقيات فضلًا عن تشكيل وتمويل القوات والعمليات العسكرية والاعتماد المتزايد على نشر التقنيات الأمنية المتقدمة خاصة الطائرات المسيرة عن بعد في بعض البلدان القريبة من بؤر التوترات، ومعه اتضحت المقاربات الأمنية للدول الغربية،خاصة فرنسا وأمريكا، لمواجهة الإرهاب في المنطقة، وراحت تركز، أيضا، في اعتمادها سياسات تدخل بالوكالة عبر إنشاء قوات إقليمية أو محلية.

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وضع من بين أولوياته مراجعة فشل عملية «سيرفال» التي بادر بها الرئيس السابق، فرنسوا هولاند، مباشرة بعد الاطاحة بنظام الرئيس، أمادو توماني، سنة 2012، في مالي، وحاول من خلالها احتواء المد العسكري للحركات الانفصالية في شمال مالي ولكنها فشلت في مهمتها مما جعله يلجأ في مرحلة ثانية إلى تشكيل قوة «بارخان» التي ضاعف تعدادها إلى أربعة آلاف عسكري ووسع من نطاق انتشارها لتشمل دولة النيجر المجاورة بعد تنامي التهديدات الإرهابية، لكن نتائجها كانت مخيبة للآمال بعد فشلها هي الأخرى في المهمة المحددة لها، وهو ما جعل خليفته، ماكرون، يقتنع أن المواصلة في نفس الطريق سينتهي إلى انتكاسة عسكرية ثالثة في وقت لم تعد فيه باريس قادرة على مواصلة ضمان تمويل قوتها وتزويدها بالعتاد الحربي الذي يؤهلها لمواجهة تنظيمات إرهابية امتلكت ترسانة حربية متطورة من مستودعات ليبيا.

كبديل لذلك بل ومدعم للوجود العسكري، رأت السلطات الفرنسية بضرورة تشكيل قوة عسكرية من جيوش دول منطقة الساحل الإفريقي بعد تقارير أمنية ملحة أكدت على عودة قوية للتنظيمات الإرهابية في شمال دولتي النيجر ومالي ووصولا إلى بوركينا فاسو والكاميرون وتشاد رغم تواجد 12 ألف رجل من قوات حفظ السلام الأممية وقرابة 4 آلاف عسكري ضمن قوة «بارخان». تبقى مشكلة القوة الإفريقية المشتركة افتقادها للتدريبات العسكرية التي تتماشى مع تقنية ملاحقة وضرب مقاتلي التنظيمات الإرهابية التي تعتمد على خفة الحركة والعمليات الخاطفة ونصب الكمائن،وهو ما جعل، ألمانيا والولايات المتحدة، تتعهدان بتدريب جنود هذه القوة بكيفية تجعلهم يتكيفون مع حرب أشبه بحرب العصابات إلى جانب جمع التمويلات المالية، وهي المسألة التي ما تزال قائمة وبإلحاح. في 15 يناير الماضي، اجتمعت فرنسا مع نظرائها في قوة مجموعة الساحل الخمس ودول مانحة لدعم عمل هذه القوة ورفع عدد أفرادها إلى 5 آلاف جندي في ربيع 2018، إلى جانب حشد المجتمع الدولي حتى تزداد قدرات قوة مجموعة الساحل الخمس المكونة من جنود لخمسة بلدان في المنطقة هي مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا. وكان الرئيس، ماكرون، قد أعلن قبل ذلك، في 13 ديسمبر الماضي،عن دعم مالي إضافي للقوة الإفريقية مقدم من بلدين عربيين (السعودية والإمارات) بمجموع 130 مليون يورو خلال الاجتماع الذي عقده ببلدة «سيل-سان-كلو» قرب باريس، إلى جانب ما أعلن عنه الاتحاد الأوروبي من دعم مالي للقوة الإفريقية بقيمة 50 مليون يورو، فيما أعلنت الولايات المتحدة عن رصد 60 مليون دولار في صورة تعاون ثنائي لصالح الدول الخمس المعنية وإصرارها على ترسيخ التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الساحل الإفريقي من خلال الاتفاق مع سلطات « نيامي « باستخدام القوات الأمريكية لطائرات بدون طيار انطلاقا من قاعدة يجري إنشاؤها حاليا في مدينة «غداميس» والثانية من نوعها في القارة الإفريقية بعد قاعدة «جيبوتي»، إلى جانب اعلان رئيس الوزراء الإيطالي عزم بلاده نقل بعض قواتها الموجودة في العراق 470 فردا، إلى النيجر، في الوقت الذي شددت فيه المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، على ضرورة الإسراع في تطبيق إجراءات مكافحة الإرهاب في المنطقة من خلال مساعدات لوجستية ومالية من الاتحاد الأوروبي. في المقابل عالج رؤساء دول مجموعة «5 ساحل» في اجتماع بالعاصمة النيجرية «نيامي» آخر الإجراءات العملية تمهيدا لدخول القوة العسكرية المشتركة المرحلة العملياتية، كما كان مقررا في مارس الماضي، إلى جانب نقطة محورية تخص البحث عن مصادر تمويل أخرى للقوة المشتركة تضاف إلى المبالغ المحصلة، قالت بشأنه مصادر على صلة بالموضوع أن عدة عواصم من هذه الدول وجدت صعوبة كبيرة في توفير 250 مليون دولار إضافية من أجل وضع اللبنات الأولى لهذه القوة في انتظار وصول المساعدات الخارجية والوعود الدولية لتمويلها، واستدعت هذه الوضعية توجيه دعوات إلى عقد ندوات للدول المانحة من أجل إقناع دول أحرى بالمساهمة في تمويل هذه القوة.

وكانت الجزائر قد رأت في التحالف العسكري الجديد بأنه محاولة لجرها للتدخل عسكريا خارج حدود البلاد، وهي التي حسمت في قرارها بعدم الانخراط في قوة التدخل السريع وساقت عدة مبررات تمنع الجيش الجزائري من إرسال قوات خارج البلاد لمكافحة التنظيمات الإرهابية الناشطة بالمنطقة في إطار ما تسميه بثوابت العقيدة العسكرية للجيش في الجزائر، وأوضح وزير خارجية الجزائر، عبد القادر مساهل، في هذا الخصوص أن بلاده لن تتخلى عن التنسيق الأمني الميداني مع تلك الدول، خاصة في مجال التدريب والدعم اللوجستي والتعاون الاستخباراتي الذي مكن من إجهاض عدة اعتداءات إرهابية في مالي والنيجر، وهو عمل تؤديه في كتمان كبير، كما استثمرت كثيرا في تكوين الوحدات الخاصة لمكافحة الإرهاب في المنطقة، مفيدا أنه ومنذ استقلال الجزائر ( 1962) إلى غاية اليوم تم تكوين العديد من الأطر الإفريقية لفائدة مالي والنيجر وباقي بلدان المنطقة.

من جهة أخرى، يقلل خبراء في الشأن الإفريقي من مدى قدرة هذه القوة الإقليمية في مواجهة تلك التحديات، وتزداد مخاوفهم من ان تعثّر هذه الجهود سيدخل منطقة الساحل الصحراوية في دوامة حرب عصابات دائمة وحرب بالوكالة تنهك اقتصاد دولها الهش على الرغم من توفر المنطقة على ثروات طبيعية هائلة مثل الذهب واليورانيوم والنفط إلا أنها تعد من المناطق الأقل نموا في العالم حيث يعاني سكانها من أزمة فقر وقسوة المناخ وانعدام الأمن، مما أضعف إمكانياتها للتصدي لنشاط الهجرة غير الشرعية والاتجار بالمخدرات والجريمة العابرة للحدود.

وحذر مسؤول باللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال منتدى دولي للسلام والأمن في إفريقيا، عقد مؤخرا في داكار، من عواقب خطيرة قد يعرفها إقليم الساحل الإفريقي إذا لم تتخذ تدابير وإجراءات كفيلة بوضع حد لموجة النزوح من خلال تحريك عجلة النشاط الاقتصادي بغية إقناع السكان بالبقاء في مناطقهم، وانتقد التركيز الذي ينصب في المنطقة على القضايا الأمنية العسكرية في الوقت الذي تعاني فيه الأسر من الجوع وتفقد الأمل في البقاء على قيد الحياة.

وقدرت تقارير الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية احتياجات منطقة الساحل سنة 2017 بـ 22 مليار دولار أمريكي، وهي التقديرات المجددة، لمواجهة أزمة غذائية وإنسانية خانقة تمس ثماني دول بالمنطقة هي ( تشاد ومالي والنيجر والكاميرون ونيجيريا وبوركينا فاسو وموريتانيا والسنغال) وإنقاذ ما يقارب 15 مليون شخص على الأقل من شبح مجاعة حقيقية. كما تشير التقارير الى أن 11 مليونا من سكان الدول المطلة على «حوض التشاد» يحتاجون الى الإغاثة العاجلة، وأن نصف مليون على الأقل منهم بدأت أعراض سوء التغذية في الظهور عليهم خاصة في مالي التي تشهد توترات سياسية واقتصادية، لهذا تزايدت دعوات الأمم المتحدة حسب منسقها العام لأنشطة الإغاثة الإنسانية الى إعادة بناء احتياطيات تلك الدول من المواد الغذائية الأساسية سعيا منها لإعادة خمسة ملايين من سكان بعض الدول الثماني النازحين عن قراهم وكبح موجات المهاجرين غير الشرعيين نحو الشمال هربا من ضيق العيش والجفاف القاتل.ويجمع الخبراء والمراقبون للشأن الإفريقي على أن غياب المقاربة الشمولية التنموية في معالجة الأزمة التي تتخبط فيها منطقة الساحل الإفريقي، وطغيان اهتمامات الفاعلين داخليا وخارجيا على الجانب الأمني العسكري او محاربة الإرهاب، سيؤدي إلى توالي حالات الفشل في المعالجة بفعل تهميش المقاربات الأخرى منها دعوة الاتحاد الإفريقي الى مقاربة شاملة قوية مرنة وشاملة لكل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكذا العسكرية لمنع التطرف العنيف والتصدي للظروف التي تساعد على انتشار الإرهاب في أرجاء القارة من خلال التركيز على الوقاية وإعطاء أولوية خاصة للشباب.

من هذا المنطلق تؤكد مختلف منابر الاتحاد الإفريقي، رغم وقوع بعض أعضائه في حسابات وتحالفات الكبار، على ان معالجة الوضعية في هذه المنطقة الحساسة من إفريقيا تتطلب حلولا مستدامة وإجراءات متنوعة ومتكاملة، وعدم الانغلاق في البعد الأمني والعسكري، ففك ارتباط الشباب بالجماعات المسلحة والجريمة المنظمة يحتاج إلزاميا إلى استيعاب الاتجاهات السياسية المختلفة وخصوصا لدى الشباب ودعم الحوار السياسي الداخلي في دول المنطقة من خلال إيجاد حلول واقعية للنزاعات المحلية والانفصالية التي غالبا ما تحدث بسبب سياسات التهميش والإقصاء، ولا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والعرقية.