الملف السياسي

المجلس الوطني والثوابت الفلسطينية !

14 مايو 2018
14 مايو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

جاء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في مدينة رام الله بعد غياب دام سنوات ليأتي هذا الاجتماع المهم في ظل تحولات سياسية وأمنيه تهدد القضية الفلسطينية ومن المعروف أن المجلس الوطني يمثل أعلى سلطة للشعب الفلسطيني حيث يمثل في هذا المجلس كل أطياف الشعب الفلسطيني.

ولاينسى الفلسطينيون قرارات هذا المجلس في اجتماعه الشهير في الجزائر عام 1988 حيث أعلن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عن قيام دولة فلسطين لتدخل القضية الفلسطينية في مراحل التحدي الكبرى خاصة بعد اتفاق اوسلو والذي جعل السلطة الوطنية الفلسطينية تدخل ارض فلسطين المحتلة وممارسة دورها الوطني في إطار معركة سياسية مع سلطات الاحتلال ، والتي نكثت بوعودها كالعادة ، ومن هنا تأتي اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني لتضع الأمور في نصابها من خلال تمسكها بالثوابت لعل في مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية والتمسك بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم .

وبصرف النظر عن غياب بعض الفصائل الفلسطينية كحركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الا ان الاجتماع حصل على النصاب القانوني المطلوب وكان اجتماع المجلس في غاية الأهمية في ظل ظروف عربية ودولية في غاية الحساسية وأهمها مؤامرة القرن التي تسعى إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لتسويقها عربيا ودوليا إلا ان المحاولات باءت بالفشل رغم الانتقال الرمزي لسفارة أمريكا إلى مدينة القدس المحتلة وهو إجراء باطل وغير قانوني .

التمسك بالثوابت

من أهم قرارات المجلس الوطني الفلسطيني والذي يعد المرجعية الدستورية والقانونية للشعب الفلسطيني منذ تأسيسه انه اكد على ثوابت الشعب الفلسطيني والتي لا مجال للنقاش حولها أو التسوية بشأنها فإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وعودة اللاجئين الى ديارهم ، هي من القرارات الأساسية والتي تم الإجماع حولها من كل الفصائل الفلسطينية وهذه كانت رسالة قوية للكيان الإسرائيلي اولا وللولايات المتحدة ثانية في ظل إدارة ترامب المنحازة بشكل سافر ضد ثوابت الشعب الفلسطيني كما ان تلك القرارات جاءت منسجمة مع قرارات القمة العربية والتي عقدت في منتصف شهر أبريل الماضي في مدينة الظهران السعودية، ومن هنا فإن الجميع متفق سواء الحاضرين في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني وحتى الذين غابوا لأسباب مختلفة متفقون على تلك الثوابت ، وهذا يعد نقلة مهمة على صعيد المشروع الوطني الفلسطيني .

المحاولات الإسرائيلية لإفشال اجتماعات المجلس الوطني من خلال بث الإشاعات وبث الفرقة باءت بالفشل ، وقال أعضاء المجلس من كل التيارات السياسية الفلسطينية كلمتهم حول التمسك بالثوابت الوطنية وانه لا مجال للكيان الإسرائيلي للتملص من قرارات الشرعية الدولية ومن المبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت العربية عام 2002 ، ومن هنا فإن الشعب الفلسطيني قبل قياداته السياسية قال كلمته الفصل وان الكفاح والنضال الفلسطيني سوف يستمر وان إسرائيل بكل جبروتها وسلوكها الشائن ضد حقوق الشعب الفلسطيني لن تنجح في كسر إرادة الشعب ، خاصة وأنها آخر احتلال قمعي يشهده التاريخ الإنساني الحديث .

القرارات والمصالحة

النتائج المهمة التي خرج بها المجلس الوطني الفلسطيني خلال اجتماعه الأخير والتي ركز فيها على وحدة الشعب الفلسطيني واستمرار نضاله المشروع وعدم التفريط بالحقوق الثابتة والتمسك بالقدس الشريف كعاصمة أبدية لدولة فلسطين كل تلك القرارات وغيرها لا بد ان تحفز جميع الفصائل الفلسطينية على إيجاد المصالحة الوطنية خاصة بين اكبر الحركات وهما حركتا فتح وحماس لأن عدم إتمام تلك المصالحة هو في مصلحة إسرائيل وأهدافها المشبوهة . ان وجود معظم أطياف الشعب الفلسطيني في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني بعد غياب اكثر من عشرين سنة يعطي دلالة مهمة بأن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة موحد . يبقى فقط الدور على القيادات الفلسطينية لتستلهم من اجتماعات رام الله أهمية الوحدة والنضال الموحد من خلال حشد كل الجهود لتحقيق حلم الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وهو حلم يستحق كل التضحيات ويستحق ان تصفو النوايا وتتحد الإرادات لتشكل جبهة واحدة ضد الغطرسة الصهيونية . ان الكلمات والمشاعر الوطنية التي عبر عنها المجتمعون تدل على توجه وطني نبيل من كل الفصائل التي تمثل الشعب الفلسطيني وهي رسالة واضحة وقوية انه بدون وحدة الشعب الفلسطيني وقياداته لا يمكن تحقيق ذلك الحلم ، فالشعب الفلسطيني الموحد يحتاج الى جهود كل التيارات الفلسطينية بصرف النظر عن الفكر السياسي والاجتهادات المختلفة ، فالهدف الأساسي متفق عليه والمشروع الفلسطيني الذي يدعو إلى الحرية والاستقلال هو مشروع يسعى الجميع إلى تحقيقه فقط تختلف الأدوات . ومن هنا لا بد من توحيد الرؤى التي نص عليها عدد من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني تمهيدا لمجابهة مشاريع التسوية المشبوهة من اسرائيل وأمريكا .

المجلس الوطني ومنذ قيامه ونضاله المتواصل يمثل الواجهة السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني والذي ناب عن منظمة التحرير الفلسطينية في عقد الستينات من القرن الماضي حيث تعد منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني لعقود من الزمن، كما أن بقية الفصائل كان لها دور نضالي مهم في مسيرة الكفاح للشعب الفلسطيني لأكثر من سبعة عقود وبالتحديد منذ النكبة التي شهدتها فلسطين ، وهي النكبة التي تعد الجريمة الأشنع في تاريخ الإنسانية الحديث بفعل التآمر الصهيوني والغربي خاصة بريطانيا وأمريكا لاحقا وما ترتب عليه من تشريد شعب بأكمله تقريبا لا يزال يعاني الأمرين في أراضي الشتات .

ان القضية الفلسطينية تحتاج الى الوحدة والمصالحة وتوحيد الرؤى لأن التحديات الحالية تعد تحديات خطيرة وهناك مؤامرة كبرى لتصفية القضية الفلسطينية بدأت ملامحها بنقل سفارة امريكا الى مدينة القدس المحتلة، ومن هنا وفي ظل تلك التحديات يطلق المجلس الوطني الفلسطيني شرارة التحذير من الجري وراء المكاسب الضيقة التي لا تخدم المشروع الوطني الفلسطيني والتمسك بآمال وتطلعات الشعب الفلسطيني من خلال القرارات والتي تمثل في النهاية الشعب الفلسطيني وحتى اذا وجدت بعض الاختلافات فان ذلك شيء طبيعي في إطار مكونات سياسية لها اجتهادها والذي يؤمن في نهاية المطاف بتلك الثوابت الوطنية .

ماهو المطلوب

في ظل النجاح الذي حققه اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني رغم التحديات والعقبات لجمع اكبر عدد ممكن من ممثلي الشعب الفلسطيني فإن المطلوب هو إيجاد تلك المصالحة لأن التمزق والخلاف لن يحل شيء ولا يمكن ان تكون هناك سلطة وطنية واحدة والتي اصبحت عضوا مراقبا بالأمم المتحدة ولا بد في المرحلة القادمة ان تقوم السلطة الوطنية بتقديم طلب للعضوية الكاملة ، خاصة وان هناك تعاطفا دوليا مع القضية الفلسطينية ولا بد من استثمار ذلك التعاطف من دول العالم المختلفة خاصة من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية علاوة علي العالم العربي رغم النكسات التي يعيشها هذا الأخير.

الحالة الإسرائيلية المفضوحة امام العالم أصبحت عبئا حتى على أوروبا وهذا يعني مزيدا من تكثيف العمل السياسي ، وان يلعب الإعلام العربي دوره القومي في فضح الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الذي يطالب بحقوقه بشكل سلمي وان توجه تلك الرسائل الإعلامية الى المجتمعات العربية والمنظمات المدنية فالمعركة الحالية هي معركة إعلامية، ولابد من تفعيل قرارات وزراء الإعلام العرب في اجتماعه الأخير بمقر الجامعة العربية في القاهرة ، خاصة قراراه بفضح القرار الأمريكي حول القدس وهذه خطوة إيجابية تحتاج الي تفعيل مع بقية القرارات في إطار المعركة الإعلامية مع إسرائيل وأمريكا المنحازة .

المعركة السياسية

على ضوء التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية والضغوط المختلفة والتوتر الذي يحيط بالمنطقة العربية وتواصل الحروب في اليمن وسوريا وليبيا فان العرب هم في وضع صعب ومن هنا فإن المعركة السياسية حول القضية الفلسطينية سوف تتواصل وهذا يحتاج الى إرادة فلسطينية أولا ، من خلال الإجماع الفلسطيني على المشروع الوطني كما أكدته قرارات المجلس الوطني الأخير وأيضا إرادة عربية حتي في مستواها الأدنى ، كما عبرت عنه قمة الظهران العربية وأيضا إرادة دولية تمنع الظلم والاستكبار الإسرائيلي-الأمريكي في حق الشعوب المتطلعة للاستقلال والعيش بكرامة في أوطانها وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني الحر. وفي المحصلة النهائية فإن الشعب الفلسطيني هو الذي سيحدد مسار تلك المعركة السياسية ، فالذي حدث في جنوب إفريقيا سوف يحدث في فلسطين المحتلة ، فالحقوق لا تسقط بالتقادم ،وإسرائيل سوف ترضخ في النهاية الى منطق إرادة الشعوب الحرة ونضالها وتضحياتها حتي تتحقق الأهداف الوطنية المشروعة .