أفكار وآراء

صفقة القرن ...المرفوضة

08 مايو 2018
08 مايو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

بدأت الصحف الأمريكية وحتى الإسرائيلية تتحدث عن ملامح صفقة القرن المشبوهة التي تهدف في نهاية المطاف الى تصفية القضية الفلسطينية . ولعل أول ملامح تلك الصفقة هو نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى مدينة القدس المحتلة يوم الرابع عشر من الشهر الحالي والذي يصادف يوما أليما في تاريخ الشعب الفلسطيني والعربي ، وهو يوم النكبة ، في حين تراه اسرائيل يوم قيام هذا الكيان الغاصب بمساعدة القوى الكبرى وفي مقدمتهم بريطانيا من خلال وعد بلفور المشؤوم والاعتراف الأمريكي بقيام الكيان الإسرائيلي فور إعلانه .

وفي ضوء تكشف ملامح تلك الصفقة نتساءل عن ردة الفعل العربي خاصة وان قمة الظهران العربية قد تحدثت في بيانها الختامي عن التمسك بالمبادرة العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002 علاوة على اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية ولا يمكن التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني.

الاختبار العربي

اذا كان الشعب الفلسطيني من خلال نضاله المتواصل بمناسبة يوم الارض والعودة قد قال كلمته الفصل ، برفض اي مساومات على حقوقه المشروعة وان النضال والكفاح ضد المحتل سوف يتواصل ، علاوة على رفض السلطة الوطنية الفلسطينية لهذه الصفقة والتي اسماها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ «صفعة القرن» ، فإن الأنظار سوف تتجه الى الدول العربية وموقفها تجاه نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة خاصة وان القمة العربية في الظهران ومن خلال كلمات عدد من القادة العرب وفي مقدمتهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز استنكرت قرار الإدارة الامريكية ورفضته مما يعني ان تاريخ 14 مايو القادم سوف يكون ذو دلالات سياسية حيث وجود الوفد الأمريكي الذي سيحضر مراسم نقل السفارة الأمريكية برئاسة نائب وزير الخارجية وعدد من المسؤولين مما يعني ان ملامح صفقة القرن قد اتضحت ملامحها .

ولعل الاختبار العربي ينطلق من مفهوم رد الفعل من خلال بيان إدانة للسلوك الأمريكي او القيام بحملة دبلوماسية في الأمم المتحدة لحث دول العالم على التمسك بقرارات الشرعية الدولية والإبقاء على سفاراتها في تل ابيب حتى يتم حل الصراع العربي-الاسرائيلي بشكل عادل وشامل ، كما ان الدعوة العربية الى اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة الخطوة الأمريكية المتهورة يعد تحركا مطلوبا علاوة على الكشف عن خطورة صفقة القرن والتي لن تغير من واقع الأمر شيئا، فالشعوب المناضلة في التاريخ لا يمكن ان تستسلم او تخضع لإرادة المحتل ولعل شعب جنوب إفريقيا نموذج حي في فرض إرادته على الاحتلال العنصري حيث ناضل الأفارقة لعشرات السنين وانتهى الأمر باستقلال بلدهم والحصول على حقوق المواطنة المتساوية لكل شعب جنوب إفريقيا .

العرب في ظل هذا التحرك الامريكي مطالبون بموقف واضح وان وجود لافتة مكتوب عليها السفارة الامريكية لايغير من الامر شيئا فالاحتلال موجود وسلوكياته المشينة يراها العالم عبر وسائل الإعلام العربية والدولية ومن هنا فإن السكوت العربي سوف يكون إشارة سلبية لدول العالم ومن هنا لابد من تفعيل قرارات قمة الظهران العربية فيما يخص القضية الفلسطينية .

فالسكوت العربي سوف يعطي دلالة واضحة من ان هناك خطوات للتطبيع بدأت مع الكيان الاسرائيلي وحتى يتم لجم تلك الاحاديث والتسريبات الصحفية والتي صدرت من الصحافة الاسرائيلية والقنوات الفضائية في تل ابيب فإن تفعيل تلك القرارات العربية سوف يمثل الرد الحاسم للعرب على تلك المقولات والتكهنات والتي تريد اسرائيل من خلالها إحراج الدول العربية ووضعها في مواجهة مع شعوبها أو تتصور ذلك .

ملامح الصفقة

من خلال ما كشفت عنه بعض الصحف الأمريكية مثل صحيفة نيويورك تايمز وبعض الصحف الاسرائيلية كصحيفة معاريف فإن الصفقة تتحدث عن ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية لإسرائيل وإقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من الضفة الغربية وقطاع غزة وضم بعض الأراضي على اطراف القدس للدولة الفلسطينية وان تكون الاماكن الدينية في القدس تحت التدويل او في إطار ترتيبات تقترب كثيرا من الفاتيكان وان يكون لجميع الأديان الحق في ممارسة الشعائر الدينية

وقد يكون المسجد الاقصى وكل الأماكن الإسلامية باقيا تحت الإدارة الأردنية وتكون الكنائس المسيحية تحت إدارة الفاتيكان وبإدارة محلية مسيحية في القدس ومن هنا فإن هذه الملامح تعني ان الحقوق الفلسطينية الثابتة قد تم إزاحتها خاصة موضوع عودة اللاجئين الى ديارهم وايضا قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والاستيلاء على مدينة القدس الشرقية وبالتالي التصفية الكاملة لأحلام الشعب الفلسطيني.

ولم يكن باستطاعة الرئيس الامريكي ترامب ان يطلق هذا المشروع الذي لم يتحدث عنه كل الرؤساء الامريكيين طوال اكثر من سبعة عقود لولا الضعف العربي الراهن والخلافات بين الاشقاء، مما جعل الادارة الامريكية الحالية تشعر بأن ردة الفعل العربية لن تكون سوى بيانات وبعض الصخب العربي العاطفي والذي سرعان ما ينتهي . وفي ضوء هذه الحقيقة المرة فإن الخيار سيظل على الشعب الفلسطيني الذي يقاوم ويكافح الاحتلال بمفرده ، إيمانا من هذا الشعب بأن الاعتماد على البيانات العربية لم يعد مجديا في ظل المسار العربي الذي يعاني انسدادا كبيرا والمشهد العربي لا يحتاج الى تعليق حيث الصراعات والحروب والمؤامرات والتي أوصلت العرب الى حالة من التردي السياسي والإعلامي ويتم استنزاف مقدراتهم بل والزج بهم في مزيد من الصراعات ملامح تلك الصفقة واضحة وهي تصفية القضية الفلسطينية ولكن الإدارة الامريكية لن تستطيع تمرير تلك الصفقة والسبب الاساسي هو الرفض الفلسطيني شعبيا ورسميا لها ، علاوة على وقوف أحرار العالم مع قضية الشعب الفلسطيني العادلة، كما ان إسرائيل لا تستطيع رقم إمكاناتها العسكرية ان تقهر الشعب الفلسطيني ولن يكون هناك حل لهذا الصراع الا من خلال قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية، فنقل سفارة من هنا او هناك لا يغير من الواقع فالشعب الفلسطيني رغم كل الانتهاكات والظلم والقتل باق في ارضه ، وسوف يدافع عن كل حقوقه وسوف ينتصر يوما ما هذه هي دروس التاريخ ونواميس الحياة .

المجتمع الدولي

امام هذه الإجراءات التي اتخذتها الادارة الامريكية فإنه كان هناك نوع من الرفض الدولي لهذا السلوك الامريكي ، وان نقل السفارة الامريكية الى القدس هو قرار لا يعتد به كما أكدت المؤتمرات العربية ، وعلى الامين العام للامم المتحده ان يعلن ذالك صراحة حتى يتم الحفاظ على مصداقية الامم المتحدة .

فالمجتمع الدولي لابد له من كلمة وهو يرى مثل تلك المواقف ضد حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة ، وعلى ومنظمات حقوق الانسان في الغرب ان يكون لها مواقف من هذه الانتهاكات ، لان هذا النموذج السيئ يمكن ان يطبق في أماكن أخرى من العالم ومن هنا فإن الدعوة العربية لاجتماع لمجلس الأمن الدولي من خلال العضو العربي غير الدائم وهي دولة الكويت الشقيقة ، او من خلال دعوة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة . سوف يكون خطوة ، على الأقل تشعر الإدارة الأمريكية بأن مواقفها هذه لن يقبلها الفلسطينيون والعرب بوجه عام ، خاصة في ظل صراع لا يزال غير محسوم وأن حل ذلك الصراع لابد ان يكون عبر مفاوضات تؤدي الى سلام شامل وعادل في المنطقة . أما ان تكون هناك خطوات أحادية فهذا أمر مرفوض من العرب والكثير من دول العالم .

ان صفقة القرن المرفوضة ، انتهت قبل ان تبدأ ،ولن تنجح محاولات ادارة ترامب أو غيرها ، في الإخلال بالاوضاع الحساسة في فلسطين المحتلة ، ومن هنا فإن الموقف العربي الداعم للشعب الفلسطيني وايضا دعم الاماكن المقدسة في القدس المحتلة ، والحفاظ على هويتها العربية والاسلامية هي امور لابد من اتخاذها وان تدرك الادارة الامريكية ان الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية لن تقبل التلاعب بقضية العرب المركزية وان المفاوضات هي الاساس والذي من خلاله يتم تطبيق المبادرة العربية والتي تعد الحل السياسي المقبول من المجتمع الدولي .

الاعلام العربي عليه مسؤولية تاريخية في كشف مثل هذه الصفقات المرفوضة ، ولابد ان يكون للصحفيين العرب موقف من خلال المنظمات الاقليمية والدولية لفضح مثل هذه الممارسات وان تكون قوافل إعلامية عربية تذهب الى الاراضي الفلسطينية ، خاصة وان الانتهاكات الاسرائيلية ضد الصحفيين الفلسطينيين وصلت الى حد الانتهاكات السافرة من قتل وتضييق على الممارسة المهنية كما ان تلك القوافل الاعلامية لابد ان تذهب الى الدوائر الغربية لفضح تلك الممارسات الاسرائيلية غير الاخلاقية ومن هنا فإن التحرك الاعلامي العربي في هذه المرحلة يعد على قدر كبير من الاهمية وسوف تظل القضية الفلسطينية هي ملهمة الشعوب الحرة في العالم وسوف تظل حية في قلب كل عربي ومسلم وسوف ينتصر الشعب الفلسطيني في نهاية هذا الصراع المرير.