Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: قيم .. مضامين .. اتجاهات

08 مايو 2018
08 مايو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

كل أنشطتنا في هذه الحياة لا تقل عن هذه الثلاثية في التوجه والسلوك إن لم تزد على ذلك، والمهم في هذا الأمر أكثر أن يكون هناك استيعاب لهذه الصورة المركبة التي تتخذ هذه العناوين العريضة في ديناميكيات الناس اليومية؛، لأن استحضار هذه المعاني في أي سلوك من شأنه أن يوجه صاحبه إلى تبني سلوكيات أكثر رشادا، وأكثر حيوية، وأكثر توازنا، بحيث لا يضيع عمره في أشياء لا تعود عليه بالنفع، والنفع هنا ليس ماديا فقط، بل شمولي العائد: ذهنيا، صحيا، اجتماعيا، فلسفيا، فالحياة على اتساع اشتغالاتها هي في حد ذاتها فلسفة عميقة، والإبحار فيها يحتاج إلى كثير من الحكمة، ولا أقصد هنا أن نغرق أنفسنا في معانٍ وسلوكيات فلسفية معقدة.

فمتى تضمن أي سلوك نقوم به شيئا من القيم، أو حمل مضامين معينة، أو نذهب به إلى اتجاه إيجابي، يكون بحق سلوك يستحق الإشادة والإكبار، ومثال ذلك لو أن أحدا منا قام بعمل تطوعي في أي شأن من شؤون الحياة، فالأعمال التطوعية كثيرة لا تعد ولا تحصى، فكم من القيم سوف يرسخها هذا العمل في نفس المتلقي للخدمة، حيث سيزرع فيه قيمة التعاون، والتآزر والتكاتف، وأن الحياة لا تزال بخير، وكم سيحمل هذا العمل من مضامين سامية تعكس أخلاقيات أبناء المجتمع في توظيفهم للسلوكيات الإيجابية، والتحرر من متعلقات الذات القاتلة، والإقدام على التضحية بما نملك لإسعاد الآخر، وكم سيحمل من اتجاهات إيجابية للمجتمع ككل، وعندما تتناسل هذه السلوكيات لدى أفراد المجتمع ستعم مظلة الرضا لدى الجميع؛ إلا الاستثناء، والاستثناء هنا متوقع فـ«رضا الناس غاية لا تدرك» كما هي المقولة.

يكاد في كل يوم خاصة في أيام فصل الصيف نحضر مناسبات عقد القران لشباب يبدأون حياتهم الاجتماعية وسط آمال كبيرة لتحقيق حياة سعيدة طيبة مباركة، وهذه المناسبة فيها من القيم الاجتماعية ما لا يعد حصرها، ومن المضامين كذلك، حيث الوصول إلى غايات تحقيق الاتجاهات الكريمة في بناء مجتمع متماسك باللحمة والتعاون والتكاتف والتآزر (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) فأي قيم وأي مضامين أهم من ذلك، في عصر نحن أحوج لأن نكون أقرب في ظل متغيرات اجتماعية كثيرة دافعة بأبناء المجتمع إلى التحلحل عن التماسك أكثر، وذلك لتعدد الخيارات، ووجود شعور يزداد نموا، ومفاده الاستغناء عن الآخر، وعدم الاكتراث بهذا الآخر، قرب نسبه أو صلته، أو بعده، وهذه مسألة خطيرة في مفهوم العلاقات الاجتماعية، فالفردية التي ينادي بها من يعتنق هذا المفهوم تظل هي المسيطرة على الفهم، وهذه مسألة ليست هين، خاصة في قانون المجتمعات التقليدية التي تقتات على القيم في تسيير رسائلها اليومية؛ حيث تتكئ على العاطفة المجتمعية أكثر من أي وسيلة أخرى، ولها الحق في ذلك إلى حد بعيد.

المهم في هذا الأمر أن تتحرر النفوس من متعلقاتها الشخصية إلى حد ما، وهذا أمر ضروري وليس خيارا متحررا من الالتزام؛ لأن القيم لن تستقوي على الواقع إلا من خلال هذا التحرر الذاتي للنفوس، ولا يمكن الجمع بين الاثنين في حالة توهج فاعلة في ميدان العمل اليومي، مع الوضع في الاعتبار أن الإنسان في ذات الوقت لا يمكن تفريغه من تجاذباته الذاتية «النفسية» فهو أيضا عبارة عن مشاعر متراكمة بحكم السن وتجربة الحياة، ولكن تبقى المحاولة للتحرر مطالبا بها كل فرد في المجتمع، حتى يستطيع الجميع الوصول إلى كلمة سواء في شأن تأصيل القيم السامية، وتعزيز مضامينها القيمة، للوصول إلى اتجاهات تجعل هذا المجتمع أو ذاك في مصاف المجتمعات الإنسانية الحية والفاعلة والقادرة على العطاء بلا تكلف.