الملف السياسي

القوى العاملة وجودة التعليم

07 مايو 2018
07 مايو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

التحديات التي تواجهها الدول النامية تتمثل في جودة التعليم وربط ذلك بسوق العمل حيث إن موضوع التشغيل والتوظيف للموارد البشرية سوف يظل هاجسا مجتمعيا يتواصل مع مخرجات التعليم المتواصلة من الجامعات والكليات وحتى على مستوى الدبلوم العام، ومن هنا فإن تحدي توظيف القدرات البشرية يحتاج الى دراسة أعمق من خلال جملة من المعطيات التي تساهم في مناخ يحفز القطاع الخاص على استقطاب المزيد من الطاقات الشبابية في سوق العمل.

ولا شك أن السلطنة ومنذ عام 2011 استقطبت عشرات الآلاف من الكوادر العمانية في مجال التوظيف سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة وأيضا التحفيز في مجال ريادة الأعمال ولعل تجربة تشغيل أكثر من 25 ألف مواطن ومواطنة حسب الاحصائيات الأخيرة من وزارة القوى العاملة تعطي مؤشرا على موضوع التوظيف سوف يستمر خاصة مع تنامي الاستثمارات والنمو الاقتصادي.

جودة التعليم

الاقتصاديات الناجحة في الدول المتقدمة كان سببها التركيز على جودة التعليم ومن هنا فإن الشركات في الغرب والولايات المتحدة وفي دول جنوب شرق آسيا تستقطب المبدعين والموهوبين وهم على مقاعد الدراسة في الجامعات ويعد الاستثمار البشري هو الذي أدى الى الطفرة الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية ومن هنا فإن تحويل معاهد التدريب في السلطنة الى كليات مهنية هو اتجاه إيجابي نظرا لأن مجال المهن الفنية يشغلها عشرات الآلاف من الأيدي العاملة الوافدة وتدر دخلا ماديا مهما، ومن هنا فإن النظرة الى التعليم لابد أن تتغير .

فالدول مهما كانت قدراتها الاقتصادية والمالية لا تستطيع توظيف جميع أبنائها بدليل أن هناك بطالة ولو بنسب متباينة تسجل في الولايات المتحدة والدول الغربية، ولعل دول جنوب شرق آسيا أكثر نجاحا كاليابان والتي ركزت على المهن الفنية كصناعة السيارات والإلكترونيات، مما جعل التعليم في اليابان يركز على هذا النوع من المهن ورغم ذلك فإن الأرقام التي تم توظيفها في السلطنة خلال الأشهر الستة الماضية تعد إنجازا جيدا وهناك إحصائيات بالشركات التي استوعبت الكوادر الوطنية.

إن الجهاز الإداري في السلطنة اصبح لا يحتمل الكثير من التوظيف والتشغيل الا في أماكن محددة، وهذا يعني أن القطاع الخاص أصبح هو الخيار المناسب ولعل تواصل الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية والمؤشرات الايجابية للاقتصاد لا يزال مستمرا ، ومعدلات النمو الجيدة خاصة خلال هذا العام ، والارتفاع الملحوظ لأسعار النفط ، كلها عوامل تحفز القطاع الخاص لاستقطاب القدرات البشرية. ومع ذلك فإن موضوع جودة التعليم يبقى هاجسا مهما من خلال التطوير وتحسين المناهج والانتقال من مرحلة التلقين، خاصة على مستوى التعليم العام ، الى مستوى التفكير والإبداع حتى تكون المخرجات متماشية ومتطلبات سوق العمل

سوق العمل

لايزال سوق العمل في السلطنة واعدا من خلال الحركة التنموية في البلاد ومن تواصل الاستثمار في قطاعات النفط والغاز وايضا من خلال الاستثمارات النوعية في المناطق الاقتصادية، في الدقم وصلاله وصحار ، والمناطق التي سوف تقام في عدد من المحافظات علاوة على أن البنية الأساسية من شبكة ممتازة من الطرق والموانئ والمطارات ، وفي مجال الطاقة تعطي فرصا كبيرة للقطاع الخاص أن ينطلق نحو المشاركة الفعالة في مجال التنمية .

أن توظيف أكثر من 25 ألفا من الكوادر الوطنية هو خطوة ايجابية ومسألة التشغيل مستمرة وهناك فرص لا بد من استغلالها وأرى أن نوعية التعليم هي التحدي الأبرز فهناك شركات ومؤسسات لها متطلبات فنية ومع ذلك فإن التدريب المقترن بالتشغيل هو احد الحلول. ولعل تجربة شركة تنمية نفط عمان تعد من التجارب الرائدة حيث تشغيل آلاف الشباب العماني بعد تأهيلهم وتدريبهم من خلال برنامج وطني مستمر وأرقام كبيرة سوف تعمل في مجال النفط والغاز مع وجود الاستثمارات المتواصلة في هذا المجال .

ان سوق العمل في السلطنة واعد مع وجود مئات الآلاف من الفرص التي يشغلها الوافدون وأظن أن هذه الفرص تحتاج الى مثابرة وتعليم نوعي حتى يمكن شغل الوظائف القيادية في القطاع الخاص ، حيث تشير الأرقام الى أن هناك نسبة كبيرة من الوافدين تشغل المواقع القيادية في الشركات وهذا الأمر لا بد من معالجته وتعمين هذا الحجم من الفرص الواعدة للشباب العماني .

لقد تحدثت الجهات المختصة عن التشغيل بأن هناك مراحل أخرى في موضوع تشغيل الباحثين عن عمل ، حيث يعد هذا الموضوع هو التحدي الأساسي وهناك اهتمام حكومي بايجاد الخطط والبرامج التي تساعد على ديمومة سوق العمل، كما ان المشاريع الخاصة التي تنفذ الآن في عدد من المحافظات سوف تكون محطات مهمة للتوظيف وفي مجالات متعددة ومن هنا فإن عمل ندوة موسعة حول متطلبات سوق العمل، وموضوع جودة التعليم ، سوف تكون خطوة جيدة للوصول الى قرارات حاسمة لتطوير التعليم ، وإيجاد مخرجات محفزة لمؤسسات القطاع الخاص والتي أصبحت تستوعب أعدادا كبيرة من الشباب العماني، وهذا مؤشر ايجابي لا بد أن يتواصل.

الاستثمار

الاستثمار يعد أحد الأدوات المهمة في توفير فرص للباحثين عن عمل ومن هنا فإن مزيدا من التشريعات الجاذبة للاستثمار يعد من الخطوات الاساسية التي لا تقبل التأجيل في ظل بيئة تنافسية كبيرة في المنطقة والعالم ، وهذا يحتم على وحدة تنفيذ تسليط الضوء على موضوع تحديات الاستثمار من خلال المختبرات الخاصه بهذا القطاع ، كما ان موضوع البيروقراطية والتخلص من الاجراءات والتعقيدات في مجال الاستثمار وحتى المعاملات اليومية للمواطنين، لا بد أن تكون محل نقاش حتى يمكن خلق بيئة تنافسية وسريعة وشفافة تتحقق الاهداف الوطنية وفي ظل محددات جاذبة تتميز بها السلطنة حيث الاستقرار السياسي والاحترام الدولي الذي تحظى به السلطنة والمقومات الكبيرة والمدهشة الذي تتمتع به السلطنة.

أن توفير فرص العمل سوف يأتي مستقبلا من خلال تزايد معدلات الاستثمار في المحافظات وهذا سوف يعطي فرصا واعدة لأبناء المحافظات للعمل من وجود المشروعات الاستثمارية ولعل منطقة الدقم نموذج في هذا الاطار حيث تقدر الاستثمارات بأكثر من 11 مليار ريال عماني وهناك مشاريع استثمارية قادمة في بقية المحافظات ومن هنا فإن تبسيط الاجراءات والتخلص من البيروقراطية سوف يساعد على جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والخارجية .

ان الحكومة سوف تواصل برامج التوظيف من خلال وزارة القوى العاملة ولن يتوقف التوظيف لأن ذلك يعد مسألة أساسية للعيش الكريم، كما أن القطاع الخاص اصبح مساهما كبيرا في توفير فرص العمل وهذا بلاشك سوف يزداد مع تواصل الانفاق الحكومي على مشاريع البنية الاساسية .

ريادة الأعمال

من المحفزات الأخرى هو ثقافة ريادة الأعمال والتي تعد السمة الأساسية في دول العالم وأصبحت المجتمعات تركز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فالاقتصاديات الكبرى تعتمد على ريادة الاعمال وتلك المؤسسات والتي أصبحت القاطرة لتلك الاقتصاديات وقد بدأت السلطنة بالتركيز على هذا المجال الذي يخلق مجتمع ريادة الاعمال، حيث وجود الفرص الواعدة والاستقلالية في العمل الحر والطموح الشخصي، نحو بناء أعمال تدر دخلا أكبر بكثير من الوظائف وهذه فلسفة لا بد ان تترسخ في أذهان الأجيال الجديدة وهناك نماذج مميزة من الشباب العماني الذين شقوا طريقهم من خلال مشاريعهم الخاصة وأصبحوا رواد أعمال مستقلين. ومن هنا فإن محفزات هذا النشاط المهم لا بد أن يتزايد من خلال دعم الصناديق ذات العلاقة، كصندوق الرفد ، لأن توسيع ريادة الاعمال في المجتمعات يعني بأن الاقبال على الوظائف سوف يقل وهذا مؤشر إيجابي يساعد الحكومة على امتصاص شريحة كبيرة من الباحثين عن العمل في مجتمع ريادة الاعمال.

وعلى ضوء تلك المحددات لا بد من الدعم المستمر لكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتابعتها، لأن نجاح هذا التوجه سوف يخلق بيئة جديدة ، ويحفز الشباب على الدخول في عالم الاعمال وبالتالي تزداد تلك المؤسسات وتصبح خلال السنوات القادمة هي المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني ومع ذلك سوف يظل التوظيف متواصلا ومطلوبا سواء من قبل الباحثين عن العمل أو من خلال المؤسسات العامة والخاصة.

أن دخول أعداد كبيرة في سوق العمل علاوة على الاسهام في مجال التنمية وخدمة الوطن الا أنه يعد محركا اقتصاديا في السوق المحلية مع التذكير بأن توظيف الآلاف من الشباب العماني خلال الفترة الماضية يعد خطوة مهمة سوف تتبعها خطوات لتحقيق من الاستقرار للمواطنين في ظل نهضة تنموية شاملة تشهدها السلطنة في ظل القيادة الملهمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه.