1319424
1319424
تقارير

العراق.. عقبات تواجه دعوات حكم «الأغلبية السياسية»

26 أبريل 2018
26 أبريل 2018

اسطنبول- الأناضول: ليس ثمة اتفاق في الأوساط السياسية الممثلة للمكونات العراقية، أو إجماع، على اعتماد آلية من بين ثلاث آليات تحكم مسار العملية السياسية في نظام حكم «شبه ديمقراطي».

بعد غزو العراق، أسست الولايات المتحدة لنظام حكم يقوم أساسا على «التفاهمات» بين الكتل الكبيرة، أو ما يطلق عليه اصطلاحا «الديمقراطية التوافقية»، وهي أساسا تقوم على مسار أسسته الولايات المتحدة أيضا بتبني «المحاصصة السياسية» باعتماد التمثيل النسبي للمكونات طائفيا وعرقيا.

ولم تكن «الديمقراطية التوافقية» ولا المحاصصة السياسية أساسا سليما للخروج من الأزمات السياسية، بل على العكس فاقمت من حدتها في محطات فارقة، دعت بعض الأصوات إلى أن تنادي بمسار ثالث بديل عن المسارين الآخريَن، وهو مسار «الأغلبية السياسية» كمسار «تزعم» تلك الكيانات أنه الحل الأمثل للأزمات السياسية التي طبعت مجمل العملية السياسية. قد تكون للكيانات الداعية إلى تبني مسار «الأغلبية السياسية» رؤية سليمة صائبة «نظريا» قياسا إلى دول ديمقراطية «عريقة» تتبنى هذا المسار، الذي يعتمد ثنائية ممثلي «السلطة التنفيذية» في مقابل ممثلي «المعارضة» للسلطة التنفيذية داخل البرلمان، الذي يمثل سلطة تشريع القوانين والرقابة على حُسن تنفيذها من السلطة التنفيذية التي تمثل «الأغلبية السياسية».

في السياق العام لتطبيقها، ستعطي الأغلبية السياسية الفرصة لمشاركة كل المكونات العراقية في إدارة الدولة سواء في الحكومة التي تمثل السلطة التنفيذية، أو في المعارضة للحكومة من داخل البرلمان، لخلق حالة تنافسية تفرض رقابة على الأداء الحكومي للحد من الفساد المالي والإداري والهدر في الإنفاق وسواها مما يعاني منه الأداء الحكومي طيلة أربع دورات انتخابية مع غياب «شبه» كامل لأي سلطة رقابية. لكن، كل ما يقال عن برلمانات العالم لا يمكن إسقاطه على البرلمان العراقي الذي انفرد باعتماد التشريعات وتمرير القوانين على صيغة «تفاهم» رؤساء الكتل السياسية قبل إجراء التصويت في أغلب الأحيان؛ وفي أحيان قليلة، كانت هناك إخفاقات في «التفاهم» بين «الكبار» داخل مبنى البرلمان، وليس تحت قبته التي تشهد في حالات كهذه «مشادات» كلامية وانسحابات شكلية من أعضاء كيان، أو أكثر من كيان، دون أن يكون له أثر فاعل في تمرير مشروع القانون محل الخلاف، أو تعطيله.

كما انفرد البرلمان العراقي بغياب «المعارضة» للحكومة من داخل البرلمان؛ لأن قبول كيان سياسي أو تحالف بأن يكون في المعارضة، فإن هذا يعني تنازله عن المشاركة بحصته من الوزراء في الحكومة والمناصب «السيادية» والهيئات المستقلة، وهذا ما لم تفعله الكتل السياسية.

وتفترض «الأغلبية السياسية» حالة وطنية بعيدة عن المحاصصات يمكن لها أن تشكل تحالفات لتشكيل الحكومة من وزراء ينتمون إلى رئيس الحكومة المكلف لا إلى مكوناتهم العرقية أو الطائفية، ولا إلى أحزابهم وكتلهم السياسية، التي هي الأخرى اعتمدت الانتماء العرقي والطائفي أساسا في تشكيلها، وهو ذات الانتماء الذي يحكم الناخب في إعطاء صوته للمرشح، إلا في حالات استثنائية لا تشكل مُتغيرا مهما ولا يمكن أن تكون عاملاً من عوامل التأثير في نتائج الانتخابات.

لا يمكن بأي حال من الأحوال القفز على واقع الانقسام المجتمعي وانعكاسات هذا الانقسام على تشكيل التحالفات والكيانات على أسس الانتماء العرقي والطائفي الذي أفرز تكتلات شيعية وأخرى كردية، وثالثة سنية، لا تؤهل العملية السياسية لتبني مسار «الأغلبية السياسية».

وإذا كان هناك ثمة «تنوع»، كما في ائتلاف الوطنية الذي يقوده إياد علاوي، وهو شيعي، ويتشكل في الغالب من أعضاء عرب سنة، فإن هذا لا يعني الكثير، ولا يعد حالة «عابرة للطائفية» في حقيقته التي تؤكد أنه ائتلاف سني صرف بتمثيل شخصي من قائده لا يعكس بالضرورة التمثيل المكوناتي الطائفي أو العرقي. ويمكن لاعتماد مسار «الأغلبية السياسية» أن يشكل محاولة للخروج من مسار «المحاصصة السياسية» الذي فرضته «الديمقراطية التوافقية» تحت مظلة حكومة الوحدة الوطنية التي يتمثل فيها جميع مكونات المجتمع العراقي وفقا للنسب التمثيلية لكل مكون إلى مجموع سكان العراق دون اعتماد أسس صائبة تعكس حقيقة تلك النسب التمثيلية، مثل إجراء تعداد سكاني بإشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية متخصصة.

الفرص المتاحة أمام القفز من الديمقراطية التوافقية والمحاصصة السياسية إلى الأغلبية السياسية لا تبدو متاحة في العراق، على الأقل في الدورة الانتخابية الحالية. فالأغلبية السياسية تحتاج إلى مقومات بناء أحزاب وكيانات سياسية على أساس التنوع الفكري والاختلاط الطائفي والعرقي؛ وحتى اللحظة لا تبدو مثل هذه الأحزاب والكيانات موجودة في المشهد السياسي، بل على العكس من ذلك، يمكن تشخيص واقع وجود أحزاب وكتل تم تشكيلها على أسس عرقية أو طائفية، وأحيانا حتى داخل الطائفة الواحدة، باعتماد المناطقية والقبلية ضمن ذات الطائفة في انقسام أضيق من حالة الانقسام المجتمعي الواسع في العراق.

وعمليا، فإن ممثلي مكونات المجتمع العراقي الموزعين على كتل وتحالفات سياسية شيعية وسنية وكردية لم ينجح أي منهم سابقا، ولن ينجحوا في الانتخابات المقبلة بتجميع أصوات تؤهلهم للمضي قدما بمسار «الأغلبية السياسية»، حيث كان التمحور حول الطائفة والعرق هو الغالب على تشكيل تلك الكتل والتحالفات.