أفكار وآراء

من يتواصل مع المؤيدين للعرب في أمريكا؟

24 أبريل 2018
24 أبريل 2018

عاطف الغمري -

لا تخلو الولايات المتحدة من أصوات تندد بالتحيز لإسرائيل، وتدعو لمواقف متوازنة لا تنحاز تلقائيا لإسرائيل، بما يتفق مع مصالح الأمن القومي الأمريكي، ومصداقية أمريكا في العالم. لكن يقابل ذلك انعدام التواصل مع هذه الأصوات، أو أي حشد لتحركات عربية جماعية ومنظمة، لتبادل الرأي مع هؤلاء، حتى تؤتي مواقفها أكلها، ويكون لها صدى جماعي لدى الرأي العام الأمريكي، في مواجهة الانحياز المزمن لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

مع ملاحظة أنه في أوقات سابقة تبدلت مواقع المختصين بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بمجيء أشخاص عرفوا بالعداء للقضايا العربية، والتحيز بلا حدود لإسرائيل. ففي سنوات سابقة وحتى عهد الرئيس هاري ترمان، كان المختصون بالشرق الأوسط في وزارة الخارجية، هم من يطلق عليهم المستعربون Arabists، وهم من أصحاب الخبرة ذوي النظرة المجردة للنزاع في المنطقة. وبرز منهم على سبيل المثال، جورج مارشال وزير الخارجية، ومن حوله فريق مساعديه في الوزارة، عندما اتخذوا موقفا رافضا لتوجه ترومان للاعتراف بقيام دولة إسرائيل عام 1948، باعتبار ذلك ضد الأمن القومي للولايات المتحدة. وإن كان مارشال قد خضع بعد ذلك لرغبة ترومان. وراجعه مساعدوه في تصرفه، وكان رده عليهم أن ترومان هو المنتخب من الشعب ولست أنا.

وتطورت عملية اختيار من يتولون ملف الشرق الأوسط، وتحديدا مفاوضات تسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ليصل إلى اثنين من الخبراء اليهود، هما دنيس روس، وديفيد ارون ميللر، وان كان الاثنان قد عبرا في مراحل لاحقة، عن مواقف تعد معتدلة كثيرا، بالمقارنة بمن خلفوهم في مناصبهم.

ففي عهد إدارة بوش الابن ومنذ عام 2001، شغل هذه المواقع المحافظون الجدد، الذين يوصفون بالصهاينة في المصطلحات السياسية الأمريكية ذاتها. وهم الذين وضعوا لنتانياهو برنامج حكومته للتعامل مع القضية الفلسطينية، وكانوا معادين كلية لاتفاقات أوسلو، وللدولة الفلسطينية، والانسحاب من الأراضي المحتلة.

إلى أن وصل الأمر في عهد ترامب وعهد بملف القضية الفلسطينية، إلى ثلاثة من اليهود، ممن يتبنون مواقف لنتانياهو بشكل مطلق، وهم جاريد كوشنر، وجيسون جرينبلات، وديفيد فريدمان، فضلا عن تطرف مواقف نائب الرئيس مايك بنس المنتمي إلى ائتلاف المسيحية الصهيونية.

هؤلاء يديرون الموقف الأمريكي، على المستوى الرسمي، وتدعمهم نشاطات منظمة من القوى اليهودية الأمريكية، سواء من خلال ضغوطها على أعضاء الكونجرس، أو عن طريق نفاذ أقطابها إلى وسائل الإعلام، وما يخرج عن ندوات مراكز الفكر السياسي المرتبطة بها من أفكار وأوراق بحثية تنحاز كلية لوجهة النظر الإسرائيلية.

في مواجهة هذه الحشود نجد الخريطة المتعاطفة مع القضايا العربية، تبدو مشتته، لا تجمعها حركة واحدة، أو متقاربة، وهو ما يفقدها القدرة على مواجهة الجبهة الأخرى. وعلى سبيل المثال كان ويليام كوهين وزير الدفاع في إدارة بيل كلينتون، قد ألقى خطابا أمام لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ، قال فيه صراحة: إن الشعوب العربية ترى أننا متحيزون وغير منصفين، ولا نتحرك بقوة كافية للوصول إلى تسوية سلام في الشرق الأوسط، وأن ذلك خلق لنا ظروفا معقدة. وفي مناسبة أخرى ذهب كوهين إلى مؤتمر بنادي الصحافة القومي في واشنطن، وتحدث عن ازدواجية المعايير في التعامل مع إسرائيل، وعن التناقض الخطير في السياسة الخارجية لحسابات داخلية معروفة.

لم يكن صوت كوهين يدوي في الفراغ، فعلى الساحة الداخلية كان بعض سفراء أمريكا السابقين في دول عربية، يتحدثون في الصحف وعلى شبكات التلفزيون منتقدين التحيز السافر لإسرائيل، فضلا عن نشاط ثلاث منظمات يهودية أمريكية ترفض سياسات لنتانياهو ، وتدعم قيام دولة فلسطينية وهي - أمريكيون من أجل السلام الآن، وإسرائيل فورم بوليسي، وجي ستريت.

بخلاف عدد من مراكز الفكر السياسي ذات المصداقية، وعلى رأسها مركز جيمس بيكر للسياسات العامة، وآخرين، وإلى جانبهم المؤتمر القومي للكنائس والذي يضم عشرين كنيسة تتوزع فروعها في أنحاء الولايات الأمريكية.

وإذا كان هناك اتفاق عام على أن تحيز الكثيرين من أعضاء الكونجرس لإسرائيل، راجع إلى ضغوط اللوبي اليهودي، إلا أن هناك وجهة نظر ترى أن مواقف بعضهم، راجعة إلى جهل بالسياسة الخارجية. وهو ما يقرره جيمس نويس خبير السياسة الخارجية بمعهد هوفر بجامعة ستانفورد، بقوله إن معظم أعضاء الكونجرس، إما إنهم غير واعين أو غير مهتمين. وأن الكثير من مواقفهم المناصرة لإسرائيل، مدفوعة بتحريض من مجموعة من العناصر النشطة المؤيدة لليكود.

الصورة إذن تظهر مساحة يتحرك فيها طرف بنشاط منظم ومتصل ليل نهار، وطرف آخر يقف بعيدا موقف المتفرج، دون حتى أن يقيم جسور اتصال مع المناصرين له، والذين يتحركون فرادى، وبلا ترتيب أو تخطيط.