إشراقات

الشعبني: عرض الروايات على الآيات.. منهج سليم لمعرفة الصحيح من السقيم

29 مارس 2018
29 مارس 2018

المنهج قائم على النظر في كلام الله الذي جاء به الرسول الكريم للأمة -

عرض: سالم الحسيني -

صدر مؤخرا كتاب للدكتور مبارك بن مسلم بن مسعود الشعبني الباحث والمحاضر في الدراسات القرآنية حوى بين دفتيه دراسة تأصيلية في قسمين، القسم الأول: بيان عظمة كلام الله –أحسن الحديث، ليتبين وجوب تقديم «الآية» على «الرواية» عند التعارض وعدم إمكانية الجمع بينهما.. أما القسم الثاني: فيحتوي على نماذج لـ«روايات» عرضت على القرآن لتبيان حكمها، ويؤكد الباحث أن هذا المنهج وهو منهج عرض «الرواية» على «الآية» منهج يعتبر أكثر دقة في معرفة الصحيح من الباطل من الروايات، فهو أقرب إلى ما يكون بمعنى استفتاء الرسول ذاته فيما نسب إليه، بل هو الطلب من الله الشاهد الإخبار إن كانت تلكم الرواية صحيحة أو غير صحيحة، مؤكدا أن ذلك المنهج قائم على النظر في كلام الله الذي جاء به الرسول من الله للأمة، فان كانت تلك الرواية موافقة للوحي الثابت القطعي فهي صحيحة واجبة الاتباع، وإلا فهي مردودة غير ثابتة، وبهذا (يتغربل) الكم الهائل من الروايات الموجودة عند كل طائفة من طوائف المسلمين الأمر الذي تسبب في تفرقهم الى مذاهب وأحزاب متعددة.. وقد اشتملت الدراسة على ما يزيد عن خمسمائة محور نستعرض هنا بعضا مما ورد في هذه الدراسة حيث يقول الباحث:

يجب تقديم «الآية» على «الرواية» عند التعارض وعدم إمكانية الجمع بينهما -

إن الأمة الإسلامية منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم عنيت ولا تزال بالدفاع عن الدين القويم، وكل فرد عني بذلك قد تشرف بأن يكون سببا من أسباب الحفاظ على كتاب الله سبحانه، فهو داخل كسبب في نطاق قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). كما أنها عنيت بالتشرف في نشره كدين أراده الله للناس كافة ورحمة للعالمين، وقد دخل الناس في دين الله أفواجا لما يتميز به من سهولة ويسر في تعالميه وشرائعه فضلا عن عظمته في غاياته ومقاصده، وكل فرد عني بتبليغه قد تشرف بأن يكون رسولا عن رسول الله في نشر الدين، وقد كان داخلا في نطاق من عمل متشرفا بقول الله سبحانه الآمر كل أفراد هذه الأمة بذلك، المخاطبة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).. إن قيام المرء بالتسبب في الحفاظ على كتاب الله ونشره وتبليغه والدفاع عنه انما معناه تشرف الله له بأن يكون (الناصر لله سبحانه) إذ وفقه الله لذلك الفعل العظيم وهو الغني عنه سبحانه، ولذلك فهو في حظ عظيم من الله إذ النصر حليفه بوعد الله له بذلك، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وقوله سبحانه: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وقوله سبحانه آمرا عباده في ذلك: (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) إذ ذلك يعد من أوسع أبواب معاني نصرة المرء لله سبحانه.

وأضاف قائلا: وقد تعددت مناهج الدفاع عن الدين الحنيف والذي يمثله الوحي الحق القرآن الكريم وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من روايات جاءت موضحة ومبينة لما ينبغي تبيينه وشرحه من الآيات البينات في كتاب الله، فوجد علم تخريج الحديث وعلم الجرح والتعديل وعلم متشابه ومختلف الحديث، وعلوم القرآن الى هما هنالك من علوم كلها تعنى بتنقية الدين من أي دخيل، وليس شرطا أن يكون دخيلا تعمد في إدخاله ولكن ربما قد ادخل سقطا أو سهوا، ما لبث ان عد من الدين، أو كاد، بعد مرور الزمن وتطاول العهد. وقد كان أكبر أسباب اهتمام أمة الإسلام بذلك رغبتهم عبادة ربهم الله سبحانه وتعالى كما أمر بلا زيادة ولا نقصان، حتى يفوزوا في الدنيا والآخرة، ولكن ولعلمهم بما اخبرهم الله به من أن ثمة من يبغي الدين القويم الضرر والانحراف والانفلات والغلو واللغو حسدا من عندهم على دين الله، بل حتى من بعض جلساء النبي كانت فيه من الأوصاف ما يستدعي عدم الأخذ منه خبرا ينقله عن الرسول متعمدا فضلا عن ان يكون سهوا، ومن ذلك ما قاله الله فيهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)، وقوله سبحانه: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)، فقد سخروا - أي أمة الإسلام، علماء ومتعلمين - طاقاتهم في سبيل تنقية الدين مما يمكن أن يكون دخيلا مكدرا لصفو الحق، وذلك توفيق من الله لهم عظيم أن كانوا سببا في نصرة الحق وإظهاره ليتحقق فيهم كسبب تمام النور وظهور الحق والمذكور في قوله سبحانه: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

وأشار إلى أن من بين أهم المناهج وأجلها بل وأيسرها في معرفة الحق من الباطل والصحيح من السقيم من الروايات -كما أرى- هو منهج عرض تلك الروايات على الآيات، وذلك بعد توفيق الله لنا بالإيمان واليقين على أن القرآن الكريم قد تكفل الله بحفظه، وأن كلماته لا تبديل لها البتة، وهذا المنهج معناه أنك تجالس النبي محمدا صلى الله عليه وسلم تسأله عما وصلك من روايات فتعرضها عليه ليثبتها لك أو يبطلها، فهو الأدرى صلى الله عليه وسلم بما قاله، فيعرفك بحقيقة الحديث الذي تود معرفة مدى صحته من عدمه، تعريفا لا مرية فيه ولا شك على انه منه، إن ما أجازه لك وأقره، وهو صلى الله عليه وسلم موجود بيننا لوجود ما قد أتانا به من حق، وذلك كما قال سبحانه في ذلك: (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ)، وذلك في سياق خطابه للصحابة من المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ، وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، ولك أن تقول أن بهذا المنهج يخبرك الله عما تود معرفته من ثبوت لرواية ما من عدمه منهم مباشرة، كون الجلوس مع القرآن استماعا إلى قول الله وكلامه ومخاطبته لك، فهو كما وصف نفسه سبحانه: (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) وعليه فليس أمامنا من قول بعد سماعه سوى قول ما قال الله في أمره: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ)، وهذا المنهج في الأصل منهج السلف ولا يزال يقوم به من سار على نهجهم، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (أنكم ستختلفون من بعدي فما جاءكم عني فأعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني، وما لم يوافقه فليس عني). وهو يرقى عما سواه من مناهج، فهو إضافة إلى ما ذكر يجعلك تتجاوز كثرة (العنعنات) الموجودة في الروايات، فلان عن فلان عن فلان.. وان قلت انك لا تعرف من فلان هذا الذي مرت عليه الرواية فنقلها فأنت لم تكن عليه شهيدا حتى تجزم بحاله يقينا، صادقا كان أو كاذبا، أمينا كان أو غير ذلك، أهو من قال ذلك أم مقول عنه ونسب إليه، لا تعرفه البتة إلا من خلال ما كتب عنه من قبل أهل الجرح والتعديل، ومن هذا المجرّح والمعدل، حتى يجعل من نفسه مجرحا لهذا ومعدلا لذاك، أي من وثّقه؟! والذي وثقفه من وثقه؟ حتى نأخذ الدين منه ونحكم من خلاله على الناس، خاصة ونحن نعلم انه ما من راو - إلا من رحم الله - إلا وقيل فيه ما قيل من المتناقضات، والدليل اختلاف المذاهب والمدارس الإسلامية والتي ما نشأت إلا على الروايات، وإلا لما اختلف لو كانت آخذة بما في القرآن الكريم، كونه حبلا يربط الجميع عن الفرقة والاختلاف كما سماه الله نصا بذلك في قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، ولكن ولأن كثيرا من الروايات من عند غير الله ولا من عند رسوله، كونه صلى الله عليه وسلم ولا يتصادم مع ما أرسله الله به من حق، مصداقا لقوله سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فهذا المذهب أخذ بهذه الرواية لتوثيقه راويها، وذلك ضعفها، وآخر جعلها من الموضوعات لعدم ثقته في نفس الراوي ولك لما اعتراه مما عرفه عنه من قدح في شخصه أو علمه أو عدم التقائه بالناقل عنه، فضلا عن الأهواء السياسية والمجتمعية التي يمكن ان تطرأ مما ابتليت به أمة الإسلام في العديد من فتراتها، وذاك جعلها من الروايات الآحادية التي لا يصح العلم بها بل العمل، ومنهم من يوجب العلم بها والعمل، إلى ما هنالك مما يعلمه ذوو الاطلاع من أهل هذا العلم.

ويضيف: إن ذلكم المنهج المتبع في هذه الدراسة منهج عرض الرواية على الآية رغبة في معرفة صحة الحديث يمكن تسميته بدفاع القرآن عن نفسه عن أن يوجد كتاب مثله في الصحة ليبقى التحديث الإلهي قائما: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ)، فهو الحديث الثابت عن الله وعن رسوله دون مرية ولا ريب، بل هو أحسن الحديث، كما في قوله سبحانه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، ولا مسمى أرقى لما يخالف القرآن الكريم ويناقضه من الروايات من تسمية الله له بـ(لهو الحديث) كونه يؤدي إلى الصد عن الحق، والسبب انه ليس بعلم من الله، وذلك كما قال سبحانه عن صاحب هذه الأوصاف من البشر.. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، كما ان من التسميات الربانية لما يخالف كتاب الله (اللغو) يقول سبحانه: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)، وهذا (اللغو) عمل متعمد من قبل غير المؤمنين بالقرآن أريد به قصدا ما بينه الله في قوله على لسان المتآمرين: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).

وأشار الى أن هذا المنهج يعتمد على مدى قوة إيمان المرء بالقرآن الكريم سبحانه وتعالى ونبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا يحيد عما ثبت وحيه عن ربه إليه وقام بتبليغه كما أنزل، وأن همه كان إيمان الناس به والعمل بما يأمر، حتى انه اشتكى قومه عند ربه في هجرهم له فقال الله على لسانه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)، ولذلك فضعف ذلك الإيمان هو من أكبر عوامل عدم إعمال ذلك المنهج في غربلة الصحيح من السقيم من الروايات، ولا أدل على ذلك الضعف من إكبارهم قولك لهم: إن هذا الحديث ضعفه (فلان الفلاني)، ولكنك أن قلت لهم: إن هذا الحديث ضعّفه (الله سبحانه) من خلال مخالفته كتابه الصادق والحق فانه لا يعير ذلك الأمر اهتماما -والعياذ بالله- فحالهم عياذا بالله وهدانا الله وإياهم كحال من وصفهم الله في قوله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)، وقوله سبحانه: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا). كما أن من أكبر العوامل أيضا هو جعلهم من أنفسهم أسرى ما قد توارثوه حتى غدا في الوصف حبا كما قال الله عمن قال ممن حاد من قبل عن الحق: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، في حين ان المؤمن الحق في حبه لله وهو حب لما أنزله من حق كمن وصفه الله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)، لقد أسمى الله ذلك الحب الذي عليه المرء المنحرف في تصوره عن الحق بـ(السكرة) وهو حقا سكرة بحيث لا يتأتى التأثير عليه بدلائل الحق التي تتلى عليه كونه لكأنه فاقد الحس والإدراك في شدة حبه لما ألفه، يقول سبحانه في أمثال هؤلاء: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)، وفي موضع آخر يخبر عنهم سبحانه انهم في غمرة لا ينفع معهم سبل الإقناع بآيات الحق: (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ)، ولذلك وعند أمثال هؤلاء يأمر الله أهل الحق بتركهم وشأنهم، إذ محاولة الإقناع فيهم بالحق غير مجد، يقول سبحانه: (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ). ويشير الباحث إلى أن منهج عرض الرواية على الآية يصل بالباحث عن الحقيقة إلى إبطال ومج وإبعاد كل رواية تتحدث عن التالي من المواضيع، والذي يعني وصوله بفتح الله وعونه إلى صفاء الدين ونقائه من أي دخيل.