أفكار وآراء

2040 رؤية استشرافية ركيزتها المجتمع

27 مارس 2018
27 مارس 2018

د.الطيب الصادق -

تعد رؤية (عمان 2040) استشرافية من الطراز الأول خصوصا مع إدراك الحكومة الكامل للسيناريوهات المتوقعة التي تمت مناقشتها وكيفية التعامل معها خلال العشرين عاما المقبلة، ولذلك تأتي هذه الرؤية لتستكمل رؤية 2020 وترتكز على ثلاثة محاور رئيسية هي الإنسان والمجتمع، والاقتصاد والتنمية، والحوكمة والأداء المؤسسي، وهذه المحاور هي الإطار العام الذي يعبر عن مدي الاهتمام المتكامل للنهوض بالسلطنة واعتبار الإنسان أهم مقوماتها الأساسية في الوقت الذي تسعي فيه لاستغلال كل مواردها الطبيعية والاقتصادية؛ لتوظيفها بشكل سليم للنهوض بالمجتمع الذي يعد الركيزة الأساسية المستهدفة من هذه الرؤية.

وبمتابعة الرؤى السابقة نجد أن هناك قناعة حقيقة لدى الحكومة تتجدد عن طرح كل رؤية هي استحالة استدامة النمو بالاعتماد على النفط فقط أو بأنه المورد الأساسي، خاصة بعد انخفاض أسعاره في 2014م، ومع توقع نضوبه في وقت ما مما جعل حكومة السلطنة تسعي جديا إلى تنويع موارد وقاعدة الإنتاج الاقتصادي؛ للقدرة على مواصلة التنمية في المديين المتوسط والبعيد ومواجهة العديد من التحديات التي يمكن أن تواجهها السلطنة خلال الفترة المقبلة، كما أن التحديات الصعبة التي واجهتها السلطنة منذ 2011 نتيجة لتأثر دول المنطقة بالكامل بما يدور من أحداث دموية في عدد من الدول العربية وأعمال قتالية غيرت نظم سياسية وأثرت على الاقتصاد وحركة التجارة في المنطقة وتبعتها انخفاضات متتالية في أسعار النفط كلها شكلت تحديات لم يتم مواجهتها من قبل؛ مما أسفر عن سبع سنوات عجاف أدركت السلطنة فيها كيفية مواجهة التحديات وعملت وفق برامج دقيقة جعلتها تخرج بتوصيات واستراتيجيات مختلفة هي التي بلورت رؤية 2040 وتجعلها تختلف عن الرؤى السابقة رغم تشابه الظروف للفترة التي وضعت فيها الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 التي اتسم فيها الأداء العام لاقتصاديات دول الخليج في الفترة 1988 - 1994 بالضعف نتيجة لانخفاض أسعار النفط، وكانت قد حذرت العديد من الدراسات حينها أن ضعف أداء اقتصاديات دول المنطقة سببه ارتباط اقتصاداتها بريع النفط الخام، مشيرة إلى ضرورة تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط، وهو ربما ما يحدث حاليا بالضبط لكن خلال الأعوام الماضية تحققت العديد من الإنجازات في عدد من محاور الرؤية، وهناك جهود بذلت لتنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط وتنمية الموارد البشرية وتطوير القطاع الخاص، وهو ما يجعل الرؤية الجديدة 2040 تسعى للبناء على ما تم إنجازه في الرؤى السابقة والتركيز على الجوانب التي تحتاج إلى مزيد من العمل لبلوغ الأهداف المنشودة خاصة أن الرؤية المستقبلية «عمان 2040» تستهدف النمو طويل المدى للفترة من 2020 إلى 2040، وهو ما يجعلها رؤية استشرافية مستقبلية .

ويعد تطوير المراكز اللوجستية والتجارية والموانئ وحركة التصدير والاستيراد والصناعات البتروكيماوية والتحويلية والسياحة الهادفة والزراعة والثروة السمكية والاتصالات أبرز ما تركز على رؤية (عمان 2040) وما يجعلها رائدة أيضا في رفع المستوي المعيشي للمواطن العماني وتنمية الموارد البشرية وتأهيلها؛ لكي تضمن النمو والازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي بحلول العام 2040، ولذلك تركز على محاور التنمية الأساسية وهي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسسية. كذلك تستهدف تطوير القطاع الخاص وتوزيع التنمية المستدامة على مختلف محافظات السلطنة من خلال تنويع مصادر الدخل فيها.

برغم أن (عمان2040) هي رؤية مستقبلية تنبع وتنبني على رؤية 2020 سواء على ما حققته منها أو ما لم يتحقق نتيجة للمتغيرات الاقتصادية التي حدثت لكن هناك أيضا العديد من التحديات التي تواجهها السلطنة في ضوء تنفيذ رؤية 2040 وعلى رأسها ارتفاع أعداد الباحثين عن العمل، وهو ما يمثل أهم التحديات التي تواجهها السلطنة في أوساط الشباب بما في ذلك شريحة خريجي الجامعات، وهو ما جعل السلطنة تعمل على تقليل ذلك من خلال تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تستطيع في فترة قصيرة امتصاص النسب المرتفعة من الباحثين عن عمل، وكذلك اللجوء إلى التعمين ووضع القوانين التي تشجع على استقطاب القوى العاملة العمانية والاستغناء عن القوى العاملة الأجنبية في حالة توافرها داخل السلطنة وأعتقد أن هذا الاتجاه سيساهم خلال فترة قليلة مقبلة في امتصاص أزمة كثافة الباحثين عن العمل.

كما يمثل برنامج تنويع مصادر الدخل مجالا كبيرا رغم الجهود السابقة ويتم العمل لإنجازه بالشكل الكامل الطموح، وما زالت هناك قطاعات تحتاج إلى الاهتمام بها والعمل على تنميتها بشكل أكبر واستغلالها لتكون قاطرة النمو في الفترة المقبلة وعلى رأسها قطاعات الزراعة والسياحة والتصنيع والخدمات اللوجستية التي تم البدء فيها بالفعل، ومن المتوقع خلال (رؤية 2040) أن تنهض هذه القطاعات؛ لأنها تمثل أدوات رئيسية يعتمد عليها الاقتصاد العماني خلال العقدين القادمين، كما يجب الاستعانة ببيوت الخبرة العالمية بالتزامن مع الأخذ بيد الكفاءات الوطنية والاعتماد على القطاع الخاص باعتباره شريكا أساسيا في التنمية، كما يمثل عجز موازنة 2018 المتوقع بحوالي ثلاثة مليارات ريال عماني تحديا آخر تواجهه السلطنة حاليا خصوصا أنه يتم معالجته بالاستدانة؛ لذلك يجب التخلص من هذا العجز في موازنات أخرى قادمة لكي لا تشكل عبئا عن الخطط الاستراتيجية ورؤية 2040 لكن افتراض موازنة عام 2018 متوسط سعر النفط عند 50 دولارا للبرميل سيساهم في زيادة إيرادات السلطنة مع التوقع بارتفاع أسعاره بأكثر من التوقعات إذا ظلت أسعار النفط مستقرة خلال العام الحالي مما سيؤثر بالإيجاب على تقليل عجز الموازنة، وبالتالي سيصب في صالح تنفيذ الرؤية بشكل سليم.

ويمكن القول إن رؤية (عمان 2040) هي رؤية فريدة واستشرافية؛ لأن محاورها شملت جميع القطاعات وعملت على توسيع دائرة التنمية في السلطنة بفكر جديد ومختلف عن السابق، ولكن مع تعاظم المحاور المستهدفة تتزايد التحديات أيضا، وتمثل عقبات حقيقية يمكن تداركها من خلال الدراسة الجيدة والتنفيذ الحقيقي لكل بنود الخطط والاستراتيجيات في إطارها الزمني المحدد والموضوع مسبقا ودون مجاملة مع التركيز على القطاعات السريعة النمو التي تجعل من برنامج التنويع الاقتصادي يحقق النتائج المرجوة في وقت قصير، ومراجعة ما تم تحقيقه من رؤى سابقة والتعرف على مكامن الخلل في محتواها، وتحديد الأسباب التي حالت دون الوصول إلى الأهداف المرجوة؛ كي يتم تدارك الأمور، والتعلم منها في الرؤى والخطط المستقبلية الأخرى، خصوصا أن الرؤية الجديدة تستهدف رفاهية المجتمع والاهتمام به خاصة قطاع الشباب الذي يمثل الشريحة الأكبر من حيث العدد وباعتباره قوة الحاضر وأمل المستقبل؛ ولذلك ترتقي بالمرتكزات الخمسة وهي المشاركة والتمكن والمواطنة والحوار والابتكار، وهو ما تجسد فعليا من خلال مشاركة الشباب في بلورة رؤية (عمان 2040) وإبراز دوره في المساهمة الفعلية في صنع مستقبل عمان وتقديم المبادرات بالأفكار والمقترحات التي تخدم التطور للصالح العام في مختلف المجالات بالسلطنة.