الملف السياسي

..الحل المنتظر

26 مارس 2018
26 مارس 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

القمة الأمريكية- الكورية الشمالية والمقرر لها شهر مايو القادم بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية تكتسب أهمية كبيرة بعد المعارك الكلامية الحادة بين قادة البلدين والتي وصلت إلى التهديد بالحرب والتدمير خلال انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي في مدينة نيويورك.

ورغم ذلك التلاسن الحاد بين واشنطن وبيونج يانج إلا أن الجهود السياسية كانت متواصلة خاصة من الوسيط الأهم وهو الصين، الذي يعد أقرب الدول إلى كوريا الشمالية من حيث التبادل الاقتصادي والتعاطف مع كوريا الشمالية كدولة آسيوية جارة تنتهج النظام الاشتراكي وأيضا لوجود حسابات استراتيجية للصين مع الولايات المتحدة.

ويبدو أن القناعات السياسية بين واشنطن وبيونج يانج قد توصلت إلى ان حل موضوع الملف النووي لكوريا الشمالية لن يحل إلا وفق آلية الحوار والجلوس على طاولة الحوار كما حدث في الملف النووي الإيراني حيث انتهى هذا الأخير باتفاق تاريخ بين القوى الكبرى وإيران ومن خلال وساطة عمانية نجحت بامتياز بعد حوارات سرية وعلنية امتدت لسنوات وجنب ذلك الاتفاق التاريخي منطقة الخليج كارثة كادت ان تقع لو نشبت حرب.

لقاء التاريخ والحرب

لا شك أن لقاء القيادتين الأمريكية والكورية يعد تطورا نوعيا مهما على صعيد إنهاء التوتر في شبه الجزيرة الكورية حيث التجارب النووية لكوريا الشمالية من ناحية والعقوبات القاسية المفروضة على بيونج يانج، والتي أضرت بالشعب الكوري الشمالي واقتصاد هذا البلد الآسيوي. فالتاريخ القريب وبالتحديد في عقد الخمسينات من القرن الماضي نشبت الحرب الكورية من عام 1950 إلى عام 1953 بمشاركة أمريكيه انتهت بتقسيم كوريا إلى الوضع الحالي وهي كوريا الجنوبية الحليف للولايات المتحدة الأمريكية والغرب وكوريا الشمالية الأقرب إلى الصين وروسيا ومنظومة الدول الاشتراكية في تلك الفترة.

ولا شك ان نتائج تلك الحرب قد أدت إلى تمركز القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية مما جعل كوريا الشمالية تستشعر الخطر المحدق بأمنها القومي مما جعلها تخوض سباقا محموما لاقتناء المنظومة الصاروخية وأيضا أجرت عددا من التجارب النووية خلال السنوات الأخيرة ومن هنا فإن الذاكرة الكورية بشكل عام لا تزال تستذكر ويلات الحرب الكورية مما يجعل سول حريصة على مبدأ الحوار في مسألة حل الملف النووي لجارتها كوريا الشمالية.

ولا شك أن لقاء مايو القادم بين قيادتي البلدين سوف يكون مقدمة لتلك القناعات بضرورة الحل السلمي بعيدا عن لغة التهديد والوعيد ومن هنا فان تطبيق نموذج الملف النووي الإيراني على نموذج الملف النووي الكوري قد يكون مدخلا مناسبا مع وجود بعض الآليات التي تساعد على نجاح الحوار الأمريكي- الكوري الشمالي الذي سوف يستغرق وقتا اكبر على ضوء التعقيدات الاستراتيجية والسياسية والعسكرية للملف النووي لكوريا الشمالية.

ان اقرب السيناريوهات لإيحاد حل مقنع للملف الكوري الشمالي هو إعطاء ضمانات لبيونج يانج من خلال المحافظة على نظامها السياسي وأمنها واستقرارها وأيضا الدعم الاقتصادي ورفع العقوبات بشكل كامل في مقابل تخلي كوريا الشمالية عن طموحاتها النووية وأن تشرف وكالة الطاقة الذرية على تفكيك ذلك البرنامج النووي إذا ما تحققت الوكالة من وصول ذلك البرنامج إلى مراحل متقدمة وهو الأمر الذي يرجحه خبراء الأسلحة النووية.

أوراق بيونج يانج

كوريا الشمالية استطاعت خلال السنوات الأخيرة ان تتحدى الولايات المتحدة والغرب من خلال تواصل تجاربها النووية وأيضا وجود الصين كدولة آسيوية جارة لا تقبل باندلاع حرب على حدودها أو حتى القرب من أراضيها، بل ان بكين كانت ترى في الموضوع الكوري الشمالي ورقة سياسية في وجه واشنطن على ضوء الخلافات السيو-استراتيجية وموضوع الجزر المتنازع عليها مع اليابان وكوريا الجنوبية في بحر الصين الجنوبي ومن هنا فان وصول الإدارة الأمريكية الجديدة قد جعل المشهد العسكري في شبه الجزيرة الكورية اكثر خطورة وتوترا.

من العوامل التي ساعدت على بلورة إعلان للقمة بين واشنطن وبيونج يانج هو مخاوف كوريا الجنوبية حيث بدأ التقارب بين الكوريتين خلال إقامة الألعاب الأولمبية الشتوية في احدى مدن كوريا الجنوبية حيث تم تشكيل فريق رياضي موحد وزيارة وفد رياضي من كوريا الشمالية برئاسة شقيقة رئيس كوريا الشمالية والحوارات التي تمت بين مسؤولي الكوريتين.

هذا المناخ الإيجابي من اللقاءات مهد لتخفيف التوتر وأيضا رسالة كورية بأن الحوار هو افضل الطرق لإنهاء الأزمة الكورية ومن هنا تم الإعلان عن القمة والتي قد تشهد تحولا في المشهد السياسي لشبه الجزيرة الكورية بشكل دراماتيكي وهو الأمر الذي يترقبه العالم.

إن قمة ترامب-يونج القادمة في مايو سوف تكون لها نتائج إيجابية من خلال اللقاء في حد ذاته بحيث يكون اللقاء تمهيدا لإزالة الشعور العدائي بين القيادتين والبلدين من خلال الاتهامات والتهديد بحرب نووية. وهذا بلا شك سوف يحول الأزمة الكورية إلى أزمة تبحث عن حل سياسي وأن يكون للصين وكوريا الجنوبية دورا مهما في الانطلاق بلقاء القمة والحوارات التي سوف تلي القمة إلى آفاق ارحب لينتهي الأمر إلى اتفاق ينزع فتيل المواجهة في هذا الجزء الحساس من العالم من خلال وضع أفكار عملية يستطيع من خلالها الطرفان الكوري الشمالي والأمريكي ان يتحدثا عن مكاسب محددة من خلال النجاح في عقد الصفقة السياسية والاقتصادية المنتظرة وأيضا من خلال إيجاد علاقات طبيعية وفتح صفحة جديدة بين البلدين لأن ذلك هو الخيار الأسلم بعيدا عن شبح الحروب المدمرة والتي عانت منها شبه الجزيرة الكورية لسنوات.

حسابات واشنطن

من أهم المطالب الأمريكية التي سوف تطرح عند عقد القمة هو إنهاء الطموح الكوري في امتلاك قنابل وأسلحة نووية مقابل البرنامج الاقتصادي والمساعدات التي سوف يتم تخصيصها لبيونج يانج علاوة على رفع كل العقوبات الاقتصادية وبالتالي انفتاح كوريا الشمالية على جارتها الصناعية العملاقة كوريا الجنوبية وإقامة علاقات طبيعية قد تمهد في نهاية المطاف إلى الوحدة الكورية وهو حلم كل الكوريين.

لا يمكن من خلال القمة المرتقب حل كل الأمور العالقة ولكن تلك القمة سوف تزيل الحاجز النفسي وعدم الثقة بين واشنطن وبيونج يانج القائم منذ سنوات طويلة، وهذا شيء مهم بالنسبة لإذابة الجليد في علاقات البلدين المتوترة مما يجعل من طرح التصورات من الجانبين أمرا مهما في ظل الإشكالات التي تعاني منها كوريا الشمالية خاصة على صعيد الفجوة الغذائية التي تتسع وجاءت نتيجة تركيز القيادة الكورية الشمالية على التسلح وتوفير قدرة عسكرية نووية للدفاع عن الدولة ومقوماتها.

حسابات واشنطن تدخل أيضا في الخوف على حلفائها التقليديين في آسيا خاصة اليابان وكوريا الشمالية حيث تقع مدن هاتين الدولتين في مرمى الصواريخ البالستية لكوريا الشمالية بل وتجاربها النووية والتي يسقط بعضها في بحر اليابان كما ان الولايات المتحدة تخشى من التهديد الكوري الشمالي لبعض ولاياتها على سواحل المحيط الهادي القريبة من آسيا اذا نشبت حرب نووية ومن هنا تعود الولايات المتحدة إلى سياسة الاحتواء.

ان القمه الأمريكية- الكورية الشمالية تعد سلوكا إيجابيا للدولتين من خلال الحوار والوصول إلى قناعات مشتركة بضرورة حل الإشكال النووي من خلال المنطلقات نفسها التي بدأت من خلال البرنامج النووي الإيراني وانتهى بذلك الاتفاق التاريخي. ورغم التشكيك الأمريكي في بنود ذلك الاتفاق قد تجد واشنطن نفسها في نهاية الحوار مع كوريا الشمالية بأنها تسير في نفس المنهجية والمسار لإنقاذ العالم وشبه الجزيرة الكورية من حرب مدمرة وهو نفس الأمر الذي حدث مع الاتفاق النووي الإيراني الذي جنب منطقة الخليج حربا مدمرة. ومن هنا فإن القمة سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى إيجاد حل شامل للملف الكوري الشمالي وان كان ذلك سوف يأخذ بعض الوقت ولكن الشيء المهم ان طريق الحوار قد فتح بين الجانبين الأمريكي والكوري الشمالي.