أفكار وآراء

«بلوك تشين» و«البيتكوين»

17 مارس 2018
17 مارس 2018

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

أتاح اختراع الحاسوب في ثلاثينات القرن العشرين. وتطوير برمجياته خلال نصفه الثاني العديد من الاختراعات التي سميت “مواقع التواصل الاجتماعي”. فضلا عن أحداث التطور الكبير في التعامل المالي والتجاري المحلي والدولي. ومن وقت لآخر يضيف أحدهم تطبيقا جديدا يتداول في الدول الصناعية المتقدمة بقدر جدواه. ويبهر به المهتمون في الدول النامية وبإسهاب يُعرض وبالتفصيل تُبرز أهمية تبنيه وتطبيقاته والترويج لشرائه. ولعل آخر ما ظهر، وكما يبدو ليس أخيرا، ما سمي بسلسلة الكتل ( Block Chain ) الذي ينطوي على قاعدة بيانات أو أسلوب جديد لتنظيم البيانات ويأخذ أسلوب سجل الكرتوني لمعالجة الصفقات المالية والتجارية وأي تعامل بين طرفين أو عدة أطراف وتدوينها بما يتيح لكل الأطراف تتبع المعلومات عبر شبكة آ لا تستدعي التحقق من مطفل أو دخيل. و”بلوك تشين” بمثابة السجل الذي يتم الاحتفاظ فيه بجميع الحركات المالية والأصول والمصاريف وما شابه، أي سجل المحاسبة العام في القطاع المالي، ويجري حاليا استكشاف استخدامات أخرى لها في مجالات وقطاعات عديدة أخرى مثل القطاع اللوجستي مثل متابعة توصيل البضائع وتتبع سيرها، وتقنية المعلومات في أجهزة الإنترنت الأشياء. كما أن البلوك تشين تعتبر تقنية لتخزين والتحقق من صحة وترخيص التعاملات الرقمية في الإنترنت بدرجة أمان عالية ودرجة تشفير قد يكون من المستحيل فك رموزها في ظل التقنيات المتوفرة اليوم.

أوردت وكالة “رويترز” في تقرير خاص إلى أن البنوك والمؤسسات المالية تتبنى تقنية “بلوك تشين” المعتمدة في العملة الافتراضية “بيتكوين” ( Bitcoin ) أي سجل التعاملات الموحد بوتيرة أسرع مما هو متوقع، مع تحول قرابة 15% من أكبر البنوك العالمية لطرح منتجات بلوك تشين التجارية... وإن من التوقع أن يكون لدى 65% من البنوك مشاريع بلوك تشين خلال 3 سنوات، مع تصدر هذا التوجه من قبل البنوك الكبيرة التي لديها أكثر من 100 ألف موظف. . وعملة البيتكوين لا تحكمها أي سلطة مركزية ولا تخضع لأي قوانين مركزية فتبادل العملة يتم بشكل مباشر بين المتعاملين دون وجود وسيط يقوم بالعملية مما يلغي قطاع البنوك كليا من التعاملات التجارية وتحويل الأموال. ومن أكثر ما يميز تقنية البلوكشين هو قدرتها على توفير الثقة حتى في مجالات قد تكون فيها الثقة صعبة. وفي العديد من المجالات مثل حفظ كلمات المرور والتصنيف الائتماني وإصدار رخص القيادة وشهادات الزواج وإدارة الأملاك والأصول. ومع ذلك فإن هناك تحفظا على استخدام تقنية البلوك شين لما قد تسببه من تغيير في الأنظمة والقوانين وقد تؤدي إلى الاستغناء العديد من الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة. كما أن معظم الناس والعاملين في المؤسسات التقنية والخدمية لا يعرفون ما هي تقنية البلوكشين أما لو كانوا يعرفونها فإن معرفتهم بها بسيطة وخالية من التفاصيل ولا يزيد عن معرفتهم بعملة البيتكوين. كما أن حداثة هاتين التقنيتين تحتاج لوقت حتى تنضج وتتنوع تطبيقاته. كذلك فإن إدارة البيانات في بيئة لا مركزية قد يقوض النظم الإدارية القائمة ويشيع الفوضى في مرحلة انتقالية قد تأتي بنتائج عكسية. ثم انه لا توجد أي معايير ومقاييس دولية لهذه التقنية.

عملة البيتكوين هي عبارة عملة إلكترونية (وهمية أو افتراضية)، يتم تداولها عبر الإنترنت فقط، ولا وجود ماديا أو ملموسا لها كباقي العملات الأخرى كالدولار والاسترليني، وتستخدم في المعاملات عبر شبكة الإنترنت ولا تتحكم فيها أي سلطة أو بنوك مركزية . وتتم المعاملات بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام التشفير. يتم التحقق من هذه المعاملات عن طريق عُقد الشبكة وتسجيلها في دفتر حسابات موزع وعام يسمى سلسلة الكتل. وتعتمد عملة بيتكوين على الآلاف من أجهزة الحاسوب في أنحاء العالم التي تتحقق من صحة المعاملات وتضيف المزيد من عملات بيتكوين إلى النظام.

أحدثت الثورة التّكنولوجية وتحديدا تكنولوجيا المعلومات تغييرا كبيرا على أنشطة الإنسان الإنتاجية والاجتماعية والنفسية وتوغلت في كلّ تفاصيلها، فترتب على ذلك العديد من السلبيات. إذ تسبّبت التّكنولوجيا وغزوها للحياة اليوميّة للأفراد بعدم القدرة للاستغناء عنها. وبالرغم من الإيجابيات الكبيرة التي حققتها الثورة التكنولوجية. إلا أن تطبيقاتها المالية تنطوي على مخاطر يمكن أن يصار إلى تصحيح بعض مساراتها بسبب تلك المخاطر.

ففي علم الاقتصاد إن النظم النقدية بوسيلة العملات العالمية التداول كالدولار الأمريكي اليورو الأوروبي والباوند الاسترليني والين الياباني إنما هي تعبير عن قوة اقتصادية مادية من سلع وخدمات. وتطور تداولها وصارت سلعة تباع وتشترى عبر وسائل الاتصال التكنولوجية. فباخرة محملة ب (100) ألف برميل من النفط وأن سعر البرميل 60 دولارا فإن المشتري سيدفع للبائع ستة ملايين دولار. وإن بإمكان البائع أن يشتري ما شاء له من السلع والخدمات. فكل دولار يمثل منتجا ماديا أو أصولا مدخرة أو ذهبا أو عقارا.

تساءل صحفي في مجلة فوربس ما إذا كان لعملة البيتكوين أي قيمة جوهرية، والتي تتمثل في قيمة العملة خارج ثمن السوق على كل عملة وكان من الصعب عليه العثور على إجابة واضحة لهذا التساؤل، مع العديد من الخبراء مشيرًا إلى القيمة السوقية للبيتكوين كقيمة حقيقية فقط، إنَّ مسألة القيمة هذه تُشكل جزءًا مهمًا في تحديد الفائدة العامة للعملة رغم الادعاء بأن البيتكوين يفتقر إلى وظيفة حقيقية.

تفتقر معظم الدل الدول النامية إلى تكامل أجهزة النظم الإلكترونية. كما أن مواردها البشرية محدودة الخبرات في التعامل مع تلك النظم. فإن كانت أجهزة الاتصالات الإلكترونية يسيرة الاستعمال. فإن النظم المعقدة مثل البلوكشين واستخدامها في الإدارة والتجارة. والاستثمار بالعملة الافتراضية البيتكوين لابد من تكامل متطلبات تطبيقاتها أو تداولها. وما أكثر مخاطر التزوير والخداع والغش والسرقات عبر نظم التعامل الإلكتروني.

في الأول من فبراير 2018. واصلت العملات الرقمية الإلكترونية موجة الخسائر العنيفة التي بدأت مطلع العام الجاري، فاقدة نحو 35 مليار دولار خلال الساعات القليلة الماضية. وخسرت بيتكوين في تعاملات اليوم 9%، إلى 9370 دولارا ومنذ أعلى صعود سجلته العملات الإلكترونية في الثلث الأخير من شهر ديسمبر 2017 . فقدت العملات الرقمية الإلكترونية نحو 227 مليار دولار من قيمتها السوقية الإجمالية بنسبة تراجع تقدر بنحو 31.88% بعدما هوت من مستوى 712 مليار دولار في نهاية تعاملات 22 ديسمبر الماضي إلى نحو 485 مليار دولار في الوقت الحالي. وبنهاية تعاملات شهر يناير الماضي كانت عملة “بيتكوين” قد فقدت 44.2 مليار دولار من قيمتها السوقية التي بلغت نحو مائتي مليار دولار في مطلع 2018، لتسجل بذلك أقوى خسارة شهرية على الإطلاق وتشهد العملات الإلكترونية خسائر حادة وعنيفة منذ بداية العام الجاري بعدما اتجهت حكومات الدول إلى تشديد القبضة على هذه السوق في محاولة لإخضاعها للإجراءات التنظيمية بعد ارتفاعها بمستويات قياسية خلال العام . وجاءت الخسائر بدعم التراجع العنيف لعملة “بيتكوين.