1274127
1274127
تقارير

البيانات الضخمة .. مزيد من النفط بِكُلْفَة أقل

12 مارس 2018
12 مارس 2018

الشــركات النفطية تلجـأ إلـى التقنية لمواجهــة تحـــدي الموارد المتجـــددة -

إد كروكس – الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

على بُعد أميال قليلة في الطريق من مبنى رئاسة “فيسبوك” يبدو مركز ابتكار تقنية البرمجيات التابع لشركة “شلمبيرجر” في مدينة مينلو بارك مثل أية مؤسسة أخرى من مؤسسات وادي السيلكون التي تراودها أحلام تغيير العالم. فالجدران مغطاة بورق ملاحظات يحوي أفكارا عن خصائص منتجات ومبادئ تصميم. والمقصف يقدم أطباق فاكهة وبيتزا وقت الغداء كل يوم جمعة. ويستخدم بعض المهندسين طاولات مرتفعة وألواح التوازن لإجراء تمارين بدنية في أثناء عملهم. لقد جيء بهم من بلدان وخلفيات صناعية عديدة ومتنوعة. فأحدهم كان يعمل في وكالة الفضاء “ناسا” قبل مجيئه وآخر في الشبكة التلفزيونية “اتش بي أو.” ومثله مثل العديد من المهندسين الناجحين في شمال كاليفورنيا يقود آشوك بيلاني، نائب رئيس شلمبيرجر للتقنية والقائم على شؤون المركز، سيارة تيسلا (الكهربائية) للذهاب إلى مقر عمله. لكن ما تفعله شلبميرجر بعيد كل البعد عن المعتاد في وادي السيلكون. فهي تعمل لزيادة الإنتاج وخفض التكاليف لنشاط يتموضع في قلب الاقتصاد القديم هو صناعة النفط والغاز.

ابتكارات تِقنيَّة جديدة

إنشاء مركز التقنية الذي أسسته مجموعة شلمبيرجر لخدمات حقول النفط مؤشر على التحولات الضخمة الجارية في صناعة النفط والغاز التي شرعت شركاتها في تبني أحدث الابتكارات في مجال تقنية المعلومات. فالتقنيات التي استخدمتها شركات جوجل وفيسبوك وأمازون مثل تحليل البيانات المتقدمة يجري الآن تطبيقها بوتيرة متزايدة في صناعة الطاقة. ويؤمن العديد من مسؤولي النفط أن النتائج قد تكون مثيرة مثلما كانت عليها الحال مع تقنيات تلك الشركات. وتشمل الفرص الجديدة التي يجري إيجادها تحليلَ الصخور لاستهداف الآبار بدقة أكبر في المناطق التي تحوي ترسبات نفطية كما تشمل نماذجَ مكامنِ النفط وذلك للتمكين من تعظيم الإنتاج طوال حياة الحقل النفطي. أيضا من بين هذه الفرص الأتمتةَ التي يمكن أن تجعل العمليات أكثر أمانا وأكفأ وأرخص. وستشكل زيادة الإنتاج التي ستجعلها هذه الابتكارات ممكنة ضغوطا على أسعار النفط. كما توجد وضعا غير مُواتٍ للتقنيات المنافسة بما في ذلك السيارات الكهربائية وتتسبب في مصاعبَ محتملة للمنتجين في البلدان الأخرى التي لن تكون قادرة على خفض تكاليف إنتاج نفطها بنفس الطريقة. كما يعني ذلك أيضا إزاحةً للعديدين في صناعة النفط مع فقدانٍ للوظائف وتحولاتٍ في أنماط وثقافة العمل. ويقول مات روجرز من شركة مكنزي للاستشارات أن المراقبين فشلوا في الاستيعاب الكامل لحجم التحولات القادمة. يقول روجرز: “أعتقد أننا لم ندرج في النماذج التي أعددناها بشأن (جانب العرض) حجمَ النفط الذي ستمدُّنا به هذه التحولات.” ويضيف أن العالم سيكون خلال العشرة أعوام القادمة “مختلفا تماما... سنشعر كأننا في حروب نجومٍ مقارنة بما نحن عليه الآن.” لقد ظلت صناعة النفط تستخدم على مدى عقود أحدث الفتوحات في مجال تقنية المعلومات. وكان جون براون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط البريطانية بي بي، قد بدأ حياته المهنية في نهاية الستينات برسم خرائط مكامن النفط في ألاسكا مستخدما حاسبا آليا هو الأحدث في زمانه. وتضم اليوم قائمة مالكي أقوى 500 حاسب آلي فائق الأداء من القطاع الخاص شركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وشركة “بيتروليوم جيو سيرفيسيز” لتصوير مكامن النفط.

دور الحوسبة السحابية

الاختلاف الآن هو ظهور خدمات الحوسبة السحابية التي تجعل من الممكن تخزين وتحليل البيانات بتكلفة منخفضة نسبيًا وتتيح تطبيقات جديدة لنطاق عريض جدًا من الشركات. تنتج صناعة النفط كميات كبيرة من البيانات سواء البيانات المهيكلة مثل قراءات درجة الحرارة والضغط أو غير المهيكلة مثل أفلام الفيديو. وتتزايد أحجام هذه البيانات طوال الوقت. كما تهبط تكلفة المجسَّات (أجهزة الاستشعار) التي يتم استخدامها لتجميع المزيد من البيانات وأيضا تتطور تقنيتها مما يجعل من الممكن مراقبة المزيد من جوانب العمليات النفطية مثل حفر البئر. يقول بِل براون، كبير مسئولي تقنية معلومات بشركة شيفرون الأمريكية، أن حجم البيانات التي تعالجها الشركة ظل يتضاعف كل 12 إلى 18 شهرا. وسيضم مشروع التوسعة في حقلها النفطي “تينجيز” بكازاخستان الذي سيبدأ الإنتاج في عام 2022 حوالي مليون مجس (جهاز استشعار). لكن جزءا كبيرا من بيانات صناعة النفط لا يتم استخدامه. يقول بينو ماثيو، رئيس إدارة المنتجات بشركة بيكر هيوز لخدمات حقول النفط والتي تملك شركة جنرال إليكتريك غالبية أسهمها، أن نسبة مئوية قليلة من هذه البيانات “هي فقط التي يجري تحليلها.” أما آل ووكر، الرئيس التنفيذي لشركة أنتاج النفط الأمريكية المستقلة أناداركو بتروليوم، فقد نوه في مؤتمر الطاقة السنوي سيراويك الذي انعقد في هيوستن العام الماضي أن شركته سجلت بيانات كثيرة إلا أنهم “ لم يفعلوا الكثير بشأنها. وأضاف: “لدي تيرابايتات وتيرابايتات من بيانات المسوحات الزلزالية. أما النسبة المستخدمة منها فهي 5% فقط.” لكن ذلك يتغير الآن.

البيانات هي النفط الجديد

فالبيانات التي كانت تدوَّن في حواسيب المهندسين أو على الورق في حقول النفط وأحيانًا تستنسخ باليد يمكن، بدلا عن ذلك، نقلها آليًا إلى مكاتب الشركة. ويجري تحويل السجلات القديمة التي تعود إلى عقود مضت إلى حِزَمٍ أو مجموعات متماسكة من البيانات. وفي مسح أجرته شركة آكسينتشر الاستشارية للمسؤولين التنفيذيين بشركات النفط في العام الماضي ذكر 70% منهم أنهم يتوقعون استثمار المزيد في التقنيات الرقمية مع تخصيص الأولوية لتخزين البيانات وخدماتها. لقد صارت عبارة “البيانات هي النفط الجديد” كليشيها رائجا. فشركات عديدة تبحث الآن عن طرق لتحويل البيانات إلى نفط . ونشأت سلسلة من التحالفات بين شركات تقنية المعلومات وشركات النفط. فمايكروسوفت وقعت في العام الماضي شراكات استراتيجية مع شركة هاليبيرتون لخدمات حقول النفط وأيضا مع شيفرون. وتعمل شركة نفيديا، التي تنتج شرائح عالية الأداء استخدمت لأول مرة في صناعة ألعاب الفيديو، مع شركتي شلمبيرجر وهاليبيرتون وأخريات لمواءمة تقنيتها لعرض البيانات الزلزالية وترجمتها. وقبل عام كانت قد أعلنت عن شراكة مع بيكر هيوز حول استخدام الذكاء الاصطناعي في استخراج ومعالجة النفط والغاز.

التقنيات الجديدة توجد فرصا جديدة

تأسست شلمبيرجر، وهي الآن أكبر شركة خدمات نفطية مدرجة في العالم، بواسطة شقيقين كانا قد دشنا في عام 1926 شركة بهدف استخدام القياسات الكهربائية لرسم خارطة للصخور تحت سطح الأرض. ولا يزال فهم ما يحدث في مكامن النفط والغاز تحت السطح يشكل جوهر نشاط الشركة. لكنها توسع من نطاق الخدمات التي يمكن أن تقدمها. ففي العام الماضي دشنت برنامج حاسوبي جديد اسمه “ديلفي” يجعل من الممكن توحيد وتبسيط الطريقة التي يتم بها تصميم وحفر الآبار وإعدادها لتعظيم الإنتاج من الحقل النفطي بأكمله. ويأمل بيلاني في أن تستخدم شركات النفط بحلول نهاية العام هذه التقنية بانتظام في الولايات المتحدة وحول العالم. ويقول من الممكن أن يخفض النظام الجديد تكاليف الإنتاج بنسبة 40% في حقول النفط الصخري بالولايات المتحدة خلال العقد القادم. أما التقديرات الأخرى لأثر التقنيات الرقمية فأكثر تواضعا. وكانت وكالة الطاقة الدولية الحذرة في العادة ذكرت في العام الماضي أن هذه التقنيات قد تخفض تكاليف إنتاج النفط والغاز بنسبة تتراوح بين 10% إلى 20%. لكن بيلاني يقول إن الرقمنة تمثل “خطوة تحوُّل” في اقتصاديات صناعة النفط، تماما مثلما فعلت ذلك ابتكارات الحفر الأفقي والتكسير المائي التي جعلت إنتاج الغاز الصخري مجديا تجاريا قبل حوالي 15 عاما. يقول “ ربما تساعد هذه التقنية على الحفاظ على المستويات المعقولة لأسعار النفط. ويعني ذلك سعرا يتراوح حول 60 دولارا”. وهو سعر يجعل كل منتج للنفط ينتج بطريقة اقتصادية، حسبما يرى. ومثلها مثل شلمبيرجر، اختارت شركة جنرال إليكتريكس موضعة بعض عملياتها الرقمية في منطقة خليج سان فرانسيسكو لتطوير روابط مع شركات تقنية المعلومات المحلية ومع جامعة ستانفورد والاستفادة من مجموعة المهارات المتوافرة هناك. ففي سان رومان عبر الخليج يوجد لدى شركة بيكر هيوز مركز تقنية رقمية في مبنى مشترك مع العمليات البرمجية لشركتها الأم جنرال إليكرتيكس. كما تشارك الشركة أيضا في منصة البرمجيات “بريديكس” التابعة لجنرال إليكتريكس والتي تستخدمها للتطبيقات الخاصة بالنفط والغاز.

النفط الصخري

شركات النفط الصخري في شمال أمريكا هي من بين أجزاء الصناعة النفطية الأسرع تحركًا لاستيعاب إمكانيات التقنيات الجديدة. فهناك يتم حفر آلاف عديدة من الآبار في كل عام مما جعل من الممكن التعلم من الجهود السابقة وتطبيق الدروس المستفادة بسرعة. لقد حدثت زيادات مثيرة في الإنتاجية مدفوعة في السنوات الأخيرة بالتحسينات التي يشار إليها أحيانا باسم “النفط الصخري رقم 2” وتشمل حفر آبار أفقية أطول. لكن التقدم في هذا المجال ظل يرتكز حتى الآن وإلى حد بعيد على التجريب (قاعدة الصواب والخطأ). فإذا نجحت تجربة الفن الإنتاجي الجديد يتم اعتماده وهكذا. لكن تحليل البيانات يتيح الفرصة لجعل هذا التجريب أكثر علمية ولرفد الإنتاجية بدماء جديدة. لقد كانت بعض النتائج المبكرة واعدة. فبوب دودلي، الرئيس التنفيذي لشركة النفط البريطانية بي بي، قال مؤخرًا أنهم عملوا مع شركة ناشئة في وادي السيلكون لتطوير نموذج يهدف إلى تعظيم الإنتاج ورفع مستواه بنسبة 20% في 180 بئرًا بأول مشروع تطبق فيه هذا النموذج التقني. إن المكاسب الممكنة ضخمة. فالشركات تستخرج حوالى 8% إلى 10% فقط من النفط الصخري الأمريكي الموجود في مكامنه. لذلك إذا أمكن للأنظمة الجديدة رفع المعدل حتى بنسبة مئوية بسيطة يمكن أن تكون النتائج التي ستترتب عن ذلك مثيرة. وهناك مجال كبير للأتمتة في استخراج النفط الصخري. يقول بيلاني ربما يوجد 26 شخصا في طاقم جهاز حفر البئر في الوقت الراهن. لكن خلال خمسة أعوام من الآن يمكن أن يتقلص هذا العدد إلى خمسة أفراد فقط. وبحسب براون يمكن القول إلى حد بعيد أن البشر هم من يقودون الآن عملية حفر بئر النفط. لكننا نعتقد أن ذلك العمل ستتم “أَتْمَتَتُهُ” باطراد وتحويله إلى الحاسب الآلي، تماما مثل حال الطيار الآلي في الطائرة.” إن الأتمتة تتمدد سلفا. فشركة شلمبيرجر بدأت في نقل خبراء الحفر الأفقي من حقول النفط إلى مكاتبها في هيوستن حيث يمكنهم من هناك مراقبة عمليات الحفر في ستة آبار في نفس الوقت بدلا عن مراقبة بئر واحدة. ومَثَلُها مَثَل القطاعاتِ الأخرى التي تأثرت فنونِها التقنية بأحدث موجُات الابتكار، تواجه صناعةُ النفط تحولات جذرية تتعلق بفقدان الوظائف وتغير أنماط التوظيف. ويقول روجرز في هذا الصدد “سيكون الوضع غير مريح لبعض الوقت”. إن الاستفادة الكاملة من الإمكانيات التي تتيحها التقنيات الجديدة تعني توظيف المزيد من الناس الذين يملكون مهارات في البرمجيات وعلم البيانات. كما سيكون من اللازم أيضا إعادة هيكلة الشركات. يقول كاوسر كازيلباس من شركة أكسنيتشر “هنالك مشاكل كثيرة تنتظر الحل. المسألة ليست سهلة. إنها تحول ضخم في الإدارة يتطلب تغييرًا في التقنية وفي العمليات. “وإذا أمكن تحقيق ذلك بنجاح فسيساعد تبني الفنون الرقمية الجديدة في الدفاع عن النفط والغاز ضد التهديد المتزايد من مصادر الطاقة المتجددة وتقنية بطاريات التخزين والسيارات الكهربائية. فتقنيات الطاقة الجديدة تحدث تحسنا متسارعا في الكفاءة وتقلص التكاليف. لكن التقنيات القديمة المنافسة لها في مجال الوقود الأحفوري لم تستسلم. يقول ماثيو المسئول بشركة بيكر هيوز “نحن الآن فقط نتلمس البدايات لما يمكن أن نفعله بالذكاء الاصطناعي. فهذه واحدة من استخداماته التي يمكن أن تغير العالم.” لقد بدأت صناعة النفط والغاز في تبني الفنون الجديدة التي صارت ممكنة بفضل حواسيب حديثة في مقدورها تخزين ومعالجة حزم بيانات كبيرة ومعقدة. وستوظف هذه الفنون الإنتاجية في الغالب “تعلُّمَ الآلة” الذي هو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي يستخدم اللوجريثمات للوصول إلى استنتاجات من خلال دراسة مجموعات بيانات كبيرة. وتشمل تطبيقاتها المجالات التالية:

التحليل الزلزالي

إنَّ تكوين صورة عن تشكيلات الصخور ومكامن النفط والغاز على مبعدة أميال تحت سطح الأرض باستخدام المسوحات الزلزالية وغيرها عملية تنطوي على درجة عالية من التعقيد. لكن الحواسيب القوية تمكن الشركات من فهم المزيد عن التركيب الجيولوجي للمناطق التي يصعب التنبؤ على نحو دقيق بمواضع استخراج النفط منها.

تعظيم الإنتاج

يعتمد تدفق النفط من المكامن على مجموعة معقدة من العوامل تشمل طول وتباعد الآبار وأنواع التكسير المستخدمة. ويمكن للشركات بفضل فنون الإنتاج الحديثة تعظيم القيمة المستخلصة من الحقل النفطي.

الصيانة الاستباقية

يمكن أن تقدم دراسة كل البيانات المرتبطة بأجزاء المعدات مثل المضخات والصمامات مؤشرات حول الأوقات التي يرجح أن تتعرض فيها هذه الأجزاء لأعطال. وهذا يمكن من إصلاحها أو استبدالها قبل حدوث العطل. وسيترتب عن ذلك توافر قدر أكبر من مقتضيات السلامة والقدرة على تبسيط جداول الصيانة.

الأتمتة

يعني انتشار استخدام الأجهزة الذكية والمترابطة أن العمليات التي كانت تحتاج تقليديا إلى تواجد عمال مهرة في موقع البئر أو معامل المعالجة يمكن أن تدار عن بُعْد. وستكون النتيجةُ تكاليفَ عمالةٍ أقل وأمان أكبر مع وجود عدد أقل من العاملين في بيئات خطرة وكذلك زيادة الكفاءة في الأداء.

الأمان

لقد صارت صناعة الطاقة هدفا رئيسيا لهجمات الإنترنت مثل فيروسات شمعون وشمعون 2 التي ضربت شركة أرامكو السعودية في عامي 2012 و2016. فظواهر تزايد ترابط الأجهزة النقالة وتعاظم استخدام البيانات العملياتية وانتشار الأتمتة توجد مواطن ضعف جديدة. وستكون شركات النفط بحاجة إلى استخدام التقنية الأكثر حداثة لحماية نفسها.