الاقتصادية

ترامب والرســوم الجمركيــة وثمن الفـوضى

08 مارس 2018
08 مارس 2018

ترجمة: قاسم مكي -

إدوارد آلدين -

مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي -

في يوم 15 أغسطس 1971 أعلن الرئيس نيكسون أن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية شاملة بنسبة 15% على الواردات. وكانت تلك أهم قيود على الواردات الأمريكية منذ أعوام الثلاثينات. لكنها جاءت في أعقاب مداولات مكثفة بين كبار أعوانه خلال إجازة نهاية الأسبوع بكامب ديفيد. أنفقت مجموعة خبراء الاقتصاد التي تتبع للرئيس نيكسون ثلاثة أيام لصياغة تفاصيل القيود على الواردات بعناية. ثم نبه هؤلاء الخبراء العالم بأن الرئيس سيكون على استعداد لرفع هذه القيود بمجرد أن يسمح شركاء الولايات المتحدة التجاريون لعملاتهم الوطنية بالارتفاع (مقابل الدولار.) وتم التخلي عن هذه الرسوم بعد أربعة أشهر لاحقا عقب التوصل إلى اتفاق عن طريق المفاوضات. لكن حين أعلن الرئيس ترامب يوم 1 مارس 2018 أن الولايات المتحدة ستفرض رسما جمركيا بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألومنيوم (وهي القيود الأهم على الواردات منذ عام 1971) جاء ذلك الإعلان بعد صباح اتسم بفوضى بالغة في البيت الأبيض. فالادارة الأمريكية كانت قد صرحت في الليلة السابقة للإعلان بأن الدعوة وجهت إلى كبار صانعي الصلب والألومنيوم لزيارة البيت الأبيض مما أدى إلى التخمين بأن الرسوم الجديدة ستعلَن. لكن في الصباح تراجع مسؤولو البيت الأبيض وذكر المكتب الإعلامي بالبيت الأبيض أن موضوع الدعوة بدلا عن ذلك سيكون فقط «جلسة استماع». ثم أمام أجهزة التصوير وعلى حين غرة من مسؤولي مكتبه، كما يبدو، أعلن الرئيس ترامب أن الرسوم الجمركية سيكشف عن تفاصيلها في الأسبوع التالي وستظل نافذة «لفترة طويلة من الزمن». لقد قيل مرة أن بريطانيا فقدت إمبراطوريتها في نوبة شرود ذهني. أما الولايات المتحدة فيبدو الآن أنها قد تخسر إمبراطوريتها في نوبة من نوبات تهور دونالد ترامب. لا تزال ملامح هذه الإجراءات الجديدة غير معلومة. ربما تعفي الإدارة كبار المصدرين مثل كندا والبرازيل. وقد تستثني بعض المنتجات على الرغم من أن ترامب أخطر مسؤولي الصناعة أنه لا يريد استثناءات. وستكون هنالك مساعٍ محمومة من جماعات الضغط المعنية في الفترة التي تسبق الإعلان النهائي عن الرسوم. ومن الممكن أن يدفع رد الفعل السلبي من جانب السوق ترامب إلى التخلي عنها. (هبط مؤشر داو جونز بحوالي 600 نقطة بعد الإعلان عن الرسوم.) لكن القضية ليست ببساطة في النتائج الاقتصادية. لقد كان إعلان الرئيس عن فرض الرسوم المؤشر الأوضح والأكثر إزعاجا حتى الآن بأنه مستعد للقيام بتصرفات غير مدروسة من شأنها تقويض أسس النظام التجاري العالمي. إن المشاكل في صناعتي الصلب والألومنيوم حقيقية. فهي تتمثل في فرط الإنتاج الذي تسبب فيه أساسا دعمُ الدولة الصينية لمنتجيها. لكن الإجراءات المقترحة مفرطة في عشوائيتها وستؤذي بلدانا عديدة من بينها أقرب حلفاء الولايات المتحدة وآخرين تقيدوا بقواعد النظام التجاري. ترتكز الرسوم الجديدة على نص قانوني لم يستخدم بنجاح على مدى عقود. ( المادة 232 من قانون التوسع التجاري لعام 1962 التي تسمح بوقف الواردات لأسباب تتعلق بالأمن القومي.) فسرت الإدارات الأمريكية السابقة النص بطريقة ضيقة تستلزم تقديم دليل بأن الاحتياجات العسكرية للبنتاجون لا يمكن الوفاء بها من داخل الولايات المتحدة أو من حلفاء وثيقين مثل كندا. فوزارة تجارة حكومة ترامب ركلت جانبا سابقة تمتد إلى نصف قرن حين توصلت إلى أن واردات الصلب بما في ذلك الواردات القادمة من أوثق حلفاء أمريكا تسببت في «إضعاف اقتصادنا الداخلي على نحو قد يضعف الأمن القومي». وبموجب قواعد التجارة الدولية الحالية ستنجو الولايات المتحدة بفعلتها هذه (فرض الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم.) فالمادة 21 من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية تقرر أن الدول حرة في اتخاذ ما تراه ضروريا لمصالحها الأمنية. لكن أعضاء المنظمة حرصوا على عدم إساءة استخدام هذا النص إدراكا منهم للخطورة الواضحة التي يمكن أن تترتب عن ذلك. والآن ستوجد الولايات المتحدة، وهي بلد ظل يدافع منذ فترة طويلة عن نظام المنظمة، ثغرة عملاقة في أحكام المنظمة ستنفذ منها في لهفة (وبكل سرور) بلدان أخرى. فالصين والهند والبرازيل ودول عديدة أخرى أكثر من قادرة على اختلاق مبررات مماثلة تتعلق بأمنها القومي لتقييد الواردات. إن أفضل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد هو ما جاء على لسان يوجي بيرا «لن تنتهي(المباراة) حتى تنتهي(حقا)». (يوجي لاعب بيسبول مرح تنسب إليه أقوال مرحة ومازحة وقد قال ذلك تذكيرا لزملائه بأن مباراتهم لم تبلغ نهايتها رغم سوء نتيجة فريقهم. ويقصد كاتب المقال بذلك أن إعلان ترامب لم يتحول إلى قرار نهائي بعد - المترجم) سيثير الإعلان المرتجل للرئيس ترامب رد فعل هائل. فالخسائر المحتملة التي يمكن أن تترتب عنه للشركات الكبرى المستخدمة للصلب بما في ذلك شركات السيارات الثلاث الكبيرة وشركات معدات البناء مثل كاتربلر وجون دير وقطاع الإنشاءات عموما ستدفعها كلها للتزاحم في البيت الأبيض والكونجرس. وربما ينجح معاونو ترامب ذوو النزعة الأكثر محافظة مثل مستشاره للاقتصاد القومي جاري كون في التخفيف من حدة الإجراءات. (قدم الرجل استقالته من منصبه - المترجم.) كما حذر البنتاجون أيضا من «أثرها السلبي على حلفائنا الرئيسيين». وذكرت حكومات أجنبية بما فيها بلدان الاتحاد الأوروبي والصين أنها سترد الصاع وتستهدف الصادرات الأمريكية. ووصف مفوض الاتحاد الأوروبي جان كلود يونكر الإجراء بأنه «تدخل صارخ لحماية الصناعة المحلية للولايات المتحدة ولا يرتكز على أي مبرر يتعلق بالأمن القومي». كما تمرد أهم حلفاء ترامب بالكونجرس. فرئيس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ أورين هاتش وصف الرسوم الجمركية بأنها «زيادة ضريبية لا يحتاجها الأمريكيون وليس في مقدورهم دفعها». لكن حتى إذا تبين أن إجراءات فرض الرسوم أكثر محدودية بعد أن يتم الكشف عن تفاصيلها إلا أن القرار يحدث ضررا كبيرا. لقد بنت الولايات المتحدة معمار الاقتصاد العالمي على صورتها.

وكانت منظمة التجارة إلى حد كبير ابتكارا أمريكيا. والآن ربما أن دونالد ترامب سيقوضها في نوبة تهور.