أفكار وآراء

أمريكا وأوروبا... الاختلاف في إطار التحالف

06 مارس 2018
06 مارس 2018

د.أحمد سيد أحمد -

خبير العلاقات الدولية -

تتميز العلاقات الأوروبية الأمريكية بالشراكة الاستراتيجية التاريخية التي تحكمها المصالح المشتركة الاقتصادية والسياسية وفى إطار المنظومة الحضارية الغربية المتقاربة في القيم الثقافية والدينية ونظم الحكم والتوجهات الاقتصادية الرأسمالية، حيث قادت الولايات المتحدة المعسكر الغربي الذي يضم في غالبيته الدول الأوروبية خاصة غرب أوروبا، خلال فترة الحرب الباردة مع المعسكر الاشتراكي، بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، كما يجمعهما حلف الناتو الذي أنشئ لمواجهة التهديدات الخارجية للقارة الأوروبية والأمريكية النابعة من الاتحاد السوفيتي وروسيا من بعده، إضافة إلى التهديدات الجديدة مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

رغم أن العلاقات بين أمريكا وأوروبا شهدت حالة من الشد والجذب والتباين في العديد من المواقف والقضايا، إلا أن حدة هذه الاختلافات زادت بشكل كبير بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة في عام 2017، حيث تسببت سياساته ومواقفه إزاء أوروبا أو تجاه القضايا العالمية الأخرى في حالة من عدم الثقة والتباعد بين الجانبين تمثلت في: أولا: القضايا المشتركة بين الجانبين: أدى انتقاد ترامب لحلف الناتو خلال حملته الانتخابية بأنه حلف عتيق وقديم، ومنتقدا ضعف إسهام الأوروبيين في ميزانيته العسكرية إلى ردود أفعال غاضبة من جانب الأوروبيين، وإحساسهم بتخلي الولايات المتحدة عن دورهما في المساهمة في توفير المظلة الحمائية الأمنية لهم ضد تهديدات روسيا وتهديدات الإرهاب وتوابع الأزمات العالمية، ورغم أن ترامب عاد وتراجع عن موقفه من حلف الناتو إلا أنه تمسك بمطالبة الأوروبيين، خلال قمة الحلف العام الماضي، بزيادة نسبة مشاركتهم العسكرية إلى 2%، وهو ما دفع الدول الأوروبية إلى التفكير في بدائل أخرى، منها إنشاء جيش أوروبي قادر على الدفاع عن أوروبا ضد مصادر التهديد التقليدية وغير التقليدية، كما أكدت المستشارة الألمانية ميركل أن الأوروبيين سوف يدافعون عن أنفسهم، لكن رغم تلك التحديات فإن الجانبين بحاجة لاستمرار حلف الناتو وتطويره خاصة في ظل تحديات وصعوبات إنشاء الجيش الأوروبي الموحد.

هناك أيضا قضية التجارة المشتركة، فقد أدت توجهات ترامب بفرض قيود على المعاملات التجارية مع العالم، واتهم الصين وأوروبا بعدم وجود تكافؤ في تلك المعاملات، إلى إثارة قلق أوروبا أيضا حول الحفاظ على حرية التجارة الدولة والاتفاقيات المبرمة في هذا الصدد، وشكل ذلك أحد أسباب الاختلاف بين الجانبين. كما أدى التأييد الأمريكي لبريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي إلى تفاقم حالة الشك وغياب الثقة بين الجانبين. ثانيا: القضايا العالمية: تسببت سياسات ترامب أيضا ومواقف إدارته في وجود فجوة متزايدة بينه وبين الأوروبيين شكلت تعارضا وتناقضا كبيرا في المواقف، في العديد من القضايا والأزمات العالمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، خاصة بعد قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في ديسمبر الماضي وهو ما أثار معارضة وانتقادا أوروبيا شديدين لخطورة هذا القرار وتداعياته السلبية على عملية السلام وانتهاكه للقوانين والقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، سواء مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة، حيث اعتبرت أوروبا، وخاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أن القرار يجهض عملية السلام، وأكدت أوروبا موقفها مجددا على حل الدولتين وفقا للمرجعيات الدولية وأن يتم تقرير مصير مدينة القدس وفقا للمفاوضات السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل وشاركت غالبية الدول الأوروبية بفاعلية في التصويت سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة لصالح قرارات ترفض قرار ترامب، كما أعلنت أوروبا عن دعمها للفلسطينيين، وتأييد موقف الرئيس أبو مازن بأهمية إيجاد آلية دولية متعددة الأطراف لرعاية عملية السلام بعد أن فقد الطرف الأمريكي حياديته ونزاهته في تلك العملية، لكن في المقابل يظل الدور الأوروبي في عملية السلام يواجه تحديات كبيرة في ظل الموقفين الأمريكي والإسرائيلي اللذين يرفضان التخلي عن القدس الشرقية ورفض إسرائيل لأي أدوار أخرى في عملية السلام غير الدور الأمريكي، كما حدث عندما رفضت المبادرة الفرنسية لإحياء عملية السلام في عام 2016.

هناك أيضا قضية التغير المناخي، بعد قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس وهو ما أثار انتقادا وغضبا أوروبيا باعتبار أن الولايات المتحدة تتخلى عن مسؤولياتها العالمية في الحفاظ على البيئة وكوكب الأرض بسبب التغيرات المناخية، وقاد الرئيس الفرنسي ماكرون التوجه الأوروبي للحفاظ على تلك الاتفاقية بالتحالف مع الصين وروسيا، وتشكيل جبهة عالمية للضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن قرارها.

ظهر التباين الأوروبي الأمريكي أيضا في قضية الهجرة غير الشرعية واللاجئين من الشرق الأوسط بسبب أزماتها المستعرة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ففي الوقت الذي استقبلت فيه الدول الأوروبية خاصة ألمانيا ملايين اللاجئين، وضعت الولايات المتحدة قيودا شديدة على أعداد اللاجئين تمثل في المراسيم العديدة التي فرضتها الإدارة الأمريكية على حظر سفر رعايا ثمانية دول، أغلبها إسلامية، للولايات المتحدة وكذلك فرض الحظر على اللاجئين من تلك الدول، وهو ما أثار قلقا وانتقادا أوروبيا، نتيجة لرفض الولايات المتحدة تحمل جزء من العبء الذي تتحمله أوروبا. وذات الأمر بالنسبة لانسحاب الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة اعتراضا على ما زعمته انحياز المنظمة للفلسطينيين واتخاذ مواقف عدائية ضد إسرائيل، وقامت بوقف تمويلها للمنظمة وهو ما يؤثر سلبا على دورها الثقافي العالمي في نشر التعايش والتسامح والحوار بين الحضارات والثقافات وحماية التراث العالمي ويرتبط به الموقف من الأمم المتحدة، فالأوروبيون يدافعون في اتجاه الحفاظ على المؤسسة الدولية وتفعيل دورها في حفظ السلم والأمن الدوليين ومعالجة المشكلات العالمية، بينما الولايات المتحدة تتخذ موقفا سلبيا منها وتوجه لها الاتهامات والانتقادات وتهدد بتقليص تمويلها لها وهو ما يؤثر سلبا على دورها العالمي.

العقوبات الأمريكية ضد روسيا على خلفية أزمة شبه جزيرة القرم والتي ضمتها إليها روسيا في 2014، وكذلك العقوبات على خلفية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، كانت محل اختلاف أيضا بين الأوروبيين والأمريكيين، حيث عارضت أوروبا فرض الولايات المتحدة لمزيد من العقوبات الاقتصادية وعلى قطاع الطاقة في روسيا، لما يحمله ذلك من تأثيرات سلبية على الشركات الأوروبية التي تدخل في استثمارات ومشروعات مشتركة مع الروس ومنها خط الغاز الجديد الذي يزود احتياجات أوروبا من الغاز الروسي. وذات الحال بالنسبة للموقف من اتفاق البرنامج النووي الإيراني الذي تم إبرامه في عهد إدارة أوباما، بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد، ففي الوقت الذي يدافع فيه الأوروبيون بشدة عن الاتفاق واستمراره، تشكك إدارة ترامب فيه وهددت بالانسحاب منه باعتبارات أنه لا يخدم المصلحة الأمريكية وبه عيوب وثغرات كبيرة لا تمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، إضافة إلى ربطه بالملفات الأخرى مثل البرنامج الصاروخي الإيراني الباليستي، وأنشطة إيران ودورها في المنطقة والأزمات العربية. ويعتبر الأوروبيون أن إجهاض الاتفاق سيؤدي إلى الانتشار النووي في العالم، إضافة إلى أنه يهدد مصالحها الاقتصادية واستثماراتها في إيران بعد رفع العقوبات، ولذلك شكلت هذه القضية أحد أبرز الاختلافات في السياسات والمواقف بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين.

لكن برغم هذه التباينات والتعارض في المواقف والسياسات بين أوروبا وأمريكا، إلا أنه يمكن القول أن مستقبل العلاقات بين البلدين، تحكمه الشراكة والتحالف الإستراتيجي التاريخي بين الجانبين، والمصالح والتهديدات المشتركة التي تجعلها أقرب للحفاظ على ذلك التحالف، من خلال فتح قنوات للحوار والتفاهم المشترك حول معالجة القضايا المختلفة، وهو ما بدا في زيارات ترامب الأوروبية العام الماضي سواء للمشاركة في قمة حلف الناتو أو المشاركة في قمة مجموعة العشرين، وتغير خطابه الحاد تجاه أوروبا والميل نحو إصلاح ما أفسدته تصريحاته السابقة وتغير مواقفه باتجاه التعاون مع أوروبا وتقوية حلف الناتو وترميم تلك الشروخات، وهو ما يعنى أن المستقبل يتجه إلى استمرار تلك الشراكة والتحالف ولكن مع استمرار الاختلافات والتباينات في المواقف والقضايا وهو ما تحكمه المصالح الخاصة بكل طرف.