1265175
1265175
تقارير

الولايات المتحدة تشرع في التحول إلـى المنتج المـرجح للنـفط

03 مارس 2018
03 مارس 2018

ترجمة: ترجمة قاسم مكي -

ضبط سعر النفط

إد مورس - نيويورك تايمز -

لإنتاج النفط الخام “المنفلت” في الولايات المتحدة وكذلك نمو إجمالي صادراتها النفطية آثار مثيرة على أسواق النفط العالمية. فهما يموضعان الولايات المتحدة على نحو سيجعلها أكبر مركز لصادرات النفط في العالم. لا شك أن ضجيجا يتعالى حول تفوق الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية وروسيا في وقت ما خلال هذا العام وتحولها إلى أكبر بلد منتج للنفط الخام في العالم. لكن الحقيقة هي أنها أكبر منتج للسوائل النفطية سلفا حيث تقوم الآن بتسويق ما يقرب من 15.5 مليون برميل في اليوم بما في ذلك النفط الخام والوقود الحيوي وسوائل الغاز الطبيعي. وبنهاية العام الحالي من المقرر أن يزيد إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من السوائل النفطية بأكثر من 50% عن حجم إنتاج روسيا أو السعودية. أيضا في مثل هذا الوقت من العام القادم من المقرر أن تضيف الولايات المتحدة مليون برميل في اليوم ليس فقط للإنتاج ولكن أيضا للصادرات مع تفوقها على كل من روسيا والسعودية في إجمالي صادراتها من السوائل النفطية التي يتوقع ان تتجاوز 8.3 مليون برميل في اليوم. لقد كانت بيانات شهر أكتوبر 2017 لافتة إذ تشير إلى زيادة بمعدل 2.2 مليون برميل في اليوم على أساس سنوي يشكل النفط الخام منها ما يقرب من مليون برميل في اليوم. أما الباقي فمنتجات نفطية وغاز بترولي سائل. لا يوجد شك في أن إنتاج النفط الأمريكي يرتفع الآن بوتيرة سريعة جدا. كما أجرت إدارة الطاقة الأمريكية في نوفمبر الماضي تصحيحا غير عادي للإنتاج الأمريكي يقرب من 400 ألف برميل في اليوم. ونحن نتوقع نمو إنتاج الخام الأمريكي بحوالي 1.4 مليون برميل في اليوم هذا العام ( في مقابل تقدير وكالة الطاقة الدولية البالغ 1.2 مليون برميل في اليوم.) هذا في حين ستشهد سوائل الغاز الطبيعي الأمريكي نموا بحوالي 550 ألف برميل في اليوم. يعني ذلك أن إجمالي الصادرات الأمريكية يمكن أن يرتفع بما يتراوح بين 1.1 مليون إلى 1.6 مليون برميل في اليوم هذا العام. وفي حين لا تزال الولايات المتحدة تستورد حوالي 2.5 مليون برميل إضافي من النفط الخام والمنتجات البترولية إلا أننا نتوقع ارتفاع الإنتاج الأمريكي بحوالي 3 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2020 مما سيجعلها بلدا فائضا نفطيا. وما هو أهم بكثير من ذلك الرقم حقيقة أن الولايات المتحدة أكبر مركز لتجارة النفط في العالم حيث بلغ إجمالي حجم المعاملات النفطية مؤخرا حوالي 16.5 مليون برميل في اليوم. وهذا يساوي حوالي نصف إجمالي إنتاج أوبك وربع إجمالي التجارة في النفط الخام والمنتجات البترولية في العالم. ولا يدانيها في ذلك أي بلد آخر. وفي الأثناء من المتوقع أن يزيد الحجم المطلق وكذلك النسبي لإجمالي تجارة النفط العالمية خلال نصف العام القادم أو لفترة أطول من ذلك. والآن دعونا ننظر في بعض التداعيات التي ستترتب عن تحول الولايات المتحدة إلى المركز العالمي للنفط. فمع نمو حصتها في السوق العالمية للنفط بفضل تزايد حجم إنتاجها، سيحاول في النهاية المنتجان العملاقان الآخران (روسيا والسعودية) إما حماية إيراداتهما بتقييد إنتاجهما أو الصراع حول الحصة السوقية لحماية حجم مبيعاتهما. إنهما بحاجة إلى التعاون من الولايات المتحدة لإيجاد سعر معتدل. لكن الولايات المتحدة (كمنتج نفطي) تضم شركات كثيرة متنافسة ويوجد لديها حافز محدود للتعاون فيما بينها وتفتقر للقدرة القانونية اللازمة لذلك. لكن هذه الشركات تملك القدرة على إنتاج المزيد والمزيد ولفترة طويلة جدا عند أسعار أقل كثيرا من الأسعار السائدة. فالولايات المتحدة بنفطها الصخري تتحول إلى المنتج المرجح الفعّال. لقد صار الطلب على الخام الأمريكي كمرجع لموازنة السوق أهم كثيرا من الطلب على أوبك. كما تعني الدورة القصيرة للنفط الصخري أيضا أنه يستجيب إلى حد معقول لإشارات السعر وأنه يمكنه في حد ذاته أن يكون العامل الرئيسي في جعل استقرار الأسعار مراوغا (صعب المنال.) وتتوقع مجموعة سيتي المصرفية تأرجحا في أسعار النفط بحوالي 25 دولارا أو أكثر سنويا في الخمسة أعوام القادمة مثلما حدث خلال الخمسة الأعوام الماضية. هذا أيضا يعزز دور الدولار الأمريكي كوسيلة لتسوية (معاملات) التجارة الدولية. لقد تأسس “البترو- دولار” على مقايضة ضمنية مع منتجي النفط ممن لديهم فائض هيكلي في الحساب الجاري. وفقا لتلك المقايضة كان على هؤلاء المنتجين إما الاحتفاظ بحصيلتهم من وارداتهم النفطية بالدولار أو استخدامها لشراء معدات عسكرية من الولايات المتحدة. ويهدف محللون عديدون (وبالتأكيد أيضا واضعو السياسات الصينيون) إلى استبدال الدولار الأمريكي بعملة الرينمينبي الصينية ليس فقط لسداد ثمن مشتريات النفط ولكن أيضا لتسوية المعاملات التجارية عموما. وهذه هي الفكرة الرئيسية لاستراتيجية “ الحزام والطريق” الصينية حيث حلت الصين محل الولايات المتحدة كأكبر بلد مستورد للنفط في العالم. لكن “البترو- رينمينبي” يواجه عائقا كبيرا للحلول محل البترو- دولار. فالولايات المتحدة دورها مهيمن ومتنام كمركز عالمي لتجارة النفط والغاز وستبيع بالدولار وتشتري بالدولار كذلك وليس بالرينمينبي. وللمفارقة لقد صارت الصين واحدة من أكبر اثنين أو ثلاثة مشترين للنفط الخام والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة مما يعرقل أكثر من جهود تأسيس نظام البترو- رينمينبي. فالجيوبوليتيكا الجديدة للنفط تضع الولايات المتحدة في مركز التجارة العالمية للنفط والغاز. وهذا يحرم المنتِجَين الكبيرين الآخَرَين روسيا والسعودية من نفوذ تسعير النفط وأيضا من التأثير على السياسة النفطية. كما يعني أيضا أن الولايات المتحدة، بتعزيزها اتجاهات السوق، تتحول إلى مركز التسعير العالمي للنفط على الرغم من أنها ستكون في هذه الحال مركزا محروما من القدرة المباشرة على ترويض تقلبات السوق. وفي الواقع تتطلع أسواق النفط في المستقبل لسقف أسعارٍ يتراوح بين حوالي 65 إلى 70 دولارا للبرميل وحَدَّا أدنى (أرضية) لهذه الأسعار عند 40 دولارا للبرميل. وفي الأثناء يتأرجح إنتاج الصخري الأمريكي بين مد وجزر.

النفط الصخري سيساهم في عدم استقرار السعر في المستقبل

روبرت مكنالي- الفاينانشال تايمز -

يبدو مُطَمئنَا الإجماعُ بأن أسعار النفط الخام ستتراوح عند 60 دولارا للبرميل في الأعوام القادمة وأن الإنتاج المرن للنفط الخام الأمريكي سيلعب دورَ “المنتج المرجح” الذي يحول دون حدوث ارتفاعات كبيرة ومفاجئة في الأسعار. لكن ليس مرجحا أن يكون سعر الـ 60 دولارا للبرميل هو “السعر العادي الجديد” تماما كما لم يكن مرجحا أن يكون سعر الـ 100 دولار كذلك قبل خمسة أعوام مضت. فالتاريخ القريب والخصائص الجوهرية للنفط الصخري واتجاهات العرض والطلب التي تلوح في الأفق تشير كلها بشدة إلى أن النفط الصخري في الغالب سيساهم في عدم استقرار الأسعار بدلا عن العكس. ومن الحيوي التمييز بين إنتاج الدورة القصيرة والإنتاج المرجح. فإنتاج النفط الصخري الذي يتسم بقصر دورته يتقلص ويزداد(حين يفعل ذلك) بسرعة أكبر من إنتاج النفط التقليدي (أرباع سنة بدلا عن سنوات.) لكن إنتاج النفط الصخري تتولى القيام به العشرات من الشركات العامة والخاصة. وهي شركات تتميز كل منها بخصوصيتها إلى حد كبير وتتنافس فيما بينها لتعظيم احتياطياتها وإنتاجها. من الممكن أن يثبِّت “جزرُ ومد” دورة إنتاج النفط الصخري “ الأقصر” الأسعار. لكن ذلك سيحدث مصادفة فقط وبناء على أساسيات السوق السائدة. مثلا كان الظهور السريع للنفط الصخري بعد عام 2010 وليدَ الصدفة حيث جاء في الوقت الملائم تماما للتعويض عن شح في السوق زاد من وطأته توقف الإمدادات الليبية. كما ساهم في تثبيت سقفٍ أعلى للسعر حول 100 دولار للبرميل. لكن بعد ثلاثة أعوام لاحقا ساهم النموُّ المتواصل لإنتاج النفط الصخري في صدمة انهيار سعر النفط من 100 دولار إلى 30 دولارا للبرميل بعد أن امتنع منتجو أوبك عن إفساح المجال للنفط الصخري بخفض إنتاجهم. إن الإنتاج المرجح (الضابط للأسعار) حقا شيء مختلف جدا. فالمنتجون المرجحون يضمون في صفوفهم عددا صغيرا نسبيا من كيانات تسيطر، بمباركة حكومية، على الجزء الأكبر من آبار منخفضة التكلفة وتتواطأ بموجب تفويض لتثبيت أسعار النفط. تشمل الأمثلة التاريخية لها لجنة تكساس للسكة الحديد وولايات نفطية أخرى والشقيقات السبع (كبرى شركات النفط) وأوبك. فالمنتجون المرجحون يجعلون تعظيمَ الربح في مرتبة أدنى من استقرار السعر ويتحملون تكاليف تعطيل قدراتٍ إنتاجية أو الاحتفاظ بها كاحتياطي لمواجهة حالات توقف الإنتاج أو الارتفاع غير المتوقع في الطلب. إنهم يبادرون إلى ضبط الإنتاج بسرعة بمعايير الصناعة النفطية ( أي خلال أسابيع) ولفترة غير محددة من أجل خفض تقلب الأسعار وتثبيت توقعات السعر في الأجل الطويل. لا جدال في أن النفط الصخري أثَّر على الأسعار العالمية للنفط الخام ومزيجه وتدفقات تجارته. لكن إنتاجه أقل وأبطأ وأكثر تنافسية من أن يلعب دور المنتج المرجح ( إذا حاول الرؤساء التنفيذيون لشركاته التواطؤ فسيواجهون السجن.) فبخلاف مقتهم لدورات ازدهار وتدهور الأسعار لا يشترك منتجو النفط الصخري في شيء آخر يستحق الذكر. وإذا ألقينا نظرة على المستقبل سنستبعد ارتفاع إنتاج النفط على نحو مستدام بما يكفي لإشباع نَهَم العالم. لقد عززت ثلاثة أعوام من انخفاض أسعاره من الطلب عليه. كما سيتأخر التحول الذي كثر الحديث عنه من محركات الوقود إلى السيارات الكهربائية عن الموعد المُعلَن له. فنمو اقتصاد العالم بما يقرب من 4% ،حسب توقعات صندوق النقد الدولي، سيحتاج إلى صافي زيادة سنوية في الإنتاج تقارب مليوني برميل في اليوم. وهذا يعني إضافة إمدادات جديدة يتراوح إجماليها بين أربعة إلى خمسة ملايين برميل في اليوم إذا وضعنا في الاعتبار التدهور (الطبيعي) في إنتاج الحقول الحالية. وحتى إذا حقق النفط الصخري نموا بمعدل مليون برميل في اليوم سنويا فسوف لن يَفِي لوحده باحتياجات العالم من الإمدادات النفطية. لذلك ما لم يحدث تراخٍ اقتصادي سيكون اقتصادُ العالم في أوائل العقد القادم مفتقرا إلى إنتاج نفطي جديد من مشروعات إنتاج الدورة الطويلة التقليدية والتي تم إلغاؤها أو تأجيلها منذ انهيار الأسعار في عام 2014. وستصل المخزونات النفطية الى مستواها العادي وسط سعة إنتاج احتياطية ضئيلة جدا (تصل هذه السعة حاليا إلى حوالي 2.5 مليون برميل في اليوم فقط أو أقل من 3% من الإمدادات العالمية ومن المرجح أن تهبط.) وهي قليلة مقارنة بحجم الإمداد النفطي الذي يتعرض لخطر التوقف لأسباب جيوسياسية (حوالي 4.5 مليون برميل في اليوم حاليا.) وسترتفع الأسعار بِشِدَّة (ستعود في الغالب إلى العدد الثلاثي الأرقام أو مائة دولار فما فوق للبرميل) لتقييد الاستهلاك وعكس علاوة مخاطر متفاوتة. ولا يراهن منتجو مجموعة فِيَينَّا (أوبك وحلفاؤها الجدد من خارجها بقيادة روسيا) على النفط الصخري كمنتج مرجح. لقد صَعَّد وزير النفط السعودي خالد الفالح من تحذيراته التي ترجح أن الإمدادات غير الكافية والطلب سيضغطان على السوق بشدة في الأعوام القادمة على الرغم من النفط الصخري. ومؤخرا حث سهيل المزروعي وزير النفط الإماراتي أعضاء مجموعة فيينا على استعادة طاقة الإنتاج الاحتياطية المستنزفة لمقابلة الزيادات غير المتوقعة في الطلب أو الانقطاعات في الإمداد. وفي حين يظل خطر ضعف سعر النفط في الأجل القريب ماثلا إلا أن تركيز مجموعة فيينا سيتحول في النهاية من التقيد بالتخفيضات إلى كفاية الطاقة الإضافية لإنتاج المجموعة. وعلى كل أحد يراهن على أسعار للنفط تتراوح حول 60 دولارا للبرميل أن يسقط من اعتباره النفط الصخري وأن يأمل بدلا عن ذلك في قيام مجموعة فيينا بدور المنتج المرجح الحقيقي بزيادة طاقة الإنتاج الاحتياطية. لكن مجموعة فيينا ستجد أن تقييد الإنتاج عند ارتفاع الطلب أكثر صعوبة منه عند اجتياح الإمدادات للسوق بدافع الطمع في ارتفاع الأسعار بعد حلوله محل الخوف الذي تولَّدَ عن انهيارها.

• الكاتب مؤسس ورئيس مجموعة رابيدان الاستشارية للطاقة ومستشار سابق للبيت الأبيض في شؤون الطاقة ومؤلف كتاب “تقلبات النفط : تاريخ ومستقبل ازدهار وانهيار أسعار النفط.”