salim
salim
أعمدة

إضاءة :عشاق المعرفة

01 مارس 2018
01 مارس 2018

سالم الحسيني -

يودّع غدا روّاد معرض مسقط الدولي للكتاب ضيفهم العزيز الذي أوجد على مدى عشرة أيام حراكا ثقافيا منقطع النظير، وشهدت أروقته العديد من المناشط الثقافية والفنية والمعرفية التي كان لها الأثر البالغ والانطباع الحسن لدى شريحة واسعة من المجتمع العماني، حيث رسمت على محياهم البهجة والسرور، وأدخلت على قلوبهم الفرحة والحبور، وقد شهدت أروقته قوة شرائية فاقت التوقعات، مرت أيامه ولياليه وكأنها طيف عابر.. كانت حافلة بالعديد من الفعاليات الثقافية والأمسيات المتنوعة التي أشبعت النهم المعرفي لمختلف شرائح المجتمع، وقد كان للفنون العمانية التقليدية المصاحبة حضور ملفت في سابقة هي الأولى من نوعها تحسب للمنظمين في نسخته الـ23 لهذا العام الذي ظهر في أبهى حلة وأرقى تنظيم.

إن الإقبال الشديد والتزاحم الذي فاق التصور على المعرض من مختلف الفئات والأعمار أدحض كل النظريات القائلة بتراجع الكتاب الورقي أمام الكتاب الإلكتروني وأثبت أن المكانة العالية والمنزلة الرفيعة لا تزال تتربع على قلوب ونفوس ومهج أغلب أطياف المجتمع ومختلف شرائحه بشتى مشاربهم الثقافية والعلمية والأدبية، وأظهر بجلاء ثقافة هذا الشعب وإدراكه لأهمية القراءة وتشربهم بالعلم النافع وحرصهم على استقائه من منابعه وموارده، كذلك أبرز حب وتهافت المجتمع العماني على اقتناء العديد من الكنوز التي احتوتها دور النشر التي جاءت لعرض بضاعتها من بلدان مختلفة قاربت الثلاثين دولة من مختلف دول العالم، كما أظهر ذلك الزحف المهول نحو معرض الكتاب توجه المجتمع العماني وتشربه لمختلف الثقافات وحرصه على استقاء علومه في مظانها الحقيقية ومن مختلف مصادرها دون تحفّظ او تخوّف من أية ثقافة كانت فمن كان مطمئنا لثقافته ومنهجه فقد آوى إلى ركن شديد ولا تزيده ثقافة الآخرين إلا رصيدا ثقافيا وعلميا وثباتا على ما عنده من علم ومعرفة وخلق رزين، فثقافة الشعوب سلع متبادلة يكمل كل مجتمع ما عند الآخر فيتأثر ويؤثر، يأخذ من الآخرين ما يناسب ثقافته وأخلاقه وعاداته الحسنة التي تربى عليها، ويمنحهم أفضل ما عنده من ثقافات وعادات حسنة، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.

وخير دليل على توسع مدارك العمانيين وحبهم للاطلاع على ثقافة الآخرين تنوع مشترياتهم التي لم تقتصر على جانب معرفي معين، فهناك العديد من العناوين في شتى العلوم والمعرفة قد نفدت في الأيام الأولى من المعرض منها الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية وتنمية الذات، والعديد من الإصدارات الأدبية والفكرية وكتب الأطفال وأيضا الإصدارات الإلكترونية بمختلف أنواعها، الأمر الذي يثبت يقينا أن عشق الثقافة وتنوعها ديدن هذا الشعب وجزء لا يتجزأ من مكونات حياته منذ أمد بعيد، وهذا ما شهد به القاصي والداني فقد جاب العمانيون من غابر الأزمان شتى بقاع الأرض وضربوا أصقاع الدنيا نشروا ثقافة الحب والعدل والمساواة بين الشعوب وأخذوا منهم ما يخدم توجههم الخيّر الذي يشهده العالم اليوم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وما زادنا فخرا واعتزازا ما اتحفنا به علماؤنا الأجلاء وكتابنا الفضلاء هذا العام من إصدارات جديدة في علوم الدين والتاريخ وفي شتى العلوم المختلفة بفكرهم المعتدل وطرحهم الخلاّق، والتي شغلت حيزا وافرا من ساحة العرض، وحازت على إعجاب الزوار ومرتادي المعرض من شتى مشاربهم، فكانت ملهمة للأفكار والخواطر وأضافت إلى رصيد القارئ الكثير، وفتّحت مداركه نحو المزيد من الثراء المعرفي، فجزاهم الله عنا خير الجزاء.

وما شد انتباه الزوار ومرتادي معرض الكتاب لهذا العام تلك التحفة المعمارية الجميلة المتمثلة في مبنى المركز الدولي للمؤتمرات والمعارض الذي احتضن تلك الفعاليات للمرة الثانية، فقد أضفت تصاميم المبنى الجميلة وأروقته الفسيحة وصالاته الواسعة المزيد من الألق، وقد صممت المداخل والمخارج المؤدية ومن وإلى ساحته ومواقفه المتعددة بطريقة سلسلة وسهلة إلى أبعد الحدود. كما ولّدت إطلالته الرائعة على معالم العاصمة مسقط من خلال تلك الربوة العالية بوسط العاصمة مسقط وموقعه المتميز على ملتقى طرق القادمين من أنحاء مختلفة من الولايات والمحافظات انطباعات خاصة لدى الضيوف وكافة مرتاديه من داخل وخارج السلطنة، وخففت عليهم الكثير من العناء وأوجدت في نفوسهم المزيد من الارتياح والذكريات الجميلة.