أعمدة

نوافـذ: حياتنا.. مجموعة خرائط

27 فبراير 2018
27 فبراير 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

بثت إحدى الإذاعات الناطقة باللغة العربية خبرا مفاده، أن عائلة كانت تعاني من صياح طفلها المريض بـ «التوحد» لمدة تصل إلى (23) ساعة في اليوم، مما اضطرها إلى الانتقال من الحي الذي كانت تسكنه، والسكن في مكان بعيد عن المدينة، بسبب شكاوى السكان المتكررة لصياح هذا الطفل المستمر طوال هذه المدة كلها، وتحدث المفارقة في توقف هذا الصياح؛ بوقوع خارطة في يد الأم أثناء أخذها لطفلها إلى إحدى المشافي في المكان الجديد، فما أن وقعت الخارطة على أعين هذا الطفل؛ حتى هدأت نفسه، وتوقف عن الصياح، ومن يومها بدأ الطفل يتعامل مع هذه الخارطة بشيء من السلوكيات الإيجابية، حيث بدأ يرسم على القماش مجموعة خرائط معبرة عن أشكال كثيرة، وتوسع الأمر في مرحلة لاحقة من حياته، لأن تصل الأسرة كلها إلى إنتاج غزير من الأشكال المعبأة بمجموعة خرائط، وفتح لها مجال تسويق المنتج الذي عبر عن علاقة غير مألوفة بين هذا الطفل وبين مجموعة الخرائط التي قادته وقادت أسرته إلى وضع اجتماعي واقتصادي غير متخيل، ولا معمول له حساب على امتداد خارطة حياتهم السابقة، وسبحان الله «وإن لله في خلقه شؤون».

وفي الوقت الذي كنت استمع الى هذا الخبر الطريف والغريب، أقرأ في الوقت نفسه خبرا نشرته بعض الصحف يقول: «نجح علماء في تطوير تقنية حديثة تسهل عملية رسم الخرائط الجينية «فك الشيفرات الوراثية» للكائنات الحية، وتقلل من تكلفتها، وعرض العلماء التقنية الجديدة من خلال فك شيفرة الحمض النووي (DNA) للبعوض الناقل لفيروس «زيكا»، وبحسب الباحثين، استغرق مشروع رسم خريطة الجينوم البشري (10) سنوات، بتكلفة بلغت (4) مليارات دولار، إلا أن التقنية الحديثة ثلاثية الأبعاد يمكنها القيام بنفس العمل في بضعة أسابيع بتكلفة تقل عن (10) آلاف دولار».

وفي ذات السياق «أطلقت منظمة «ميدسان سون فرنتييتر» – حسب مجلة (نيو ساينتست) – مشروعا يسمى «الخرائط المفقودة»، ويسعى لإنشاء خرائط أساسية للمدن والأحياء الفقيرة العشوائية المنتشرة على امتداد العالم، وتأمل المنظمة تحسين حياة ملايين الأشخاص عبر تحديد موقع تلك العشوائيات، وشكل البنى الأساسية، ومصادر التلوث، والمرض الموجودة بها، وذلك بالاعتماد على فرق من المتطوعين».

واختم هنا بخبر ثالث يقول: «لعبت الشبكة العنكبوتية – حسب المصدر - دورا مهما في تغيير الطريقة التي تعد وترسم بها الخرائط، على نحو يمكن الناس العاديين الذين يطلق عليهم وصف «رسامي الخرائط المواطنين» من العمل جنبا الى جنب مع المغامرين الشجعان والجغرافيين المحترفين، ليبدأ عصر ذهبي ثان لرسم الخرائط على الإنترنت، يجلب معه فوائد اقتصادية واجتماعية لا تقل أهمية. والواقع أن الخرائط الدقيقة تكسر الحواجز الجغرافية، وتعمل على تمكين الأفراد من الوصول إلى وجهاتهم المرغوبة، وتمكين الشركات من الوصول إلى المستهلكين في أي مكان، وإثراء آفاق البشر».

اليوم نسمع كثيرا في نشرات الأخبار، السياسية منها على وجه الخصوص، مصطلح «خارطة طريق» لكثير من القضايا السياسية والعسكرية في دول العالم، وهذا المصطلح؛ يقينا؛ ليس المقصود به وضع الخارطة التي نعرفها التي تحدد الحدود والمواقع الجغرافية، وإنما هي مجموعة خطط وبرامج لمعالجة هذه القضية أو تلك، وإنما يأتي مصطلح «خريطة» للاستدلال به عبر الخطوات التي يجب اتخاذها للوصول إلى حلول جذرية تنهي حدود المشاكل المتأزمة بين مختلف الأطراف، لأن الخرائط عبارة عن خطوط طول وعرض لا تقبل التأويل والتفسير، وإنما تضع محددات قطعية مقبولة كانت أو غير مقبولة، وهي التي تقود في النهاية إلى الوصول إلى النتائج المأمولة، ولنا اليوم في خرائط جوجل الإلكترونية مبلغ العلم والأثر، فهي التي تقودنا إلى الأماكن التي نريدها، ولو كنا في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، حيث لا يهم من نحن، ولماذا نريد، فهذه الخرائط الاستدلالية لا تسأل عن جنسيتك، ولا هويتك، ولا دينك، ولا لونك، إنما تطلب منك المعرفة؛ فقط؛ في كيفية التعامل معها، ومتى ملكت المعرفة قادتك إلى ما تريد، بكل يسر وسهولة.