1256219
1256219
إشراقات

خطبة الجمعة تحث على تخصيص أوقات للقراءة والتفاعل مع الكتاب

22 فبراير 2018
22 فبراير 2018

لأهميتها التي تحظى بها ولأجل عظيم مكانة العلم في الإسلام -

حثت خطبة الجمعة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المجتمع على تخصيص أوقات للقراءة والتفاعل مع الكتاب واستغلال الأوقات بما هو نافع ومفيد.

مشيرة الى أهمية القراءة التي حث عليها الدين الحنيف من خلال كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ونبهت الى أن اهـتمام البعض وللأسف منصب على قنوات التواصل الاجـتماعية فهم لا يقرأون غيرها ولا يتفاعلون إلا معها فهجروا لأجل ذلك القراءة التخصصية النافعة وهجروا الكتب العلمية المفيدة التي تكون العلم وتصنع الفكر وتقوم التوجه والسلوك.

ودعت الخطبة الآباء الذين تقع عليهم مسؤولية عظيمة في هذا الباب بأن عليهم تحبيب القراءة لأبنائهم وضبط استعمالهم للتقنيات الحديثة وصنع توجه لديهم للاهتمام بالقراءة النافعة المفيدة.. والعمل على اسـتغلال أوقاتهم في النافع المفيد.. وإلى نص الخطبة المعنون بـ رسالة (اقرأ) الحضارية».

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيـه من خلقه وخليله، خاطبه ربه بـ (اقْرَأْ)، وعلمه ما لم يكن يعـلم وكان فضل الله عليه عظيما، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإني أوصيكم- عباد الله- ونفسي بتقوى الله عز وجل، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، واعـلموا- رحمكم الله- أن العلم له في هذا الدين العظيم منزلة عالية رفيعة، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، ويقول سبحانه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). والعلم لا يحصل إلا بالتعلم، ولا يكون إلا بالسعي والطـلب، يقول الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يطـلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجـنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع).

أيها المؤمنون:

لما كان رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم في عزلته بغار حراء، في وقت فترة من الرسل، وانقطاع من الوحي، والعالم غارق من حوله في أوحال الانحرافات والضلالات، وسابح في ظلمات الشرك والوثنية، جاءه هنالك الوحي من السماء، ليعيد للفطرة طهارتها، وللهدى سبيله، ويبدأ نور الله يسري في الأرض من جديد، فكان أول ما نزل من الوحي قول العليم الخبير: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، إن في هذا الحدث إشارة كافية لنا - معاشر المؤمنين - أن هذه الأمة قائمة على العلم، وأن القراءة لها في ديننا منزلة رفيعة، فقد كانت أول كلمة نزلت على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأول أمر له من الله سبحانه قول المولى جل وعلا: (اقْرَأْ)، ثم يتكرر الأمر (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)، ثم يتـلو ذلك قوله سبحانه مبيـنا نعمته على خلقه: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، وهنا يذكر الله عز وجل تعليمه بالقلم قبـل ذكر منته على الإنسان بتعـليمه ما لا يعـلم، والقلم وسيلة كتابة، فبقدر ما يحوي هذا التنزيل العزيز من إشارات على أهمـية العلم، فإن دلالته على أهمـية القراءة بالتحديد أعظم، فما أعظمها من بداية لمشوار الدعوة، وما أجملها من انطلاقة لبناء أمة.

أيها الأحبة:

إن في آي كتاب الله عز وجل ما يشير أيضا إلى أهمـية القراءة ورفيع منزلتها، ومن ذلك قوله سبحانه في سورة المزمـل التي كانت من أوائل ما نزل من القرآن: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ)، وقد أقسم الله جل جلاله بالقلم في السورة التي سمـيت به فقال: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)، وما القلم إلا أداة لكتابة ما يقرأ، إنه ليس بعجيب أن يكون للقراءة هذه المنزلة والأهمـية، فهي أوسع طريق للعلم، وأنجح سبيل للتعـليم، بالقراءة تفـتح المعارف للفرد أبوابها، وتزيح الثقافات له حجابها، وبالقراءة تتصل علوم المتقدمين بمعارف اللاحقين، وبها تؤخذ العبرة من أخبار الماضين؛ فكل أمـة تحـتاج إلى القراءة، وكل حضارة لا يمـكن أن تقوم من دونها، ومما اتفق عليه أهـل العقول أن الأمـة التي لا تقرأ لا ترقى، وقد قيل: أمـة لا تقرأ تموت قبـل أوانها؛ وقد جاء - لأجـل ذلك - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى بعض أسرى المشركين ببدر ممن يعرف القراءة والكتابة منهم، بأن يعـلموا جماعة من المسلمين. والمسلمون في بداية تكوين دولتهم ومجـتمعهم بحاجة -لا ريب- إلى هذا الركن الأساسي لقيام الحضارة.

إخوة الإيمان:

لأجـل هذه الأهمـية التي تحظى بها القراءة، ولأجـل عظيم مكانة العلم في الإسلام، انطلق المسلمون في ميادين العلم، يدخلون من أبوابه أوسعها، ويفـتحون من مغاليقه أنـفعها، فخطت أيديهم المباركة المؤلـفات، وانكبوا على كتب «الأمم السابقة» قراءة وترجمة، وأسسوا المدارس العظيمة، وبنوا المكتبات الضخمة، فبهروا العالم بمعارفهم وعلومهم، وكونوا حضارة علم بحق. ولنقف على حالهم؛ يقول أحد علمائهم: «وأعرف من أصابه مرض من صداع وحمى وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، فإذا غلب وضعه»، ويقول آخر: «وإني أخبر عن حالي، ما أشـبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره، فكأني وقعت على كنز»، ويقول أحدهم: «إني لا أعـلم شجرة أطول عمرا ولا أطـيب ثمرا ولا أقرب مجـتنى من كتاب»، ويذكر عن أحد أئمة المغرب العربي أنه أرسل إلى أهـل عمان ألف دينار لينسخوا له ما تيسر من كتبهم. هكذا اهـتموا بالعلم- عباد الله-، وهكذا اهـتموا بالقراءة، فسبقوا غيرهم من الأمم والشعوب. يقول أحد المسـتشرقين: «إنه في الوقت الذي لم يكن يوجد فيه أمـي في الأندلس كان لا يعرف القراءة والكتابة في أوروبا معرفة أولية إلا «الطبقة العليا» من القساوسة».

فاقدروا - رحمكم الله - للقراءة حق قدرها، وأدركوا عظيم مكانتها، واجعلوا لها حظا من أوقاتكم، واعـلموا أن خير ما قرئ كتاب الله، فهو الهدى والنور، فلا تهجروه ولا تهملوه، (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

*** *** ***

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحـبه ومن ولاه.

أما بعد، فاعـلموا - رحمكم الله - أنه ينبغي على كل فرد منا أن يجعل القراءة جزءا أصيلا في حياته. كم كتابا يقرأ الفرد منا في العام - أيها الكرام -؟ وكم كتابا نقرأ لأبـنائنا؟ وكم كتابا اشترينا لهم؟ وكم كتابا نصحـناهم بقراءته؟ إنها أسـئلة تحدد لنا إجاباتها مسـتوى اهـتمامنا بالقراءة، ودرجة أهمـيتها في حياتنا. إن اهـتمام - بعض الناس - وللأسف منصب على قنوات التواصل الاجـتماعية، فهم لا يقرأون غيرها، ولا يتفاعلون إلا معها، فهجروا لأجل ذلك القراءة التخصصية النافعة، وهجروا الكتب العلمية المفيدة، التي تكون العلم، وتصنع الفكر، وتقوم التوجه والسلوك. إنه يجدر بنا - أيها الأحبـة - أن نخصص لنا أوقاتا محددة للقراءة، نتفاعل فيها مع الكتاب، ونجني فيها من حدائق العلم والمعرفة، ولو لدقائق يسيرة في اليوم، وتقع على الآباء مسؤولية عظيمة في هذا الباب، فعليهم تحبيب القراءة لأبنائهم، وضبط استعمالهم للتقنيات الحديثة، وصنع توجه فيهم يعنى بالقراءة النافعة المفيدة.

فاتقوا الله- عباد الله-، واسـتغلوا أوقاتكم في النافع المفيد، وأنفقوا أعماركم فيما فيه خير الدارين، فقد جاء عن رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس؛ عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل بما علم)، واحرصوا- وفقكم الله- على حسن تنشئتكم لأفلاذ أكبادكم، وحسن توجيههم ورعايتهم، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).