أفكار وآراء

سياسة أمريكية للهجرة في القرن الحادي والعشرين

21 فبراير 2018
21 فبراير 2018

روبرت سامويلسون -

واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

نحن بلد مهاجرين لا يرتاحون للهجرة. فهنالك تاريخ طويل للاستياء من المهاجرين يعود إلى أيام الهجرة الأيرلندية (للولايات المتحدة) في أربعينات القرن التاسع عشر والهجرة الصينية بعد عقود قليلة من ذلك. يتباين هذا الضيق مع قدرتنا التي ثبتت عمليا على استيعاب القادمين الجدد. لقد حان الوقت للتغلب على هذا الإرث ذي الوجهين بتبني سياسة هجرة ملائمة للقرن الحادي والعشرين. كيف ستبدو مثل هذه السياسة؟ سيحصل بموجبها معظم الحالمين على وضعية قانونية . (الحالم، بحسب قاموس أكسفورد، شخص يعيش في الولايات المتحدة بدون وثائق رسمية منذ مجيئه كحدث أو طفل. ومن ينتمون لهذه الفئة ممن يستوفون شروطا معينة يمكن أن يتأهلوا للحصول على وضعية هجرة خاصة بموجب تشريع فدرالي أقترح أول مرة عام 2001 – المترجم .) كما سيتحقق ذلك لمقيمين آخرين عديدين لا يملكون أوراقا ثبوتية لكنهم عاشوا حياتهم في ظل احترام للقانون. وفي مقابل ذلك سيكون هنالك تشدد في أمن الحدود (يشمل بناء جدار أو ما يكافئه) ومطالبة لمعظم أرباب العمل بمراجعة وضعية هجرة عامليهم من خلال شبكة إلكترونية (مثل برنامج «إي فيريفاي» أو التحقق الإلكتروني .) من شأن هذه الخطوات التقليل على نحو مثير من أعداد المهاجرين الذين يفتقرون إلى وثائق هجرة رسمية. وفيما يخص الهجرة الشرعية فسيكون هنالك سقف في حدود حوالي مليون مهاجر سنويا. وهو العدد الذي كان حتى وقت قريب يشكل الحد الأعلى لقبول المهاجرين الجدد. لكن سيكون هنالك تغيير أساسي في المعايير الموضوعة للهجرة القانونية تمتد من العلاقات الأسرية إلى مهارات أماكن العمل. فكلما كان المهاجرون أفضل تعليما كلما تيسر لهم التواؤم مع المجتمع الجديد. هنالك ثلاثة أسباب على الأقل لتأييد هذا النظام. أولا، أدى النظام الحالي للهجرة إلى ارتفاع مستوى الفقر في الولايات المتحدة. وكان السبب المباشر في ذلك تدفقات المهاجرين ضعيفي المهارات سواء الشرعيين منهم أو غير الشرعيين. وبدا كأنما توجد جهة تعمل تحت اسم «مكتب العمال غير المهرة» وتكرس جهودها لزيادة الفقر في الولايات المتحدة. ففي الفترة من 1980 إلى 2016 زاد عدد الأشخاص الذين تنخفض دخولهم عن الحد الأدنى الحكومي لتعريف الفقر بحوالي 11.3 مليون (من 29.3 مليون إلى 40.6 مليون فقير .) ينحدر ثلثا هؤلاء الفقراء أو ما يساوي 7.6 مليون من أصول إسبانية لاتينية. ومن الواضح أن جزءا كبيرا من هذه الزيادة (في الفقر) يعكس أثر المهاجرين وأطفالهم. ثانيا، يعزز وضع المهاجرين الراهن انتهاك القانون والقمع. وهذا ما يزعج عن حق (ولأسباب مختلفة) من يقفون على جانبي الجدل حول الهجرة. فأحد طرفي هذا الجدل يعتبر المهاجرين غير الشرعيين أشخاصا مخالفين للقانون يجب أن يقروا بجريمتهم وعليهم تحمل نتيجتها وهي إبعادهم عن البلاد. لكن بالنظر إلى وجود ما يقدر بحوالي 11 مليون مهاجر شرعي يوجد شك، كما يبدو، في حصول مثل هذا الإبعاد. أما الطرف الآخر في الجدل فيعتبر إجراءات تطبيق القانون التي لا تنتهي والمتمثلة في الغارات على المنازل وأماكن العمل أسلوبا مخيفا لدولة بوليسية لا يجدر بالولايات المتحدة أن تلجأ إليه. ولا توجد طريقة حقيقية للتخلص من هذا الانسداد إلا بالبداية من جديد. ثالثا، المهاجرون المهرة مفيدون للاقتصاد. صحيح لا يمكن لهم أن يعززوا لوحدهم المعدل السنوي للنمو الاقتصادي إلى نسبة 3% أو 4% من المعدل الذي ظل يتراوح عند ما يزيد قليلا عن 2% في الأعوام الأخيرة. ولكن كل إضافة قليلة لهذا النمو مفيدة. ومن بين المجالات التي يتألق فيها المهاجرون ريادة الأعمال. ففي دراسة عن الشركات الجديدة، وجد الاقتصاديان ويليام كير من جامعة هارفارد وزوجته ساري بيكالا كير من كلية ويليسلي أن حوالى رُبع مؤسسي الشركات كانوا مهاجرين. وهذا شيء مهم لأن الهجرة بعدما تقلصت لسنوات قليلة بدأت تزداد مجددا. ويقدر ستيفين كاماروتا، من مركز دراسات الهجرة الذي يتبنى سياسات هجرة متشددة، العدد الإجمالي للمهاجرين الجدد في عام 2016 بما يقرب من 1.8 مليون شخص. إذا تأكدت صحة هذا الرقم في التعداد النهائي فسيكون مساويا لعدد المهاجرين في عام 1999 كأعلى رقم للهجرة على الإطلاق. وإجمالا، يوجد الآن أكثر من 43 مليون مهاجر شرعي وغير شرعي في الولايات المتحدة. ويشكلون حوالى 13% من مجموع السكان، بحسب معهد سياسات الهجرة الذي يؤيد بشكل عام تبني سياسات هجرة أكثر مرونة. ويمثل أبناء المهاجرين المولودين في الولايات المتحدة مجموعة مقاربة في حجمها لهذه النسبة تقريبا. وهذا يعني أن حوالي ربع إجمالي سكان الولايات المتحدة إما مهاجرين أو أبناء مهاجرين. والشيء المهم هو مدى سهولة اندماج هؤلاء الأمريكيين الجدد في الأمريكيين القدامى. ثمة أخبار جيدة. فالأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب نشرت مؤخرا دراستين توردان مكاسب مهمة وسط المهاجرين. فمقارنة بالعاملين المولودين في الولايات المتحدة نجد أنهم يشهدون ارتفاعا في أجورهم. ويلتحق المزيد منهم بالجامعات، كما تتحسن كفاءتهم في استخدام اللغة الإنجليزية بمعدلات لم تتحقق من قبل.

لكن هنالك مفارقة هنا. فمن أجل جعل الهجرة السابقة ناجحة يجب تقييد الهجرة الحالية. وبدون ذلك ستكون هنالك ضغوطات باعثة على الخلاف حول التعامل مع المجموعات الجديدة. إذ كيف يمكن خفض الفقر إذا كان يتم رفد صفوف الفقراء الحاليين بمهاجرين فقراء جدد؟ فاستقبال المزيد من العمال الذين يحصلون على رواتب ضعيفة يجعل من الصعب لمهاجري الموجة السابقة لهم من ذوي الرواتب الضعيفة والمنافسين الرئيسيين لهم ترقية أوضاعهم بتحسين دخولهم.

وعلى نحو مماثل، يعني وجود المزيد من أبناء المهاجرين الضغط على موازنات مدارس المقاطعات والولايات الأمريكية. ثم هنالك مجموعة كاملة من الاختلافات الثقافية والتاريخية بين أهالي البلاد الوطنيين والمهاجرين وكذلك بين المهاجرين أنفسهم. إن القدرة على استيعاب المهاجرين هي إحدى الجوانب المشرقة للمشروع الأمريكي. ولكنها ليست قدرة بلا حدود. لذلك من الواجب ترك المجال للحقائق العملية. توجد حقا خطوط عامة لسياسة هجرة معقولة يمكن تبنيها. لكن ليس واضحا أن لدى إدارة ترامب ومعارضيها الشجاعة السياسية المطلوبة لترجمة المبادىء العامة لمثل هذه السياسة (التي يحظى جزء كبير منها بالقبول) إلى نظام قابل للتطبيق ويوازن بين حاجات الأمريكيين الجدد والقدامى.