أفكار وآراء

الرئيس ترامب وقانون «دود - فرانك»

21 فبراير 2018
21 فبراير 2018

د. عبد القادر ورسمه غالب -

[email protected] -

في أمريكا بدأ نقاش يقوده الرئيس ترامب حول القانون المعروف بقانون (دود - فرانك)، وهذا القانون مرتبط بالحركة الاقتصادية المصرفية الاستثمارية التجارية وله انعكاسات كبيرة عليها. والقانون جاء كرد فعل معاكس للانهيارات المصرفية والمالية التي حدثت قبل أعوام في أمريكا حيث قامت السلطات الأمريكية بمبادرة من البيت الأبيض بدراسة الأسباب التي أدت لحدوث الانهيار وكيفية تلافي أسبابه في المستقبل والحد من آثاره والسيطرة عليها. وقام الرئيس أوباما بتوقيع «قانون إصلاح وول ستريت وحماية المستهلك» المعروف جوازا باسم «قانون دود - فرانك» تخليدا لاسم من عمل بحماس ليرى القانون النور.

الغرض من إصدار هذا التشريع الهام يتمثل في عدة نقاط أهمها وضع معايير جديدة للشفافية والإفصاح والتركيز على مبدأ تحمل المسؤولية في الشركات، خاصة المسجلة بالبورصات والبنوك وشركات التأمين، بغرض الحد من المخاطر الكبيرة التي تعصف بها ثم بالنظام المالي الأمريكي مع العمل على السيطرة على هذه المخاطر وحسن ادارتها.

هذا القانون يوجه المؤسسات المالية ويدعوها لتحمل مسؤولياتها بنفسها بدلا من ترقب إنقاذ الحكومة، كما جرى الحال في عدة حالات، مع ضرورة العمل على توفير أسس المراقبة التنظيمية التي تضمن الحماية الكاملة للمستهلك من الممارسات المالية والمصرفية والتأمينية الخاطئة. وما يهدف له القانون أن تشمر الشركات عن ساعديها وتعتمد على نفسها في حالات الضيق، وعدم انتظار ضخ أموال من أموال دافعي الضرائب أي عدم تقديم الدعم الحكومي وإلزام الشركات لتحمل نتائج أعمالها وما اقترفته أياديها.

لقد اتفقت العديد من الجهات المختصة أن قانون «دود - فرانك» يعتبر بداية جيدة في سعي الحكومة للوصول إلى طريق الاستقرار المالي واستقلاليته الكاملة خاصة وأن هذا القانون يتضمن تكوين مجلس أعلى، برئاسة وزير الخزانة، وعضوية العديد من الوكالات الفيدرالية، مع وجود بعض الأعضاء المستقلين من مراقبي البنوك والبورصات والتأمين دون أن يكون لهم حق التصويت. والجهات المكونة للمجلس ذات اختصاص مباشر يمكنها من توجيه الأمور نحو ما يقود إلى الاستقرار المالي وتجنب المخاطر المحتملة... ولكن قد يواجهون المشاكل والصعاب، وهنا المشكلة نظرا لتضارب المصالح مع أصحاب النفوذ.

إن قانون «دود - فرانك» يعطي اللجنة العليا الصلاحيات المؤسسية التي تمكنها من القيام بدورها، وكل هذا لمحاولة تجاوز إخفاق مجلس الاحتياطي الأمريكي في مقابلة المخاطر أو التنبؤ الصحيح بحدوثها والفشل في فهمها. وكما يتضح فإن القانون يزلزل أقدام الهيئات الفيدرالية وهناك من يرى أن قيام اللجنة ينقص من دور مجلس الاحتياطي الفيدرالي ويهمش دوره السيادي في حماية وقيادة دفة الاقتصاد الأمريكي، مع السؤال المطروح عن كيفية تنسيق العمل بين المجلس الأعلى لمراقبة الاستقرار المالي ومجلس الاحتياطي الفيدرالي وغيره من الهيئات الفيدرالية الأخرى. وربما تكون بعض الخلافات ظهرت للسطح مما ينعكس سلبا علي مجمل الأمور... ومن هنا بدأت مخاوف الرئيس ترامب وبدأ ينادي بإلغاء هذا القانون.

وعلى الطرف الآخر، هناك من يرى تطورا إيجابيا في هذا التشريع لأنه يتناول في بوتقة واحدة كل السلطات الفيدرالية الخاصة بمجلس الاحتياطي الفيدرالي وهيئة مراقبة أسواق المال وهيئة مراقبة التأمين وهيئة حماية المستهلك وهيئة ضمان الودائع المصرفية وغيره من الهيئات الفيدرالية المنظمة لقطاعات المال والاقتصاد والاستثمار والأسواق ... حيث كان كل منهم يعمل بمفرده في طريقه المحدد ورؤيته المحددة ، وقد يكون هذا بدون تنسيق مع بعضهم البعض بل تنافر وكل يعمل من داخل خندقه.

وبحسب ما تبين فإن وجود الشركات الكبيرة، في العمل الاقتصادي التجاري، كان من المشاكل التي أدت للانهيارات والانتكاسات المالية، لأن بعض هذه الشركات وصلت إلى قناعة بأنها «أكبر من الفشل» وفوق الجميع. والقانون الجديد أتى بنظرة مختلفة تتضمن أحكاما للحد من سلطات هذه الشركات المالية الكبيرة خاصة وأن السلطات الكبيرة ساعدت أو قد تساعد في حدوث الخلل الذي قد يقود بدوره إلى الانهيارات. ويركز القانون على تحقيق أعلى درجات حوكمة الشركات والإدارة الرشيدة الفعالة ومن ضمنها وضع أسس جديدة لتحديد رواتب ومزايا ومنح أعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية العليا في الشركات.

ومن الأحكام الهامة التي استحدثها قانون دود - فرانك توفير عدة طرق متطورة لتقديم التحذير والإنذار المبكر والتنبيهات المسبقة عن الخلل وكيفية تداركه وفق المعايير التي يضعها المجلس الأعلى، والذي بدوره يقوم برفع تقارير سنوية ودورية للكونجرس لتوفير المزيد من الرقابة (التنفيذية والتشريعية) على هذه القطاعات الهامة وبما يضمن تطوير الارتقاء بالأداء لحماية المستثمرين والمستهلكين وقبل كل هذا حماية الخزينة العامة ومن خلفها دافع الضرائب.

ولتحقيق هذه التوجهات هناك اشتراطات لا بد من التقيد بها، وفق القانون الجديد، فمثلا بالنسبة للبنوك وشركاتها المرتبطة تم تحديد طرق تقديم التقارير لكل الجهات المختصة مع تقارير خاصة للكونجرس، وتحديد الحدود المطلوبة للتمويل والضمانات والإجراءات الإضافية للتصفية ومعالجة الإعسار.... وبالنسبة لأسواق المال هناك ضوابط ومعايير جديدة لتسجيل شركات تقديم الاستشارات الاستثمارية وضوابط إنشاء الصناديق المختلفة وضوابط إدراج الشركات في البورصات وأحكام دعم حماية المستثمرين في أسواق المال. أما بالنسبة للتأمين فهناك أحكام جديدة لمراقبة الصناعة التأمينية في كل مراحلها مع إيجاد البدائل لتعريف الفراغ التنظيمي الذي قد تنجم عنه أو بسببه أزمات مالية، مع التركيز على فتح نوافذ التأمين لكافة الفئات. ومن المهام الضرورية تقديم التوصيات المسبقة حول مكامن الخطر والمخاطر في التأمين ومراجعة كيفية إدارة تأمين الإرهاب بكافة أشكاله مع التنسيق بالنسبة لمسائل التأمين الدولية.

في رأينا ورأي العديد من المختصين، أن هذه النقاط جوهرية وجريئة وتمثل روح القانون الجديد وما يصبو لتحقيقه، وهناك قناعة كبيرة في أن ينجح «قانون دود - فرانك» في كبح المخاطر والسيطرة عليها وإعادة وضع خط سير القطار في طريقه لتقويم ما أعوج من سير أقوى اقتصاد في العالم ؟ ولهذه القناعة فإن العديد من هيئات أسواق المال والبورصات والبنوك المركزية في العديد من دول العالم قامت بدراسة تطبيق أحكام قانون دود - فرانك للاستفادة من موجهاته الهامة لرفد اقتصادهم ودعمه ؟ ومن دون شك، في أن رؤية الرئيس ترامب ضد قانون «دود - فرانك» قد لا تجد الحماس داخل وخارج أمريكا. وهناك حاجة لمنح القانون المزيد من الوقت الإضافي حتى يتم تحقيق أهدافه وهي بعيدة المدى ونجتاح لفترة حتى نرى مردودها وننعم بجني خيراتها.. ولكن من يقنع الرئيس ؟