humdah
humdah
أعمدة

سعداء حيثما كانوا

18 فبراير 2018
18 فبراير 2018

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

كنت كغيري أظن بأن السعادة هدف يمكن الوصول إليه من خلال تطبيقات التنمية البشرية التي تعلمت، حتى تعلمت بأن السعادة فعلا تنبع من الداخل، تعلمت هذا على يد فقراء الهند، التي قصدتها لتعلم تقنيات اليوجا، وأنا أراهم يمارسون حياتهم برضا عجيب في المركز لخدمة الآلاف من مرتاديه من أثرياء العالم الذين قدموا بحثا عن أسطورتهم الشخصية وعن السلام الداخلي بعد أن أرهقهم الجري وراء المادة الذي أصبح سمة هذا العصر، من أثرياء وعلماء ومشاهير تخلوا عن حياة البذخ من أجل لحظات صفاء في بلد العجائب.

لطالما كان حالهم مصدر حيرة بالنسبة لي وأنا أجوب شوارع المدن الكبيرة من ملبورن الأسترالية إلى نيويورك الأمريكية مرورا بلندن وباريس، حيث الجميع يركض وراء أمرا في كثير من الأحيان يبدو القطار الذي سيأخذهم لوجهتهم، لكن الحقيقة أنهم اعتادوا الوتيرة السريعة للعيش، مما أفقدهم القدرة على تلمس موقع (الكنز) بدواخلهم، حتى أولئك الذين يعيشون بوتيرة بطيئة من المشردين والمدمنين عجزوا عن إدراكها.

فقراء بنجلور أيضا مشردون، يتخذون من المركز مأوى يخدمون فيه مرتاديه من أثرياء العالم ممن كانوا هم أيضا فقراء يوما وسعداء، وتوهموا بأنهم كانوا سعداء لأنهم كانوا فقراء لكنهم مخطئون أيضا فالفقر لا يعني السعادة كما شرح لي ذلك الرجل المسن الذي كان ينظم خروج النزلاء من قاعة الطعام الضخمة التي كانت تقدم فيها الوجبات المتواضعة جدا، بلغة عربية متقنة، اكتسبها من عمله في الخليج، ثم تركها ليأتي ويخدم في المركز مجانا مقابل وجبة متواضعة، قائلا: من الجنون البحث عن السلام في الخارج، فالسلام يوجد هنا - مشيرا إلى موقع القلب-  لقد عشت حياتي أعتقد بأن السعادة في الأخذ لكن هنا تعلمت أن السعادة في العطاء أكبر، أشار إلى زوجين إيطاليين تركا مناصب مرموقة جدا وحياة مرفهة من أجل الخدمة في الهند قائلا: كان بإمكانهما أن يستشعرا هذا في وظيفتيهما لو أنهما استوعبا قانون العطاء الكوني، السعادة ليست شيئا نبحث عنه، إنما حالة ذهنية سرها أن تعيش اللحظة، دستورها المحبة، في الأخذ والعطاء.