صحافة

الحياة الجديدة: الخروج من مأزق عملية السلام

16 فبراير 2018
16 فبراير 2018

في زاوية مقالات وآراء كتب باسم برهوم مقالا بعنوان: الخروج من مأزق عملية السلام، جاء فيه: من المؤكد أن جميع الأطراف المعنية بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبعملية السلام جميعها تشعر أنها بحاجة للخروج من المأزق الذي وضعها فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

هذا الأخير بإعلانه أن القدس عاصمة لإسرائيل إنما أخرج نفسه عن السياسة والدور الأمريكي التقليدي الذي كان سائدا في عملية السلام منذ التسعينيات.

فهذا الإعلان بالإضافة إلى تخفيض الدعم الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «اونروا» بأكثر من النصف يعني في واقع الأمر تقرير مصير القضيتين الأهم والأكثر حساسية بالصراع بشكل منفرد بعيدا عن طاولة المفاوضات والقانون والشرعية الدولية. قد يقول قائل إن إسرائيل لا تشعر أنها في مأزق، ولكن هذا الكلام ليس دقيقا، فما قدمه الرئيس ترامب لها على أهميته لا يحظى بأي شرعية وإن الغالبية الساحقة في العالم ترفضه وتعتبره باطلا.

كما أن إسرائيل لديها مأزق يتعلق بالخيارات، فدون السلام مع الفلسطينيين والتوصل إلى حل الدولتين فإنها تقف أمام خيار الدولة الواحدة بما يعنيه ذلك من خطر ديموغرافي مصيري، وخطر يتعلق بادعائها أنها دولة ديمقراطية.

الولايات المتحدة بدورها قد تبدو ليست في مأزق، ولكن عدم قبول الفلسطينيين لها كوسيط يفقدها الدور والتأثير المطلوبين في عملية السلام وإدارة الأزمة في الشرق الأوسط.

وإلى جانب ذلك فإن واشنطن تواجه عزلة على الساحة الدولية سواء فيما يتعلق بموقفها من القضية الفلسطينية أو بسبب قضايا أخرى.

الجانب الفلسطيني يرى المأزق على نحو مغاير، فإلى جانب خطورة إعلان وسياسة ترامب على مستقبله ومستقبل القضية الفلسطينية فإنه يدرك ألا وجود لعملية سلام جادة وفاعلة دون آلية دولية جديدة تكون واشنطن جزءا منها؛ لذلك نلاحظ الجهد السياسي والدبلوماسي المكثف للرئيس محمود عباس من أجل إيجاد الوسائل لمعالجة الأزمة.

من وجهة نظري أن المخرج الذي يسعى إليه الرئيس هو إيجاد آليات وإطار جديد للمفاوضات يكون للولايات المتحدة دور مهم فيها ولكن ضمن ضوابط يوفرها الإطار الأوسع والمرجعيات التي تقود فعلا إلى حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية.

العرب المنشغلون بأزماتهم هم أيضا في مأزق، فهم بحاجة لعملية سلام تبرد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تبريدا يمنحهم فرصة التفرغ لأولوياتهم التي فرضتها النزاعات الجديدة. أوروبا هي الأخرى لها مصلحة في تحريك عملية السلام وتحقيق إنجازات عبرها، وإعطاء أمل في المنطقة يمكن أن يمنع تدفق موجات هجرة جديدة.

وحدهما روسيا والصين لا تشعران أنهما في مأزق، فالدولتان اللتان كانت واشنطن وتل أبيب تستبعدانهما من أي مساهمة فعلية في عملية التفاوض يشعران أنهما في ظل المأزق الراهن قد تتاح لهما فرصة أكبر للمشاركة، وهذا ما يسعى إليه الطرف الفلسطيني.

إن ملامح نزول جميع الأطراف عن الشجرة تبدو اليوم أكثر وضوحا خصوصا مع الجهد الذي يبذله الرئيس أبو مازن، فما تتم بلورته اليوم هو إطار يمكن أن يضم اللجنة الرباعية مع اللجنة العربية الرباعية إضافة إلى الصين في إطار تنبثق منه المفاوضات القادمة.

بما أن الإطار وحده ليس كافيا فإن التأكيد على المرجعيات المعروفة وهي قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الثنائية والمبادرة العربية هي أمر مهم للخروج من المأزق الراهن. في الأيام الأخيرة نلاحظ أن هناك محاولة تقدمت بها الولايات المتحدة، وبالتحديد إدارة ترامب لإخراج نفسها وغيرها من المأزق، فقد حاول وزير الخارجية الأميركي ريكس تلرسون خلال جولته الحالية في المنطقة تقديم بعض التوضيحات حول القدس، وذلك عندما قال: إن المكانة الحالية للأماكن المقدسة لم تتغير، وإن الحدود في المدينة يقررها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني.

البيت الأبيض بدوره عندما تنصل من تصريحات نتنياهو التي قال فيها إن هناك مشاورات بين واشنطن وتل أبيب حول ضم المستوطنات لإسرائيل هو بمثابة محاولة تبرز خلالها واشنطن أنها ليست على اتفاق تام مع نتنياهو. الجانب الفلسطيني يرى في التوضيحات الأمريكية أنها غير كافية، ولا تصلح لأن تكون قاعدة لاستعادة دورها كوسيط، فالولايات المتحدة عليها أولا أن تعلن بشكل واضح دعمها لحل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية باعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.

التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط واحتمالات خروج الأمور عن السيطرة قد يدفع صناع المأزق إلى التعقل والنزول عن الشجرة في سياق العودة إلى المفاوضات ضمن الإطار الأوسع والآليات والمرجعيات الواضحة التي تمت الإشارة إليها سابقا.