أعمدة

نوافـذ: ومر «عيد الحب» .. دون حب

16 فبراير 2018
16 فبراير 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

لا أناقش هنا مواقف الاختلاف والاتفاق حول ماهية المناسبة، وحقيقتها، وأهميتها كمناسبة، ولا أدخل نفسي في حوار «سفسطائي» لحالات المراهقين الذين تروي ظمأ حبهم استعار الغريزة لا أكثر، وإنما أذهب بعيدا حيث حقيقة الكلمة ذاتها وحيويتها في أعماقنا، وفي حياتنا، وفي تعاطينا مع الآخر من خلالها، فالمسافة التي تفصلنا مع الآخر لا تزال تحافظ على ديمومية اتساعها عبر كل الأزمان، ولا تزال الشوائب التي تعطل انسيابية مساراتها كثيفة ومعقدة ومتشابكة، حيث يصعب من خلالها التعاطي، ولا زلنا ننظر في جوانب الحب نعليه قدرا عندما نبحث عن شيء ما في هذا الآخر؛ حتى نحقق ما نريد، ونسقطه من حساباتنا كلية عندما نحقق ما نريد، أو ندرك ألا فائدة أصلا من الاستمرار في ذات الطريق.

فالبشرية لا تزال تستمرئ غطرستها على الضعيف، ولا تزال القوة الكبرى تتعالى بجبروتها على الشعوب المغلوبة على أمرها، ولا تزال الأحقاد والضغائن تتعالى مشكلة سدا منيعا يصعب تجاوزه كلما قطعت البشرية ذاتها عمرا «توعويا» محسوبا عليها، وجميع التجارب، والمواقف، والأحداث، والكوارث، والانتهاكات، في حق الإنسانية على نفسها، لا تزال تراوح ذاتها منذ الافتتاحية الأولى لها على يدي ابني آدم قابيل وهابيل، ومع ذلك فالبشرية تنادي بـ«الحب» وتؤمن بـ«الكره» تنادي بـ«السلام» وتطبق الـ«حرب» تعلي من أصوات المآسي؛ حيث تجد فيها مادتها الخبرية؛ وتتكتم على أصوات التسامح؛ لأنها لا تثير جدلا، ولا تلفت انتباها.

اليوم، وحسب إحصائيات منظمات الأمم المتحدة أكثر من (75) مليون طفل يعيشون في مناطق الصراع العالمية هنا وهناك؛ حيث لا أمن ولا حياة كريمة ولا تعليم ولا صحة ولا شبع ولا ارتواء، وأضعاف مضاعفة لهذا العدد من النساء والعجزة والأرامل يعيشون في حالة لا تعبر عن حب الإنسانية لذاتها على الأقل؛ والمحظوظ منهم من يحصل على فتات الطعام ليسد بها جوعة النهار، فقط، أو جوعة الليل فقط، فما بين الليل والنهار قصة في حياة هؤلاء المغلوبين لا يستوعبها من «نفر» كرشه مترا.

صراع حامي الوطيس بين ما يسمى بـ«الحب» وبين الكره أو الحقد، أو الغطرسة، أو التكبر، سمه ما شئت، ولا يزال هذا الصراع يتغذى بالوسائل المتاحة في كل عصر، وإذا كانت البدائية الأولى أسست لهذا الكره الدفين في الإنسان تجاه عدوه الإنسان، فإن البدائية الحالية عمقت حالة الكره هذه، وأعلت من قدرها؛ بفضل الوسيلة الذكية، نعم؛ قد يكون هذا تأسيسا فطريا، حيث نوازع الخير والشر التي يحملها الإنسان بين جنبيه، لكن ألا يكون للخير موطئ قدم طوال هذه القرون التي مرت على التجربة الإنسانية.

أتفق كثيرا على حقيقة توازن المعادلة القائمة بين الخير والشر؛ فكما لا شر مطلق فإنه في المقابل لا خير مطلق، ولكن لأن الشر وقعه قاس على النفس، حيث جروحه غائرة فيها، ويميتها من الأعماق، ولذلك نراه طاغيا، وعدوا، وقاسيا، ومهلكا، ولذلك لا نطيق تحمله، ولذلك نمقته ونكرهه، ويحز في أنفسنا أن شعوبا مغلوبة على أمرها، وهي لا تعرف لـ«الحب» معنى، ولا للحياة السوية أملا، فطوال أعمارها القصيرة أو الطويلة، تجر أذيال الخيبة، والتقهقر، لا ترى في شروق الشمس أملا، ولا في طلوع النهار مرتقى.

ليس معيبا في تقديري الشخصي أن نذكر إنسانيتنا بأن هناك حبا، وأن هناك ودا، وأن هناك مسرة، وأن هناك وفاقا، وأن هناك تعاونا، وأن هناك تسامحا، وأن هناك آلاف المحطات لأن نلتقي، وأن نرتقي، نسمي ذلك عيدا، أو محطة، أو مناسبة، المهم ألا نبتعد كثيرا عن شيء يعيد إلينا حياتنا المسلوبة بفعل تصرفاتنا الفجة، وأن نقنع أنفسنا بأننا بشر، وأن إنسانيتنا تتسع أكثر وأكثر كلما أوغلنا في حقيقة حيواتنا التي نعيش.