إشراقات

حلاوة الحياة الدنيا ونجاة الآخرة

15 فبراير 2018
15 فبراير 2018

ناصر بن عبدالله الصوافي -

«يعتبر اليقين هو حلاوة الحياة الدنيا ونجاة الآخرة لأن العبد إذا تيقن وآمن بصدق ويقين بكل ما عند الله تعالى ووعده ووعيده وقوته وقدرته وبكل أسمائه وصفاته فإنه يعيش حياة هانئة مطمئنة لا يخاف على رزقه ولا عياله ولا يخشى من قضائه ولا من قدره لأنه مؤمن بصدق ويقين وان ما عند الله خير وأبقى».

اليقين درجة عالية من الإيمان ومرتبة عظيمة من مراتب القرب من الله تعالى بها تحصل الأنبياء على منزلتهم العالية والعظيمة وبها ارتقى الأولياء إلى مراتب العز والشرف الرفيع وباليقين نجا من نجا وباليقين تنال رحمة الله وتتحصل البركات وتعم الخيرات وتأنس النفس وتهنأ الروح وتعيش في طمأنينة وراحة وسكينة كيف لا واليقين هو العلم الأكيد الذي لا شك فيه ولا مراء ولا جدال بان الله تعالى هو مدبر الأكوان وخالق الكائنات وموجدها وهو معهم أينما كانوا وهو مطلع عليهم وشاهد في كل أحوالهم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يعلم ما تكنه صدورهم وما تتحدث به نفوسهم وما تتفوه به أفواههم وما تعمله جوارحهم يعلمون علم اليقين بان الله تعالى هو الرب وهو الإله الواحد الأحد الذي لا يعبد غيره ولا يشكر غيره ولا يحمد غيره ولا يسال غيره ولو خالط القلوب شك أو تردد في وجود الله أو علم الله أو شرع الله أو كتاب الله فانه ينتقل من مرحلة اليقين إلى مرحلة الظن والشك كما قال جل شأنه عن فئة من الناس سلكوا هذا المسلك (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) نعوذ بالله من مسلك أهل الشك والظن بالله ووعده ووعيده ولذلك أمر الله تعالى نبيه بالصبر وعدم اتباع أصحاب الأهواء وأهل الشك والذين لا يوقنون بأمر الله ووعده ووعيده فقال جل شأنه: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ).

أن أهم قضية كانت تؤرق المشركين وتزعجهم وهم منها في شك وعدم يقين بل انهم كانوا لا يصدقون ولا يرغبون في التصديق بها ألا وهي قضية الإيمان باليوم الآخر وقضية الحساب والثواب والعقاب والبعث فجاء القران الكريم يثبت هذه القضية ويؤكد عليها بل يجعلها أساسا من أسس الإيمان القويمة وأركانه المتينة فمن آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وصدق برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فانه لزاما عليه وواجبا بل ركنا من أركان إيمانه أن يؤمن باليوم الآخر وبالبعث والحساب ولذلك استمع بما وصف الله تعالى عباده المتقين في بداية سورة البقرة فقال جل شانه (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ركز على الإيمان باليوم الآخر والتيقن بحدوثه فكانت هذه صفة من صفاتهم جعلتهم ينالون ذلك الوصف من الله تعالى بأنهم هم المومنون وهم المفلحون وهم المتقون ..

وقد ورد مصطلح اليقين بمشتقاته في القرآن في عشرين آية وورد بمعاني متعددة كما يقول ذلك المفسرون وأهل الاختصاص ومن معانيه انتهاء الأجل وحضور الموت كما في الآية الكريمة: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ). وتحدث عن القرآن ووصفه بانه حق اليقين فقال عنه: (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ). وتحدث القرآن عن اليوم الآخر فقال جل شانه (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) .. فهذه الآيات تتحدث عن انشغال الناس بمُغرِيات الحياة وسفاسِفِها، وتَكالُبِهم على جمْع حُطام الدنيا ومغرياتها ثم ينبه الله تعالى هؤلاء إلى حقيقة مؤكدة وهي أن أمامهم من الأهوال والأحوال ما يجعلهم يفكرون بصدق وإخلاص في مستقبلهم وفي أخراهم وكيف سيتعاملون مع حقيقة البعث ورؤية النار والعذاب أن آلهتهم مغريات الدنيا وزخارفها عن البعث والحساب والنشور ...

يعتبر اليقين هو حلاوة الحياة الدنيا ونجاة الآخرة لأن العبد اذا تيقن وآمن بصدق ويقين بكل ما عند الله تعالى ووعده ووعيده وقوته وقدرته وبكل أسمائه وصفاته فانه يعيش حياة هانئة مطمئنة لا يخاف على رزقه ولا عياله ولا يخشى من قضائه ولا من قدره لأنه مؤمن بصدق ويقين وان ما عند الله خير وأبقى وأن ما يجريه الله تعالى على عباده ويقضيه لهم في حياتهم من أقضية ويقدر لهم من أقدار ما هي إلا صلاح لهم ومصلحة لهم في حياتهم ومنفعة لهم في أخراهم أن هم آمنوا وصبروا وشكروا وهذا المعنى الذي أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه (عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له).. وقال سبحانه (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) فمن امن بوعد الله تعالى وصدق به فحق له أن يسعد ويهنا ولا يحزن ولا ييأس وهذا هو الفرق بين من يشك في الإله والمعبود وفي قدرته وعلمه وشرعه وبين من آمن بصدق ويقين وإخلاص ...

ولكي يصل الإنسان إلى درجة اليقين والصدق مع الله والإيمان به تعالى فانه سبحانه وضع في الأرض بل في هذا الكون من الآيات الدالة على قدرته وربوبيته لأنه تعالى لم يطلب من الإنسان أن يؤمن بدون أدلة او إثباتات لأن البعض لا يصدق ولا يؤمن إلا بدليل وإثبات فجعل الله تعالى له في هذا الكون من الأدلة والإثباتات ما تبين له أن الله تعالى هو الخالق وهو المدبر وهو الذي بيده كل شيء قال تعالى (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) ..

إن اليقين يحجز الإنسان عن معصية الله تعالى لأنه متيقن بالعقاب والعذاب إن هو خالف أمر الله تعالى فلا يقدم على معصية أو مخالفة لأنه متيقن ومتأكد من العقوبة ومن الخطر المحدق به إن هو ارتكب هذا المنكر وهذه المخالفة كما هو الحال لمن تيقن بالخطر إن هو تجاوز الإشارات الضوئية فانه سيوقع نفسه في خطر وهلاك ربما بسبب حادث أو اقل تقدير مخالفة لأن هناك من يصوره ويراقبه ولذلك نرى جل الناس لا يتجاوزون الإشارة ولا يفكرون أبدا في تجاوزها لأنهم متيقنون ومتأكدون من العقوبة ومن الخطر الذي تمثله هذه المخالفة وهكذا الإنسان يجب أن يكون مع أوامر الله تعالى ونواهيه ..

والإنسان إذا ايقن بحب الله تعالى له وانه تعالى يرضى عنه وانه يرحمه وان له الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فان هذا اليقين يجعله يستسهل كل المصاعب والمتاعب والمشاق وتهون في سبيل ذلك كل المتاعب والآلام والابتلاءات ويعيش على أمل تحقيق وعد الله ونيل رضاه ...

والإنسان إذا آمن بالله تعالى بصدق ويقين فانه لا يخاف ولا يخشى مهما كانت العقبات والابتلاءات والنكبات لأنه يعلم بان الله تعالى معه ينجيه ويخلصه ويكتب له الخير في كل أموره ولنا في نبي الله موسى عليه السلام أروع الأمثلة في صدق اليقين وحسن توكله على ربه وحسن ظنه بالله تعالى فعندما أدركه فرعون وجنوده وكان أمامه البحر لم يجد مفرا ولا مهربا ولا خلاصا إلا يقينه بالله تعالى بانه مخلصه ومنجيه من هذه الكربة والضائقة ولم يشك لحظة في قدرة الله تعالى ولكن قومه ظنوا غير ذلك: (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) جاءت الأوامر فورا بعدما تيقن بوعد الله تعالى ونصره فتلك الأمواج المتلاطمة وذلك البحر العظيم ينقلب فجأة إلى ارض يابسة بقدرة الله تعالى وقوته وهكذا من كان مع الله موقنا به حق اليقين فانه لا يخاف دركا ولا يخشى أحدا ..