tunais
tunais
أعمدة

محبة مدفوعة الأجر !

13 فبراير 2018
13 فبراير 2018

تونس المحروقية -

الحساب في تويتر : @hlaa202020 -

فتاة في السابعة عشرة من عمرها قالت في حديث أسري لأمها: أتمنى أن أصبح “فاشنيستا” عندما أكبر ! سألتها أمها التي لم تنل حظًا عاليًا من التعليم عما يعنيه هذا المصطلح ! ردت عليها ابنتها بثقة: يعني أن أصبح مشهورة جدًا، ولدي متابعون في منصات التواصل الاجتماعي يتجاوز عددهم 300 ألف، وتدعوني المطاعم لتجربة طعامها مجانًا، كما تقدم لي محلات الملابس فرصا لارتداء ملابسهم من نوعية الماركات الغالية، وكذلك محلات الماكياج والعطور والاكسسوارات وغيرها من محلات الزينة والجمال والكماليات ثم آتي لأخبر متابعي حساباتي عنها ليشتروا بدورهم هذه المنتجات فتدفع لي الشركات مبالغ كبيرة على الترويج لمنتجاتهم في حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي.

ردت الأم محاولة أن تستوضح ما تود ابنتها الوصول إليه: وماذا ستفعلين كي يصبح لديك كل هذا العدد من المتابعين وأنت لا يعرفك سوانا في المنزل وبيت جدك وأخوالك وأعمامك وزميلاتك في المدرسة، قالت: سهل جدًا سأضع فيديوهات لي وأنا أمثل مشاهد مضحكة وأحيانًا مستفزة أو متمردة وسأضع قدرا كبيرا من الماكياج وأخلع الحجاب أو أجد طريقة لجعله ملفتًا وأعمل عدة عمليات تجميل وبسهولة بعدها سأحصل على هذا العدد من المتابعين !

فاشنيستا Fashionista بحسب قواميس اللغة الإنجليزية هو المصطلح الذي يشير لمن تقوم بتصميم الأزياء أو من تروج لها أو من تهتم بأن تلاحق آخر خطوط الموضة، بينما أصبح المفهوم في مجتمعاتنا العربية يقابل في المعنى من تطل علينا في وسائل التواصل الاجتماعي صباحا ومساءً في المطاعم والمحلات بكامل زينتها وماكياجها وملابس نومها أحيانا من داخل غرفتها وبكامل دلعها وغنجها وبجوار أشيائها الثمينة التي لا يستطيع الحصول عليها عامة الناس لتخبرنا كم نحن فقراء، وكم هي متواضعة كي تعيش معنا في كوكب واحد رغم فارق المستوى المادي بيننا !

تقضي يومها متنقلة من المطعم الفلاني للمحل الفلاني، وتشيد بكل مكان تطؤه قدمها أو منتج تمسكه بيدها حتى لو كنت أنت شخصيًا قد ذهبت لذلك المكان من قبل أو اشتريت ذلك المنتج قبل ذلك وتعرف أن جودته ضعيفة جدًا.

وتواصل هذه “الفاشنيستا” عملها الشاق في تناول الطعام طوال اليوم في المطاعم لدرجة تشعر أن لا بيت لها، إضافة إلى التسوق من أرقى المحلات بلا راحة والسفر بلا توقف وتخصيص عطور وملابس باسمها تبيعها بمبالغ طائلة.

هي بذلك تشعرك أن الحياة سهلة جدًا، وأنها لا تحتاج كل السعي الذي يقوم به البشر، فها هي بدون مستوى تعليمي واضح تحصل على كل ما تتمناه وتفتح لها كل الأبواب المغلقة، ثم تأتي في نهاية اليوم لتُنظر فيما لا تفقه فيه على جمهورها المحب في مجالات الأسرة والتخطيط وأساليب النجاح، ولا تمانع أن تستهزئ بحياة جمهورها وتنعتهم بالكسالى فهم لا يجتهدون كاجتهادها لذا حظوظهم في الحياة لن تصل لمستوى حظوظها أبدًا!

سيقول قائل: إن كل شخص هو أدرى بمصلحته، وهو حر فيما يختاره وكذا المتابعون هم أحرار فيمن يتابعونه، لكن المشكلة أن جيل المراهقين يرون أن مثل هؤلاء هن القدوة التي ينبغي أن يتم اتباعها للوصول للمكاسب الحياتية السريعة، فيهجرون رغبتهم في مواصلة التعلم والسعي انطلاقًا من أن هذه المهنة “إن صح تسميتها بهذا الاسم” تجلب الكثير من المال دون حاجة لشهادات أكاديمية أو اجتهاد، فقط الكثير من البهرجة والجمال والقدرة على صف الكلمات بتدفق واثق والحديث بدلع مستمر وبيع الحياء في أقرب سوق للمبادئ.

هذه الفاشينستا كذلك لا تمنعها مبادئ ولا قيم من أن تروج لعادات وقيم جديدة بحسب مزاجها الشخصي ويتابعها من يتابعها في هذا المجال، كما أنها لا تتوانى عن الترويج لمنتج هي تعرف أنه ليس جيدًا بل قد يكون ضارًا فهي تتاجر بعواطف البشر المعجبة بها لتدفعهم لشراء منتج موهمة إياهم أن هذا المنتج هو اختيارها وتفضيلها الشخصي حتى لو كانت لا تحب ذلك المنتج ولا ذلك النوع من الطعام.

هذه النماذج ربما ليست موجودة بشكل كبير في مجتمعنا العماني، لكن وجود وسائل التواصل الاجتماعي قربت المسافات وجعلت الكثير منا ينشغل بأخبار هؤلاء ممن لا تعرف له تخصصا معينا ولا مستوى تعليميا واضحا، إذ نلاحظ أن الكثير من الفتيات أصبحت تطالب أهاليها بشراء تلك المنتجات المروج لها في حسابات تلك “الفاشنستات” حتى لو كانت غالية فقط لأنهن يرغبن بالقيام بكل ما يقربهن من نجمتهن المحبوبة، كما أنهن يحلمن أن يكونن فاشينستات لتفتح الحياة لهن كنوزها، وهنا يكمن القلق، فوجود هؤلاء وثراؤهن السريع في بعض المجتمعات وكونهن قدوة لكثير من المراهقات رغم خوائهن إلا من شكل مبهر تملؤه الأصباغ يجعل من الجيل القادم يقف أمام قدوات مشوهة تقدم له طرق المكاسب السريعة حتى لو كانت بالابتذال وممارسة الضحالة والحماقة واللاشيء بكل ما يعنيه اللاشيء من معنى !