إشراقات

المواطنة في الإسلام (14): تحقيق العدل ومواجهة الظلم

08 فبراير 2018
08 فبراير 2018

إعداد: نادر أبو الفتوح -

أكد الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة في لقائه معنا، أن الشريعة الإسلامية حملت تعاليم وضوابط لتحقيق العدل بين الناس، وحذرت من الظلم، لأنه يؤدي للمشاحنات والخلافات بين الناس، ومنهج الإسلام لتحقيق العدل بين أبناء المجتمع، يأتي في إطار المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، والتي تقوم على حفظ النفس والدين والمال والعقل والعرض، وشددت الشريعة على ضرورة الحكم بين الجميع بالحق والمساواة، كما حذرت من ظلم الناس أو انتقاص حقوقهم، أو منح شخص حق لا يستحقه، على حساب شخص أخر، فكل ذلك يتنافى مع تعاليم ومبادئ الشريعة الإسلامية، ويتنافى مع مبادئ المواطنة في الإسلام، لأن العدل والمساواة أهم قواعد ومبادئ المواطنة في الإسلام.

ويؤكد الدكتور الدسوقي، على أن العدل من مبادئ الشريعة، ولذلك فقد حث الإسلام على ضرورة التعامل بهذه القيمة النبيلة، مع الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين، لأن الكل شركاء في الوطن، وغير المسلمين جزء من نسيج المجتمع، ويتمتعون بشرف المواطنة، التي تمنحهم كل الحقوق والواجبات، فغير المسلمين في المجتمع الإسلامي، مواطنون من الدرجة الأولى، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، وقد سبقت الشريعة الإسلامية الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، الصادر في ديسمبر عام 1948، لأن هذا الميثاق كان ردا على ثورات الشعوب التي نادت بالحرية، وانتفضت في وجه المستعمر، فالإسلام أرسى هذه الحقوق منذ أكثر من 14 قرنا من الزمان، عندما أمر بالعدل والمساواة بين الناس، وجعل الظلم ظلمات يوم القيامة، كما حث الإسلام على تحري العدل في كل التعاملات، مع الناس جميعا، مهما كان اختلاف الإنسان معهم، فالحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»، وهذه الآية الكريمة تحمل دعوة واضحة للعدل بين الناس.

ويضيف أن الإسلام كرم الإنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»، ولذلك فإن المسلمين كانوا يتعاملون مع غير المسلمين، بالعدل والرحمة والمساواة، والتاريخ الإسلامي يزخر بمثل هذه المواقف، فقد ذهب رجل من مصر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو له أن ابن عمرو بن العاص ضربه، فاستدعى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سيدنا عمرو بن العاص وابنه، وقال لهم كلمته المشهورة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار)، كما أن الحق سبحانه وتعالى أمر بالعدل، وقال الله عز وجل في القرآن الكريم: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» ، وهذه الآية الكريمة تدل على منهج الإسلام في تحقيق العدل بين الناس جميعا، مسلمين وغير مسلمين، لأن العدل هو أساس الملك، والأمم والحضارات تتقدم وتنهض بتحقيق هذه القيمة، التي حث عليها الإسلام.

ويشير إلى أن الشريعة الإسلامية حذرت من ظلم غير المسلمين، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، فقد حرصت الشريعة على تحقيق العدل بين الناس، لأن الأمم والشعوب والحضارات، تقوم على العدل والمساواة، كما أوجب الإسلام بضرورة العدل حتى مع المخالف في العقيدة، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، ومعنى ذلك أن جميع المواطنين في المجتمع، جعلهم الإسلام متساوين في الحقوق والواجبات، ولا يحل لأحد أن يظلم أخر، أو يتطاول على حقوقه، لأنه مخالف له في العقيدة، فهذا يتنافى مع قيم ومبادئ المواطنة في الإسلام.

ويوضح أن الإسلام يحرص على تقوية العلاقة بين أبناء المجتمع، مسلمين وغير مسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، بل إن دعوة الإسلام لتحقيق العدل والمساواة، اقترنت أيضا بالإحسان والعفو عند المقدرة، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»، كما أوجب الإسلام بالعدل والمساواة، مع غير المسلمين في الوظائف العامة، فلا يجوز مثلا أن يتعرض شخص لظلم، لأنه غير مسلم، فالمواطنة تعني أن يكون جميع المواطنين سواء في تقلد الوظائف، إلا في الحالات التي يتفق عليها المجتمع، وتتطلب أن يكون المسؤول في هذا الموقع يمثل الأغلبية.