إشراقات

سلوك طفل مسلم (14): الصدق

08 فبراير 2018
08 فبراير 2018

القاهرة: أماني أحمد -

الصدق هو أن يقول الإنسان الحق وأن تكون أفعاله مطابقة للواقع، ولقد مدح الله الصادقين فقال في كتابه: «أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون».

تقول ماجدة قاسم في كتاب «قصص الأخلاق للأطفال والناشئين»: الصدق أنواع، فمنها الصدق مع الله، وذلك بإخلاص الأعمال كلها لله، وهناك الصدق مع الناس، وذلك بعدم الكذب، وقول الحق في حديثه، وهناك الصدق مع النفس. وللصدق فضل كبير، قال تعالى: «قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم».

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا» متفق عليه. وفي المقابل نهى الإسلام عن الكذب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» متفق عليه.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقب قبل الإسلام بالصادق الأمين، ولذا لما ذهب أبو سفيان إلى هرقل سأله هرقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبوسفيان: عن النبي صلى الله عليه وسلم: هو فينا ذو نسب. فقال هرقل : فهل ادعى أحد من قريش النبوة قبله؟ فقال أبو سفيان: لا. فقال هرقل: كنتم تتهمونه بالكذب؟ فقال أبو سفيان: لا. قال هرقل: فهل يغدر؟ فقال أبو سفيان: لا. قال هرقل: فماذا يأمركم به؟ فقال أبو سفيان: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة، والصدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة. فقال هرقل: هذه صفة نبي.

المسلم يرتقي في الكمال حتى يصبح صديقا لكثرة صدقه مع الله ومع الناس ومع نفسه، ولذا لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج ذهب المشركون إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس. فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك فقد صدق. قالوا: أو تصدقه، تصدق أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. ومن يومها لقب أبو بكر بالصديق.

ليس هناك كذبة كبيرة أو كذبة صغيرة، الكذب كذب والصدق صدق، ولذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تنادي على ابنها وتقول له: تعال أعطك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أردت أن تعطيه؟» فقالت المرأة: أردت أن أعطيه تمرا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة».

ومن جهة أخرى يقول حامد أحمد الطاهر فى كتابه «من وصايا الرسول للأطفال»: اهتم الإسلام كثيرا بتربية المسلمين تربية صحيحة، تعتمد على طهارة القلب، ونظافة اللسان. وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن للكاذب عند الله عز وجل عذابا شديدا في النار، فقد رأى ليلة الإسراء والمعراج في النار رجلا معه عود من حديد يضعه في خده الأيسر، فيقطع به شدقه (جانب الفم من تحت الخد)، ثم يخرجه من قفاه، حتى يخرج عود الحديد من خده الأيمن، فإذا أخرجه عاد ففعل هذا مرة ثانية، وثالثة، وهكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا؟» فقال جبريل عليه السلام: هذا هو الكذاب، يعذب هكذا إلى يوم القيامة.

وفي بعض الأوقات يظن المسلم أن غيره لا يضحك إلا إذا كذب، وقال نكتة لم تحدث، ولكن يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المزاح واللهو والمرح يكون بالصدق أيضا. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة عجوز: «إن في عينيك بياضا». فقالت: لا يا رسول الله. وهي تظن أنه يقول لها: بياض من مرض. فقال:« أليس في عين كل منا بياض وسواد..» فضحكت المرأة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة عجوز يمزح معها: «لا يدخل الجنة عجوز». وبكت المرأة، وظنت أنها لن تدخل الجنة. وضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: « لا يدخل الجنة عجوز، لأن الله عز وجل يعيد لأهل الجنة شبابهم مرة أخرى».

والصدق طمأنينة، ومنجاة في الدنيا والآخرة، ولذا خرج غلام في قافلة يطلب العلم، فأوقفه سارق، وسأله: كم معك من المال؟ فقال الغلام: أربعون دينارا. فأخذه السارق إلى كبير اللصوص فسأله: ما الذي أجبرك على أن تصدق ولا تكذب؟ فقال: لقد عاهدت أمي ألا أكذب، وإني أخاف أن أخون عهدي. فتأثر السارق وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أمك! أنا أولى منك بذلك. ورد الأموال إلى أصحابها، وتاب إلى الله هو ومن معه ببركة صدق الغلام. قال صلى الله عليه وسلم: «تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة، فإن فيه النجاة»، ولذا هرب أحد الشباب من ظالم يريد أن يؤذيه، واختبأ عند رجل صالح، فلما علم الرجل الصالح بقصة الشاب قام بإخفائه تحت كومة من الخوص، وجاء الرجل الظالم وقال للرجل الصالح: هل مر عليك شاب؟ فقال الرجل الصالح: نعم، وهو تحت هذا الخوص. فظن الرجل الظالم أن الرجل الصالح يكذب عليه، فتركه وانصرف وهنا ظهر الشاب وقال للرجل الصالح: لماذا قلت للظالم أني تحت الخوص، هل كنت تريد إيذائي؟ فقال الرجل الصالح: اسكت فقد نجوت ببركة الصدق.

وعقاب الكاذب هو غضب الله عز وجل عليه، وإدخاله النار، كما يكتب عند الله كذابا. ويشتهر بالكذب، فيبتعد عنه الناس، يكون من المنافقين، ومن الفاجرين.

وجزاء الصادق يحبه الله عز وجل، ويكتبه صديقا، ويدخله الجنة. ويعرف بالصدق ويحبه الناس كما كانوا يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم. يكون من المؤمنين الصادقين. ينجيه الله تعالى بصدقه من كل سوء.