أفكار وآراء

العلاقات العمانية-المصرية.. نموذجية

06 فبراير 2018
06 فبراير 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

إن الخلافات العربية العربية لن تأتي بشيء مفيد للعرب، وبالتالي لا بد من التركيز على القضايا العربية الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وبالأخص منها ما يتعلق بمدينة القدس المحتلة ومستقبلها ، باعتبارها جزءا من الأرض العربية المحتلة عام 1967.

على ضوء التطورات السياسية التي شهدتها العلاقات العربية-العربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة فان الوضع العربي هو في أسوأ حالاته سواء على صعيد تنامي الخلافات السياسية او على صعيد التعاون الاقتصادي ، او حتى في مجال جودة التعليم الذي يعد المؤشر الأهم على تطور الأمم والشعوب ومن هنا فان أي تقارب عربي-عربي من خلال الزيارات المتبادلة يفتح أفقا للتفاؤل نحو استعادة التضامن العربي ولعل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسلطنة ولقاءه الأخوي بجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- يأتي ليحدث الأثر الإيجابي وتحريك المياه الراكدة في العلاقات العربية-العربية.

علاقات تاريخية

العلاقات العمانية-المصرية هي علاقات نموذجية ، ولاتتأثر بأي تحول سياسي إقليمي ودولي ، لأن لهذه العلاقة بعدا حضاريا يمتد لأكثر من 3500 عام ، حيث التبادل التجاري بين قدماء المصريين وأهل عمان من خلال تصدير اللبان العماني الشهير من ظفار إلى مصر بل إن الملكة المصرية حتشبسوت ، زارت ظفار في رحلة تاريخية، مما يدلل على حضارة البلدين وعلاقاتهما التي تضرب في جذور التاريخ.

ولعل اشهر المواقف العمانية من مصر كانت عام 1979 عندما رفضت السلطنة بقيادة جلالة السلطان المعظم قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل والتي استعادت من خلالها مصر كل ترابها الوطني في سيناء .

وبعد عشر سنوات من المقاطعة العربية، كان الحضور المصري في الجامعة العربية، من خلال القمة العربية في الدار البيضاء في المغرب عام 1989، وكان للسلطنة دورها القومي في استعادة مصر الشقيقة دورها الريادي العربي، ومن هنا فان العلاقات بين القاهرة ومسقط ذات أبعاد سياسية، مما يعطي مؤشرا بأن قيادتي البلدين ماضيتان في تعزيز تلك العلاقات وتطويرها، من خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بدعوة كريمة من جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه، ومن خلال ماشهدته تلك الزيارة من استقبال رسمي حافل ومحادثات على جانب كبير من الأهمية بين جلالة السلطان المعظم والرئيس السيسي .

ولاشك ان زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولقاءه مع جلالة السلطان المعظم سوف تضيف لبنة هامة وحيوية للعلاقات بين البلدين الشقيقين من خلال تنشيط العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، وفي مجال التعليم والسياحة، على ضوء الإمكانات الكبيرة، التي يمتلكها البلدان الشقيقان في مختلف المجالات، ومن هنا فان العلاقات بين مصر والسلطنة كانت على الدوام طيبة من خلال اللقاءات المتواصلة بين مسؤولي البلدين ، مما يعطي نموذجا حيا لحيوية العلاقات والتشاور والتنسيق المستمر بين قيادتي البلدين.

العمل العربي المشترك

لاشك أن العمل العربي المشترك يمر بمنعطف صعب حيث الخلافات السياسية تتواصل بشكل كبير، وهناك تحديات للأمن القومي العربي الذي يحتاج إلى حكمة القيادات العربية للخروج من تلك التحديات التي تحتاج مثل تلك المشاورات السياسية كالتي حدثت مؤخرا بين السلطنة ومصر. التكامل الاقتصادي العربي هو من أهم الملفات التي تحتاج إلى تفعيل من خلال إقامة السوق العربية المشتركة والنقل البري وتبادل الخبرات مما يشكل سوقا اقتصادية سوف يحتل العالم العربي المرتبة الرابعة بين اقتصاديات العالم من خلال إمكانات كبيرة. فالعالم العربي بحاجة الى منهجية وفكر جديد في العمل العربي المشترك حتى يمكن الانطلاق نحو آفاق أفضل ، ويكون للعرب مكان تحت الشمس ، بين الحضارات الإنسانية المتطورة ، ومن هنا فإن اللقاءات العربية العربية ، تعد على قدر كبير من الأهمية ، ولاشك أن جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - صاحب رؤية حكيمة ، من خلال فكره الثاقب ، الذي يقرأ الأحداث الكبرى بطريقة صحيحة ، ولعل نجاح جلالته في إيجاد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب ، يعد واحداً من أهم إنجازات الدبلوماسية العمانية النشطة وذات المصداقية، والقادرة على التعامل مع الملفات الصعبة بكل موضوعية وحياد منصف لكل الأطراف المتنازعة.

مصر والدور الريادي

سوف تظل مصر هي قلب العروبة وذات الدور الريادي على مر التاريخ ، ومن هنا فإن دعم مصر وبقاءها قوية، يعني أن العرب أقوياء ، ومن هنا لا بد من التلاحم العربي مع الشقيقة مصر ، بصرف النظر عن أي اجتهادات سياسية. ومن هنا أيضا، فإن تفعيل الجامعة العربية وفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية العربية ، اصبح أمرا ضروريا وحيويا، خاصة في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة من تاريخ الأمة العربية الحديث، وهذا يتطلب بالتأكيد ، إرادة سياسية عربية ، والحرص على مصالح الأجيال العربية ، وإقامة التكامل الاقتصادي العربي ، والذي سوف يعطي دفعة كبيرة للتطور والتحديث والتنمية المستدامة في العالم العربي ، واستغلال الإمكانات المادية والبشرية لإيجاد أمة عربية ذات شأن بين الأمم والشعوب .

ومن المؤكد أن الخلافات العربية العربية لن تأتي بشي مفيد للعرب ، وبالتالي لا بد من التركيز على القضايا العربية الكبرى ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وبالأخص منها ما يتعلق بمدينة القدس المحتلة ومستقبلها ، باعتبارها جزءا من الارض العربية المحتلة عام 1967، وأيضا إيجاد حلول للأوضاع الصعبة ، والمعاناة والتهديدات التي تتعرض لها كل من اليمن وسوريا وليبيا ، وشعوبها الشقيقة، لأن حل تلك الصراعات سوف يخلق مناخا إيجابيا للأمن والاستقرار ، للحفاظ على الأمن القومي العربي ، ومن هنا فإن الزيارات بين القيادات العربية ، تفتح آفاقا هامة ، تسهم في السير نحو ايجاد الحلول الموضوعية لكل الخلافات بين الأشقاء.

وتبقى العلاقات العمانية المصرية علاقات نموذجية ثابتة، تقوم على الاحترام المتبادل، والتعاون والأخوة الصادقة ، والتشاور المستمر.

حفظ الله السلطنة ومصر وكل البلدان العربية .